لغة ناعمة وانفتاح على العرب.. ما جديد الأسد في مقابلته الأخيرة

  • 2022/06/12
  • 9:40 ص

رئيس النظام السوري بشار الأسد في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" الناطقة بالعربية - 9 حزيران 2022 (صفحة "رئاسة الجمهورية" في فيسبوك)

عنب بلدي– حسام المحمود

في بهو واسع ضمن القصر الرئاسي، وعلى كرسيين لا تتوسطهما طاولة، دارت مقابلة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مع مذيعة قناة “روسيا اليوم”، الناطقة بالعربية وتديرها الدولة، لمدة 31 دقيقة ونصف، مساء 9 من حزيران الحالي.

المقابلة التي حملت في أجندتها الكثير من الموضوعات، أجراها الأسد تاركًا الباب خلفه مفتوحًا، بما يمكن تفسيره سياسيًا على أنها خطوة لمحاولة التعبير عن عدم الإخفاء أو “الشفافية”.

وبالنظر إلى السياق الزمني بالنسبة للطرفين، السوري والروسي، تأتي المقابلة بعد ثلاثة أشهر ونصف من بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا في 24 من شباط الماضي، في ظل تراجع الطموحات الروسية في الوصول إلى العاصمة الأوكرانية، كييف، التي بدأت تستعيد بعضًا من دماء حياتها الدبلوماسية والسياسية، بالتزامن مع عودة بعثات دبلوماسية لبعض الدول إليها.

كما تأتي المقابلة بعد أسبوعين من مرور عام على الانتخابات الرئاسية في سوريا، في أيار 2021، وما حمل حينها شعار الأسد الانتخابي “الأمل بالعمل”، من وعود فضفاضة وضبابية، لم تتوضح ضمن برنامج انتخابي مفصّل.

ما الجديد؟

رئيس “رابطة الصحفيين السوريين”، سمير مطر، بيّن في حديث إلى عنب بلدي أن المقابلة عديمة الأهمية دوليًا، وأن اللقاء رسالة للداخل السوري ولمن اصطف إلى جانب النظام أو بقي صامتًا داخل سوريا على الأقل أمام انتهاكاته المستمرة.

كما اعتبر سمير مطر اللقاء رسالة طمأنة وجهها النظام، مفادها أن الدولة قائمة والنظام ثابت، لكنها رغم ذلك تبقى خالية الوفاض وضعيفة، خاصة أن النظام مفلس سياسيًا واقتصاديًا، وبدأت جبهة مؤيديه الداخلية تتفكك بعد ظهور تبعات سياسته الأمنية، وبسبب تأثير العقوبات التي اتخذت أساسًا في مواجهته، كنتيجة لسياسة القتل والاعتقال التي مارستها القوى الأمنية بحق السوريين.

أما الرسالة الخارجية برأي رئيس “رابطة الصحفيين السوريين”، فموجهة لحليفه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وللحكومة الروسية، ولشن هجوم على سياسة الولايات المتحدة، لكنها رسالة ضعيفة، لأن النظام بلا وزن على الساحة الدولية أو الإقليمية.

ولم تواجه مذيعة قناة “روسيا اليوم” الأسد بأسئلة حقيقية يطرحها صحفي مهني ورصين، بل منحته المساحة ليقدم ما يود من رسائل بما ينسجم وسياسة القناة والدولة التي تعبّر عنها، ما يفسر قصر مدة اللقاء قياسًا بما يأتي عادة، كونها مدة كافية للأهداف المنوطة بها، وفق رأي سمير مطر، الذي لفت أيضًا إلى غياب موضوع المحاكمات الجارية ضد ضباط وصف ضباط سوريين سابقين في ألمانيا وقريبًا في دول أوروبية أخرى، باعتبار أن الحديث حول مواضيع كهذه يظهر بما لا يترك مجالًا للجدل صورة النظام الواقعية.

الاقتصاد أولًا

خلال الحوار الذي افتُتح بالحديث عن “الغزو” الروسي لأوكرانيا والقواسم السياسية المشتركة في نظرة روسيا والنظام إلى أوروبا والولايات المتحدة، إلى جانب مغازلات النظام لموسكو، طفت على السطح بالضرورة محاور تفصيلية من صلب الملف السوري ومساره السياسي خارج سوريا، والمعيشي والاقتصادي داخلها.

وبعد مقاربة العقوبات المفروضة على النظام السوري بتلك المفروضة على روسيا، تطرّق الأسد للوضع المعيشي والاقتصادي ردًا على سؤال حول مسببات التردي الاقتصادي في مناطق سيطرته، وإمكانية ردّها فقط للعقوبات، لكن الأسد أعاد تدوير ذرائع استخدمها في خطاب القسم، في 17 من تموز 2021، وكساها بصبغة لغوية جديدة، ناسبًا المشكلة جزئيًا لـ”الحصار”، كونه يرفع تكاليف الإنتاج ويبطئ العملية الاقتصادية.

كما ذكر أسبابًا أخرى عالمية بالطبع، منها ما هو على صلة بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، لافتًا إلى ما اعتبرها رغبة الغرب في وضع كل المشكلات كنتيجة لحرب أوكرانيا، وتحديدًا كنتيجة للسياسة الروسية.

وصنّف الأسد خلال حديثه الأسباب ضمن ما له علاقة بـ”الحرب”، والحصار، والخطط الحكومية، ملمحًا إلى مسؤولية محتملة للشركات، وعادات المواطنين الاستهلاكية، التي تسهم سلبًا وإيجابًا في الوضع الاقتصادي، وفق رأيه.

ولفت أيضًا إلى وجود عقبات أمام مكافحة الفساد، مثل “الحرب” وضعف مؤسسات الدولة بسببها، وحاجة النظام الإدراي للتطوير.

وأضاف الأسد، “لكن هذا لا يعني أننا نستطيع أن نحقق طموحاتنا في مكافحة الفساد في ظل الظروف التي نعيشها”.

وفي معرض رده على الآلية التي يمكن من خلالها للمواطن التوفيق بين احتياجاته اليومية وهذا التدهور المعيشي، اعتبر الأسد أن الحل في الإنتاج، المربوط بالكهرباء، التي ستشهد بدورها تحسنًا خلال العام الحالي، دون رفع السقف عاليًا، باعتبار أن “هناك ظروفًا تأتي ضدنا، وهناك محاولات لضرب كل خطوة نقوم بها للأمام في المجال التنموي”.

اللجنة الدستورية حاضرة

اعتبر الأسد أن وفد المعارضة في اللجنة الدستورية وفد تركي، معيّن من قبل أنقرة ويعبّر عن تطلعاتها.

وقال الأسد، “نحن نتحدث عن طرفين: الأول تم اقتراحه من قبل الحكومة السورية، وهو لا يمثّل الحكومة السورية وليس موظفًا فيها، وبالتالي هم ليسوا موظفين دبلوماسيين، ولكن موافق عليهم، أو يمثّل وجهة نظر الحكومة السورية، وهناك طرف آخر عُيّن من قبل تركيا”.

أُسست اللجنة الدستورية عام 2019، متضمنة هيئة من 150 عضوًا تضم ​​50 ممثلًا للنظام السوري، و50 ممثلًا من المعارضة، و50 من المجتمع المدني.

وفي خطاب أمام رؤساء المجالس المحلية، في 17 من شباط عام 2019، اتهم الأسد وفد المعارضة في اللجنة بالعمالة، وقال إن لقاءات اللجنة ستُعقد بين “طرف وطني وطرف عميل”.

تودد للعرب.. هجوم على “الجامعة”

في ظل حالة تكهن بإمكانية مشاركة النظام في اجتماعات القمة العربية بدورتها المقبلة المزمع عقدها في الجزائر، أبدى الأسد خلال المقابلة توددًا سياسيًا للعرب عمومًا وللجزائر تحديدًا، فنفى وجود أحقاد سياسية على الدول العربية، معتبرًا ما جرى في سوريا “من الماضي”، مشيرًا إلى أن العلاقات بين سوريا والدول العربية لم تتبدل في المضمون، بل شكليًا فقط.

في الوقت نفسه، ركّز الأسد على الأهمية التي تمنحها الجزائر للقمة، معتبرًا أن الوزن الوحيد لهذه القمة أنها ستُعقد في الجزائر، مبررًا موقفه بثبات العلاقة مع الجزائر منذ سبعينيات القرن الماضي.

بينما قلل من جدوى الجامعة العربية وقدرتها على تحقيق شيء من آمال المواطن العربي بحضور أو غياب النظام عن “الجامعة”، كما اعتبرها الغطاء لـ”العدوان على ليبيا والعدوان على سوريا ولكل عدوان آخر”.

في المقابل، أبدى الأسد رغبته واستعداده لزيارة أي دولة عربية، ملمحًا إلى أن هذا الشيء لا يتم من دون دعوة، وأضاف، “من الطبيعي ومن البديهي أن أفكر بزيارة الدول العربية، لأنه بالرغم من كل الوضع العربي السيئ بلا حدود، علينا أن نخفف الأضرار، وأن نتلافى المزيد من السقوط، فالحوار مع الدول العربية ومع المسؤولين العرب هو شيء أساسي”.

وفي الوقت الذي تبدي به بعض الدول ترحيبها بعودة النظام إلى الجامعة العربية، مثل الإمارات والجزائر وسلطنة عمان ولبنان والعراق، وتعارض دول أخرى عودة النظام، ومنها قطر والسعودية، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في 10 من آذار الماضي، خلال اجتماع الدورة 157 لمجلس الجامعة العربية على مستوى الوزراء، عدم رصد توافق عربي على عودة سوريا إلى “الجامعة”.

وخلال المقابلة، تراجعت حدة الخطاب الهجومي الذي يشنه الأسد عادة بحق دول الخليج وتركيا على الأقل، فلم يسمِّ دولًا بعينها، وأبدى انفتاحًا، كما أشار إلى تركيا بـ”الحكومة التركية”، دون مهاجمة شخص الرئيس التركي كالعادة.

ومن مصلحة النظام، وفق رئيس “رابطة الصحفيين السوريين”، سمير مطر، فتح باب علاقات مع دول الخليج تحديدًا، وأي دولة تعطيه مؤشرات بقبولها لعلاقة معه، أمام حاجته إلى كسر العقوبات والحصول على صفقات أو مشاريع أو مساعدات من أي نوع.

وأوضح رئيس “رابطة الصحفيين”، أن الأسد يسعى لاستجلاب الدول للاستثمار في مناطق سيطرته، ليسوّق لاحقًا لذلك على أنه انتصار وكسر لعزلته ومقدمة لانتعاش اقتصادي مقبل وحتمي، في سبيل تبديد السخط الداخلي المتنامي ضده بعد عجز حكومته عن تأمين أبسط الاحتياجات الأساسية للسوريين.

وبعد اجتماع طارئ عُقد في العاصمة المصرية، القاهرة، في تشرين الثاني 2011، علّق وزراء الخارجية العرب عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية، بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، التي طالبت برحيل بشار الأسد.

وإثر صدور القرار بموافقة 18 دولة عربية، مقابل رفض سوريا ولبنان واليمن له، أُعلن عن فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على النظام السوري، ليبقى المقعد السوري شاغرًا في الجامعة العربية منذ تجميد العضوية حتى آذار 2013، حين مُنح المقعد خلال القمة المنعقدة في الدوحة للمعارضة السورية، التي ألقى الرئيس السابق لـ”الائتلاف السوري المعارض”، أحمد معاذ الخطيب، كلمة باسمها، لمرة واحدة في ذلك الوقت والمكان.

“تيار المقاومة” يتملّص من القضية

بالحديث عن مدى احتمالية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أبدى بشار الأسد تحفظه على المصطلح، دون استبعاد الفكرة، إذ ردّ التطبيع إلى علاقات قائمة على تنازلات عربية بلا مقابل، بينما يرغب النظام بـ”علاقات عادية مرتبطة بسلام يعيد الحقوق”، وفق رأيه.

في الوقت نفسه، شدد الأسد على عدم إقامة علاقات قبل استعادة الجولان، مبينًا أن العلاقات لن تكون تطبيعًا بل “علاقات عادية بين أي دولتين”، وهي من المرات النادرة التي توصف بها إسرائيل بـ”الدولة” في الأدبيات السورية الرسمية.

وفي كلمته أيضًا، منح الدول العربية التي أقامت علاقات سياسية حديثة نسبيًا مع إسرئيل (الإمارت والبحرين والسودان والمغرب) مبررات لخطوات من هذا النوع، معتبرًا أن اتفاقية “أوسلو” في تسعينيات القرن الماضي، شهدت تقديم تنازلات من صاحب القضية لإسرائيل، ما يبرر لأي دولة في العالم “التطبيع أو السلام مع إسرائيل لأن صاحب القضية تنازل عنها”، وفق رأيه.

الأسد أيضًا أبدى تمسكه بالعلاقات مع إيران، مشددًا على أن الموضوع غير قابل للنقاش مع أي دولة، ولا يُناقَش أصلًا، وإن كانت بعض الدول ناقشته في وقت سابق.

وحول مسألة التطبيع مع إسرائيل، يرى سمير مطر أن النظام لا يمكن أن يقدم على خطوة من هذا النوع بمعزل عن الموافقة الإيرانية، ويبدو ذلك بوضوح عند النظر إلى سكوته عن هجمات إسرائيل المتكررة على القوات الإيرانية في مناطق متفرقة من سوريا، خاصة في الجنوب.

وكان أحدث الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع سورية، فجر 10 من حزيران الحالي، بعد ساعات على عرض مقابلة الأسد، حين استهدفت إسرائيل عبر الجو مطار “دمشق الدولي”، وعطّلته.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا