عروة قنواتي
كنت أود أن أخصص أسطر الزاوية في هذا العدد لصفقات الميركاتو وللدراما التي ترافق أغلب الصفقات، أو للإشارة إلى قضية الشكوى المقدمة ضد منتخب الإكوادور بما يخص تصفيات المونديال، والتي قد تطيح به من المشاركة في 2022، واستبدال منتخب آخر به قد يكون إيطاليا أو تشيلي، بحسب التقارير الصحفية.
ولكن تسارع المشهد في تصفيات أمم إفريقيا 2023، والهزة التي ضربت أركان الكرة المصرية مجددًا بعد نكبة النهائي الإفريقي مع السنغال والإخفاق بالوصول إلى المونديال، جعلني كما الكثير من المهتمين بأخبار الكرة المصرية أذهب إلى صفحات الهزيمة الجديدة، “هزيمة إيه يا جدعان؟”.
المنتخب المصري بدأ التصفيات بفوز باهت على غينيا بهدف دون رد بمشاركة كل نجومه وأسمائه المهمة، وبظهور أول للمدرب الوطني إيهاب جلال، الذي جاء مكان البرتغالي كارلوس كيروش، ثم تلقى صفعة من العيار التاريخي أمام منتخب إثيوبيا بهدفين نظيفين وبمستوى أقرب للمهزلة وبصمت رهيب، لنشعر ويشعر كل من شاهد وكأن الهزيمة جاءت أمام المنتخب الإسباني أو الألماني أو الأرجنتيني، وبمستوى متوسط السعودي أو الياباني أو الأسترالي…، لا أبدًا، من إثيوبيا، التي فازت مرتين قبل هذه المواجهة، إحداهما في نهائي العام 1962 بفارق ركلات الترجيح، والثانية في عام 1989، فيما تلقت الهزيمة 13 مرة، منها بستة أهداف ومنها بثمانية أهداف.
منتخب إثيوبيا يُعرف بأنه خارج التصنيف الإفريقي والعالمي الممتاز أو الجيد أو المتوسط والمقبول، بعد بطولة واحدة لأمم إفريقيا حازها في العام 62، أي قبل 60 عامًا، تغيرت بها قوانين وأنظمة وأشكال كرة القدم في الكرة الأرضية أربع مرات.
المنتخب الذي احتل المرتبة 146 بتصنيف “فيفا” في آذار الماضي، سجّل هدفين وأمطر جزاء المنتخب المصري بكرات غزيرة، وطرق القائم مرتين، وتكفل أبو جبل بحماية المرمى من ثلاث انفرادات، وحرمه الحكم من ركلة جزاء صحيحة ومن هدف بعد العودة إلى تقنية الفيديو، ما يجعلك تغني مع الجمهور المصري “طار بالهوى شاشي.. وانت متدراشي!”.
يحتار الإعلام المصري والعربي وتحتار الجماهير المصرية والعربية، ونحتار كلنا معًا في إيجاد عبارات واتهامات نلقيها في أي اتجاه لنواسي أنفسنا بهذه النتائج والمشكلات والتخبط الفاضح وغير المنطقي واللا مسؤول في الكرة المصرية.
فيما يبقى السيد جمال علام، رئيس اتحاد الكرة، مع اتحاده الموقر في الجبلاية يرصدون المواقف ويبررون النتائج، بعبارات لا يمكن فهمها ولا يمكن تقبلها ولا يمكن التعاطي بها أمام الهزة التي أصابت وتصيب سيد القارة الإفريقية.
وعند المحاسبة وطلب الحساب تظهر أصوات الجبلاية كما في العبارة الشهيرة للمسرحية المصرية القديمة “حضرة صاحب العمارة”، عندما كان الفنان المرحوم وحيد سيف يقول “أنا لاء أنا بلاش.. أنا عباس جوز عديلة اللي تحت”.
لا تدري كيف تمر الأجيال في حضرة الكرة المصرية ولا تتأهل إلى المونديال ولا تأتي بكأس أمم إفريقيا كما كان يحدث سابقًا. حقل تجارب للمدربين الوطنيين والأجانب بما لا يخدم العنوان المصري العريض ولا السمعة العربية والإفريقية وحتى العالمية لنجوم الكرة المصرية.
جيل يتقدمه النجم محمد صلاح وأبرز المحترفين من تريزيغيه لمحمد النني وصولًا إلى مصطفى محمد وعمرو السولية والحارس العملاق محمد الشناوي والحارس المتألق أبو جبل، ومواهب بالجملة في كل سنة وكل مسابقة يدخلها المنتخب المصري الأول، لكن في العقد الأخير تعاقب على تدريب المنتخب المصري ثمانية مدربين، وصل المنتخب من خلال هذه الحقبة إلى نهائي أمم إفريقيا مرتين وفشل في تحقيق اللقب، ووصل إلى كأس العالم مرة واحدة وخسر كل مبارياته في الدور الأول، ولم يحقق حتى بطولة كأس العرب في الدوحة، بينما يُطالَب الجمهور في كل مسابقة أو تصفيات بالتفاؤل والمواكبة ورفع الجاهزية، لتنتهي القصة على “ماشربش الشاي.. أشرب أزوزة أنا”، حتى تبدأ المسابقة التي تليها ويفتح رموز الاتحاد المصري قصة جديدة مع مدرب جديد ومع وعود باتت مستهلَكة وقديمة.
كانت الخسارة في أمم إفريقيا محزنة لنا، وضياع التأهل لمونديال الدوحة مؤلم أيضًا، ولكن الكارثة بدأت تظهر وتتفشى بشكل لا يُحتمل مع النتائج الأخيرة، ولا يبدو أن الإسعاف سيكون سريعًا أو بحجم الحدث، فلربما تتم الإطاحة بإيهاب جلال المغمور كما تمت الإطاحة بكيروش وهيكتور كوبر وبوب برادلي، لأن ليل الجماهير الحزينة قد انتهى وعادت أشعة الشمس لاتحاد الكرة في الجبلاية من دون حساب، مع عبارة “أنا لاء أنا بلاش.. أنا عباس جوز عديلة اللي تحت”.