سيادة سوريا “خارج الخدمة”.. رسائل إسرائيلية- إيرانية مسرحها مطار “دمشق”
تمثّل الضربة الإسرائيلية الأخيرة لمطار “دمشق”، وهو المطار الدولي الرئيس، صباح 10 من حزيران الحالي، اختراقًا واضحًا لمبدأ “سيادة الدولة”.
وتسببت الضربة بإخراج المطار عن الخدمة، بينما نشرت وزارة النقل في حكومة النظام، صورًا تظهر وزير النقل، زهير خزيم، من المطار، متابعًا لأعمال الترميم والإصلاح، التي لم يعلن عن انتهائها بعد.
وبحسب بيان للوزارة، في 15 من حزيران الحالي، أكد خزيم متابعة “البرنامج الزمني المخطط والاستثمار الأمثل لعامل الزمن المقترن بمعايير الجودة الفنية للأعمال”، دون أن يعلن عن موعد انتهاء أعمال الترميم.
وكانت إسرائيل نفذت منذ سنوات ضربات في المنطقة، من بينها هجوم في 21 من أيار الماضي، أدى إلى اندلاع حريق بالقرب من المطار وتأجيل رحلتين.
رسائل لإيران عبر سوريا
“القناة 12” الإسرائيلية قالت، في 12 من حزيران الحالي، إن القصف الصاروخي الإسرائيلي الذي استهدف مطار “دمشق” قبل يومين، أحبط 70% من عمليات تهريب الأسلحة إلى سوريا من إيران.
وجاء في تقرير القناة، أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية رصدت خلال الفترة الأخيرة تكثيف الإيرانيين الجهود لإدخال أسلحة “كاسرة للتوازن” إلى سوريا، مخصصة لمشروع “تطوير صواريخ دقيقة”.
واستشهدت القناة بتقارير أجنبية حول أنظمة تسمح بجعل الصواريخ دقيقة، كانت إسرائيل قد استهدفت مواقعها في سوريا من خلال 15 هجومًا خلال الشهر الأخير وحده، وفق القناة.
وأوضحت القناة، أنه عندما أدركت إسرائيل أن هذه الهجمات لم تحقق “الهدف المنشود”، اتخذت قرارًا بتصعيد الهجمات ومهاجمة مطار “دمشق”، وأضافت، “تشير التقديرات إلى إحباط نقل 70% فقط من الأسلحة الإيرانية، وأن دخول 30% فقط من شحنات الأسلحة يشكّل خطرًا”.
ومن جانبه، قال رئيس وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، لعنب بلدي، إن الضربات التي توجهها إسرائيل لأهداف إيرانية في سوريا، ليست اعتباطية أو عشوائية.
وأضاف أن إحدى الأولويات في الأهداف الإيرانية التي تضربها إسرائيل، هي أهداف تشكّل خطرًا أمنيًا عليها، سواء كانت منظومة صاروخية، أو شحنة أسلحة، أو غرف عمليات طائرات “درون”، أو اجتماعات، أو اغتيال شخصيات معيّنة.
أما ضرب المطار لتخريبه فقط فهو أمر مستبعد، بحسب شعبان.
ومن الناحية التقنية، استُهدف المطار بست ضربات، منها ثلاث على المدرج العسكري، وثلاث على المدرج المدني، ما تسبب بشلّ المدرج تمامًا.
وأشار شعبان إلى تحليلات تفيد بأن الغاية من القصف استهداف طائرة إيرانية في المطار، ولكنها تحليلات غير منطقية، لأن إيران يمكن أن تستخدم مطارًا آخر، مشيرًا إلى أن الضربة جاءت لتوجيه رسالة مباشرة لجميع الدول الداعمة للنظام، وبالتحديد لروسيا.
وكانت روسيا أعادت مؤخرًا تموضع قواتها في الجنوب بشكل أزعج إسرائيل والأردن بشكل واضح جدًا.
وضمن برنامج “معهد هوفر” التابع لجامعة “ستانفورد” الأمريكية، في 18 من أيار الماضي، حذر ملك الأردن، عبدالله الثاني، من أن تملأ إيران و”وكلاؤها” الفراغ الذي ستتركه روسيا في الجنوب السوري، وما قد ينتج عنه من تصعيد لمشكلات محتملة على حدود بلاده.
وأضاف أن “الوجود الروسي في الجنوب السوري كان مصدر تهدئة، وهذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.
بينما قال مبعوث الرئاسة الروسية إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في مستهل محادثات اجتماع “أستانة”، في 15 من حزيران الحالي، إنه لا يجوز لإسرائيل أن توجه الضربات لسوريا، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.
وأضاف لافرنتييف، “بطبيعة الحال، سنبحث مسألة القصف الإسرائيلي المتكرر على سوريا، ونرى أن من الضروري أن يتم تركيز الاهتمام على هذا أيضًا، فهذا الأمر غير جائز”.
وعليه لم ترد إسرائيل بشكل مباشر على تجاهل روسيا للمخاوف الإسرائيلية من إيران، كما تفعل كعادتها في الملف السوري، وشلّت حركة المطار بشكل كامل.
ولا تتبنى إسرائيل عادة الهجمات الصاروخية على سوريا، لكنها تشدد بشكل متواصل على حماية ما تعتبره أمنها القومي، ومنع تمدد النفوذ الإيراني في المناطق الجنوبية من سوريا، التي تحاذي في الوقت نفسه الحدود البرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ليست الأولى
في شهري نيسان وأيار الماضيين، ضربت إسرائيل المطار مرتين، ولكن لم تكن هنالك حركة طيران كثيفة.
ولكن بعد عودة حركة الطيران، صار النظام مضطرًا لأن يصرح عن الهجوم والدمار الذي لحق بالمطار، بحسب الباحث نوار شعبان.
ويرى الباحث أن الغاية من الضربة هي رسالة مفادها أن إسرائيل قادرة على شل حركة المطار، وأنها منزعجة من التموضع الإيراني في سوريا.
وعلى الرغم من أن الوجود الإيراني في حلب وريفها الشرقي صريح وواضح، بالمقارنة مع الوجود الإيراني في الجنوب السوري، استبعد شعبان احتمالية أن تقصف إسرائيل مطار “حلب” المسيطر عليه من قبل إيران، لبعده عن إسرائيل التي تستهدف المناطق التي تشكّل خطرًا على أمنها القومي، الأمر الذي اعتبره سياسة واضحة لدى إسرائيل.
وفي 12 من حزيران الحالي، قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت“، إن الأهداف التالية للتخريب في نقل المعدات العسكرية هي على الأرجح المواني في طرطوس واللاذقية.
وفي كانون الأول 2021، استهدفت إسرائيل بقصف صاروخي ساحة الحاويات في ميناء “اللاذقية”، ما تسبب باندلاع حريق كبير والكثير من الخسائر المادية.
وقالت صحيفة “Times Of Israel” الإسرائيلية، آنذاك، إن إيران تجلب الأسلحة الإيرانية إلى سوريا عبر الميناء الحيوي الذي تستقبل فيه سوريا العديد من البضائع، إلى جانب “حزب الله” اللبناني.
سيادة سوريا تخرج عن الخدمة
لا يوفر النظام فرصة له إلا ويتحدث دائمًا عن سيادة “الدولة السورية”، وتوعده بالرد على كل ما يمس بها، ولكنه لم يبدِ أي رد على القصف الأخير سوى الاحتفاظ بحق الرد، الذي لم يأتِ حتى الآن.
الباحث السياسي سامر الخليوي، قال لعنب بلدي، إنه ما من سيادة في سوريا في ظل حكم عائلة الأسد، فإسرائيل تفعل في سوريا ما تريد وأينما شاءت.
ويمثّل ذلك التوافق الضمني ما بين إسرائيل وروسيا على حق إسرائيل بحرية التصرف في سوريا، فروسيا تدعم موقفها مع إسرائيل على حساب الأسد، بحسب الخليوي.
وكانت إسرائيل معتادة على انتهاك السيادة السورية منذ أيام الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، الذي كان يحتفظ دائمًا بحق الرد دون رد.
وفي 29 من آذار الماضي، قالت صحيفة “Times Of Israel“، إن سلاح الجو الإسرائيلي أطلق 586 ذخيرة على أهداف في سوريا في عام 2021، ضمن عشرات الغارات المنسوبة إلى إسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في القوات الجوية الإسرائيلية، أن قوات النظام السوري ردت بـ239 صاروخًا مضادًا للطائرات على الغارات الإسرائيلية، معظمها لم تصب هدفها.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :