ما إمكانية إنشاء آلية دولية بشأن الاختفاء القسري في سوريا
تعد جريمة الاختفاء القسري في سوريا ظاهرة وطنية، والنظام السوري المتهم الأبرز بارتكابها. ونتيجة للمآسي الإنسانية التي تخلفها جريمة الاختفاء القسري على الضحية وأسرته ومحيطه المجتمعي، طالبت عدة منظمات حقوقية سورية وهيئات أممية بإنشاء آلية مختصة بهذه القضية ذات ولاية دولية.
وأوصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا الأمم المتحدة بإنشاء آلية ذات ولاية دولية بشأن تعزيز الجهود الأممية لتوضيح مصير الأشخاص المفقودين والمختفين.
وحددت “لجنة التحقيق” من خلال تقريرها (14 صفحة)، المنشور في 17 من حزيران، مبادئ العمل الأساسية التي تقوم عليها وظائف هذه الآلية، بغض النظر عن شكلها أو تكوينها، وتشمل هذه المبادئ: الاستقلالية، عدم التحيز، الحياد، الإنسانية، الكرامة.
وتطالب “لجنة التحقيق” بأن تكون هذه الآلية “ذات ولاية دولية” من أجل ضمان العمل بمصداقية، وأن تنجح في تجميع المطالبات التي جمعتها الكيانات الأخرى، وأن تضمن وجود مذكرات تفاهم لتقاسم المعلومات مع الكيانات الأخرى، ويكون لديها سبل الوصول إلى أماكن خارج سوريا حيث يوجد ملايين اللاجئين، وهم أيضًا شهود وضحايا.
وأبرز أهداف الآلية هو التحقيق في حالات الاختفاء القسري، للسماح لأقارب المختفين بالإبلاغ عن تفاصيل حالاتهم وضمان إجراء التحقيقات المناسبة.
وبحسب إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، يوجد ما لا يقل عن 100 ألف شخصًا في سوريا لا يزالون قيد الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة، في حين اللجنة الدولية لشؤون المفقودين جمعت بيانات من أقارب أكثر من 23 ألف شخص مفقود، وتلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أكثر من 13 ألف طلب تعقب بحلول عام 2018.
وفي حين أن حكومة النظام السوري أنشأت عدة كيانات سببها الظاهري هو بحث قضية المفقودين والأشخاص المختفين قسرًا، ومساعدة الأسر في العثور على أقاربهم المفقودين، مثل “الهيئة العامة للطب الشرعي” التي تأسست عام 2014، من أجل تقديم خدمات فحوص الطب الشرعي، فلم يظهر أي تحرك جدي في هذا الإطار حتى الآن.
اقرأ أيضًا: جهود سورية للإفراج عن المعتقلين تنتظر سلطة الإلزام
التحدي الأكبر.. موقف النظام
الإعلان عن هذا المشروع هو اتجاه نحو البحث عن حقيقة المعلومات الخاصة بالمختفين قسرًا، وهو أمر “يمكن تحقيقه وليس مستحيلًا”، بحسب مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إذ “يتطلب قرارًا أمميًا لإنشاء الآلية من خلال توافق عدة مؤسسات أممية مشتركة، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر”.
لكن “التحدي الأكبر حول هذه الآلية”، وفق تعبير العبد الله خلال حديثه لعنب بلدي، يكمن بـ”موافقة النظام السوري على التعاون مع هذه الآلية، وهو شرط لازم لإنجاح غاية هذه الآلية، لأنه إذا لم يتحقق ذلك، سنكون أمام آلية غير قادرة على الدخول إلى سوريا، مقيمة في الخارج، وهو أمر لا يقدم أو يؤخر في الحقيقة”.
وأوضح العبد الله ماهية موافقة النظام على عمل اللجنة بأن يكون هناك “تعاون تدريجي مع هذه الآلية، وهو أمر قد يبني ثقة ما، بينها وبين النظام، فليس المطلوب فتح سجون المخابرات السورية من اليوم الأول لتأسيس هذه الآلية”.
والتعاون المطلوب تنفيذه من قبل النظام السوري هو “إنشاء مكاتب للمعتقلين والمختفين قسرًا لتسجيل أعدادهم من قبل مراجعة أهاليهم، ويجب أن تكون هذه المكاتب علنية ومفتوحة للجميع”.
وبحسب العبد الله، “هذا الإجراء مهم جدًا في سياق هذه القضية، فحتى اليوم تداول عدد ضحايا الاعتقال والاختفاء القسري غير معروف رسميًا، عدا الأرقام التي وصلت إليها المنظمات الحقوقية المعنية، وتحديد الأماكن التي يجب البحث عنها، والجهات التي يجب مراجعتها لمعرفة مصير الأشخاص المختفين قسرًا”.
كما يجب وجود تعاون فعلي بين المنظمات الحقوقية السورية والدولية لإنجاح مثل هذه الآلية.
الحاجة إلى التمويل
بحسب ما قاله المحامي والناشط الحقوقي المعتصم الكيلاني، في حديث إلى عنب بلدي، فإن أول التحديات اللوجستية التي تقف أمام إنشاء هذه الآلية هو تحدي مرتبط بالتمويل، سواء كان مصدر هذا التمويل هو بلدان معينة، أو بميزانية خاصة تُطرح من قبل الأمم المتحدة.
وفي 2021، اعترضت روسيا على آلية تمويل لجنة التحقيق المستقلة الخاصة بسوريا، ضمن ميزانية الهيئة العامة للأمم المتحدة لعام 2022.
وكانت “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، تبنت قرارًا بشأن المساهمات المالية للدول الأعضاء، والتي بلغت 3.12 مليار دولار، سيسري في الفترة من العام 2022 إلى العام 2024، تتضمن الميزانية المالية للهيئات واللجان والوكالات التابعة لها.
وقال نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، ديمتري تشوماكوف، إن “ميزانية الأمم المتحدة للعام 2022 البالغة أكثر من 3 مليارات دولار تأخذ أولويات الجانب الروسي، على الرغم من أن موسكو تلاحظ عدم وجود توافق في الآراء بشأن تمويل آلية التحقيقات في سوريا”.
وأوضح الكيلاني أن قرار إنشاء الآلية يجب أن يحوز على الأغلبية، والدولة التي ستتقدم بملف طلب تنفيذ هذه الآلية يجب أن تشكل “لوبي دولي يسهم بالتصويت لمصلحة تنفيذ القرار”.
وتعمل جهات دولية وفق منهجية المناصرة، كونه غير مسموح لها الدخول إلى سوريا، أو إمكانية تفتيش السجون، ومثل هذه الجهات “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” و”الآلية المحايدة والمستقلة لسوريا”، وهاتان الجهتان ليس لديهما إذن بالدخول إلى مراكز الاعتقال في سوريا، إلا من خلال الفصل السابع لدى مجلس الأمن، وهذا الأمر يستحيل حدوثه بوجود “الفيتو” الروسي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :