جنى العيسى | حسن إبراهيم | محمد فنصة | خالد الجرعتلي
غياب التيار الكهربائي، وضعف وصوله إلى مختلف المناطق في سوريا، بعد سنوات من انطلاق الثورة السورية عام 2011، جراء أعمال الحرب وتضرر البنى التحتية، فسح المجال أمام البحث عن خيارات بديلة عن تلك التي اتضح مع الوقت أنه لا أمل في إعادتها كما كانت.
ولعل أكبر دلالات العجز، اعتراف رئيس النظام، بشار الأسد، في لقائه الأخير مع قناة “روسيا اليوم“، في 9 من حزيران الحالي، خلال رده على سؤال يتعلق بـ”التدهور المعيشي” للمواطن السوري، معتبرًا أن “العائق الأساسي هو الكهرباء”، واعدًا بتحسن الظروف، لكنه استدرك بالقول، “علينا ألا نرفع السقف كثيرًا”.
ولأن الكهرباء عصب الحياة بمختلف جوانبها، فإن غيابها ترك أثرًا واضح المعالم على مختلف قطاعات الإنتاج، وسط عدم إمكانية توفر البدائل لتوليد الكهرباء للأشخاص والمؤسسات نتيجة التكاليف المادية، أو لعدم إمكانية الاعتماد على الطاقات البديلة كمصدر لاستجرار الكهرباء في سوريا، وفقًا لموقعها الجغرافي وطبيعة مناخها.
وكخيار بدا من أفضل مصادر الطاقة البديلة في سوريا، عززه غياب المحروقات، بدأ منذ سنوات انتشار ألواح الطاقة الشمسية في معظم المناطق على التوالي، وسط دعم وتبنٍّ “حكومي” لهذا التوجه، فمن شمال غربي سوريا التي بدأت بالاعتماد على الطاقة الشمسية منذ عام 2016 تقريبًا، مرورًا بمناطق في الشمال الشرقي، انتهاء بمناطق سيطرة النظام السوري التي توجهت توجهًا واضحًا لتوليد الكهرباء عبرها ليس فقط في المنشآت الصناعية الكبيرة، بل حتى في المنازل.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف، الأسباب التي دفعت المقيمين في سوريا إلى الاعتماد على الطاقات البديلة لاستجرار الكهرباء، ومدى إقبالهم عليها، رغم الصعوبات العديدة التي قد تواجههم جراء ذلك.
كما تسلّط الضوء عبر الحديث مع خبراء ومتخصصين، على المستقبل البعيد لإمكانية اعتماد سوريا على الطاقات البديلة لتأمين الكهرباء من حيث موقعها الجغرافي، والتقنيات القادرة على تأمينها اقتصاديًا، بالإضافة إلى العوائق التي تحول دون ذلك.
الواقع يفرض التوجه نحو البدائل بدفع حكومي
الارتفاع المتكرر لأسعار الوقود، وصعوبة الحصول عليه في بعض الأحيان، مع اختلاف مناطق النفوذ والسيطرة على اتساع الرقعة السورية، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي مع زيادة عدد ساعات التقنين، دفع السوريين للبحث عن بدائل لتأمين الكهرباء كأحد أساسيات الحياة اليومية.
وتعد الطاقة البديلة المولّدة عبر ألواح الطاقة الشمسية خيارًا ممكنًا لحل مشكلة غياب الكهرباء، وسط عجز حكومات الأمر الواقع بمختلف مناطق النفوذ عن حلها، لكنه خيار يصطدم بتكاليف مرتفعة فوق قدرة المواطنين ذوي الدخل المحدود، وسط أزمات اقتصادية ومعيشية يعانونها أساسًا.
ورغم ارتفاع تكاليفها، اعتبر عدد من السوريين المقيمين في مختلف المحافظات، بغض النظر عن الجهات المسيطرة، أن الطاقة البديلة عبر الألواح الشمسية خيار أفضل من فقدان الكهرباء، بحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي.
وبحسب الاستطلاع، أكّد مقيمون في مناطق سيطرة النظام، أن الانقطاع المتكرر والمستمر للتيار الكهربائي، دفعهم للبحث عن حلول بديلة، إلا أن ارتفاع أسعار المحروقات جعل من ألواح الطاقة الشمسية بديلًا مناسبًا، رغم ارتفاع أسعار تركيبها، إذ يصل سعر ليتر المازوت إلى حوالي 4500 ليرة سورية، وسعر ليتر البنزين إلى نحو ستة آلاف ليرة في السوق السوداء.
مراسل عنب بلدي في محافظة درعا، أكّد أن المنطقة شهدت إقبالًا كبيرًا على استخدام الطاقة الشمسية من قبل المزارعين، خصوصًا بهدف تشغيل الآبار وتأمين مستلزمات الزراعة، بالإضافة إلى بعض العاملين في مجال التجارة، ممن لجؤوا لتركيب ألواح الطاقة الشمسية عوضًا عن تشغيل مولدات الديزل، لتأمين تبريد أو حتى تشغيل بعض الورشات الصغيرة كمحال الخياطة أو محال بيع المواد الغذائية.
واعتبر مزارعون في درعا، أن ألواح الطاقة الشمسية ذات تكلفة مالية كبيرة نسبيًا، لكنها تُدفع مرة واحدة، بالتالي فهي أوفر من العمل بمولدات الكهرباء التي تعتمد على المحروقات.
وخلال العامين الماضيين، عانت مناطق سيطرة النظام من تقنين شديد في وصول الكهرباء، وصل إلى نحو خمس ساعات ونصف قطع، مقابل نصف ساعة وصل تتخللها عدة انقطاعات.
أسعار الوقود وقطع التيار في إدلب
مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ” التي تشمل محافظة إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة، شهدت تراجعًا في وصول التيار الكهربائي بدءًا من عام 2011، وازدادت الأمور تدهورًا بشكل تدريجي، حتى توقف وصول الكهرباء مع نهاية عام 2015، عدا عن دمار كبير في البنية التحتية لهذا القطاع.
ولجأ العديد من السكان في مناطق سيطرة “الإنقاذ” لاستخدام ألواح الطاقة الشمسية، رغم تكلفتها العالية، بسبب ارتفاع تكاليف حصولهم على الكهرباء سواء من قبل أصحاب المولّدات الذين أوصلوا اشتراكات للأهالي، أو من قبل شركات الكهرباء العاملة في المنطقة، والتي نشطت بعد خروج المناطق عن سيطرة النظام السوري، عدا عن القطع المتكرر للتيار.
الطاقة الشمسية باتت حلًا بديلًا، ومن أساسيات الحياة والمعيشة للسكان في إدلب، ولا يقتصر الاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية على فئة معيّنة أو شريحة من الناس، كالصناعيين والتجار فقط في هذه المنطقة، بحسب ما قاله الخبير الفني في عمل ألواح الطاقة الشمسية عبد الناصر عبد الله دياب، لعنب بلدي، موضحًا وجود تفاوت في منظومات الطاقة الشمسية، الأمر الذي يسمح لأصحاب الدخل المحدود بشرائها.
وأضاف دياب أن تكلفة تركيبها عالية، لكنها تُدفع مرة واحدة، وبالتالي فهي أوفر على المدى البعيد من الاعتماد على المحروقات التي يزداد سعرها في الشهر الواحد أكثر من مرة، لذا أصبحت مطلبًا لتوصيل الكهرباء حتى إلى المنازل.
ومع استخدام أكبر، نوعًا ما، من قبل الصناعيين والتجار للألواح، يعتمد أيضًا بعض المزارعين في هذه المناطق على استخدام ألواح الطاقة الشمسية في عملية استخراج المياه من الآبار وسقاية مزروعاتهم، بسبب ارتفاع أسعار مادة المازوت وعدم توفرها بشكل دائم، وكونها أقل تكلفة مقارنة مع المحروقات.
وفي 31 من أيار الماضي، رفعت شركة “وتد” للمحروقات، العاملة في مناطق نفوذ حكومة “الإنقاذ” شمال غربي سوريا، أسعار المحروقات والمشتقات النفطية إلى مستويات غير مسبوقة في محافظة إدلب، مبررة ذلك بارتفاع أسعار النفط عالميًا.
ووصل سعر ليتر البنزين “مستورد أول” إلى دولار و367 سنتًا، وسعر أسطوانة الغاز إلى 13 دولارًا و13 سنتًا، وبلغ سعر المازوت “الأوروبي” 952 سنتًا، والمازوت من النوع “المحسّن” 676 سنتًا، وسعر المازوت “المكرر” 572 سنتًا.
واقع مشابه في ريف حلب
تعرضت مناطق ريف حلب الشمالي لتدمير ممنهج في القطاعات الحيوية والمرافق الأساسية، خلال المعارك ضد قوات النظام وتنظيم “الدولة الإسلامية”، ولاحقًا ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتغيّرت ظروف المعيشة، وأُرغم الأهالي على الاعتماد على طرق بدائية في توليد الكهرباء، مثل المولدات وبطاريات السيارات لإنارة المنازل والمتاجر خلال ساعات محددة من اليوم.
واستطاعت المجالس المحلية في مناطق ريف حلب الواقعة تحت سيطرة تركيا تأمين التيار الكهربائي، وطيّ مرحلة “الأمبيرات” التي حلت محل الكهرباء بعد خروج المنطقة عن سيطرة قوات النظام السوري، وتضرر البنية التحتية للقطاع، حيث تم التعاقد مع شركتين هما “AK Energy” و”STE Energy”، لاستجرار الكهرباء من تركيا، بعد توقيع عقود مع المجالس المحلية.
لكن بعد مرور ثلاثة أعوام على هذه التجربة، التي تخللتها انتقادات عديدة لسياسة هذه الشركات، كان آخرها في مطلع حزيران الحالي، إذ خرجت مظاهرات للأهالي في مدن اعزاز والباب ومارع وغيرها، تشكو ارتفاع سعر الكيلو واط وانقطاع الكهرباء بشكل غير مبرر، ما يشير إلى أن وضع الكهرباء لا يزال يعاني من مشكلات لا تملك تلك الشركات حلولًا لها، تنعكس سلبًا على حياة الناس.
مقيمون في مناطق ريف حلب الشمالي، قابلتهم عنب بلدي، اعتبروا أن عدم استقرار قطاع الكهرباء جعل من ألواح الطاقة الشمسية ضرورة منزلية أيضًا، إذ لا يقتصر استخدامها على القطاع التجاري فقط منذ سنوات.
أحد مهجّري الغوطة الشرقية، طارق صبحي (30 عامًا)، ويقيم بمدينة الباب في ريف حلب الشرقي، قال لعنب بلدي، إن استخدام ألواح الطاقة الشمسية جاء بسبب رفع شركة الكهرباء العاملة في المنطقة أسعار التيار الكهربائي، إذ ارتفعت الأسعار من 0.85 ليرة تركية حتى وصلت إلى 2.2 ليرة تركية لكل كيلو واط واحد، مع احتمال ارتفاعها إلى 4.5 ليرة تركية، مع قطع التيار الكهربائي لساعات.
حمزة محمد، أحد العاملين في تركيب ألواح الطاقة الشمسية بمدينة الباب، أوضح لعنب بلدي أن غلاء أسعار التيار الكهربائي دفع الناس لاستخدام الطاقة الشمسية، مضيفًا أن استخدامها لا يقتصر على فئة محددة، فمعظم المستخدمين لألواح الطاقة في هذه المناطق هم من فئة الصناعيين والتجار والمزارعين وأصحاب المصالح الكبيرة التي تحتاج إلى كهرباء مستقرة وغير متقطعة، لكن بدأت تنشط الألواح في المنازل بشكل أكبر.
أحد العاملين في تركيب الألواح، وصاحب مركز “عالم الطاقة” في مدينة الباب، محمد رجب، أوضح لعنب بلدي توجه العديد من المزارعين لاستخدام الطاقة الشمسية في السقاية، كونها أقل تكلفة من سحب المياه باستخدام آلات وقودها المازوت، كما أنها أقل حاجة إلى الصيانة.
ماذا عن الوضع شمال شرقي سوريا
كبقية المناطق السورية، يشهد شمال شرقي سوريا الخاضع بمعظمه لسيطرة “الإدارة الذاتية” انتشارًا لمنظومات الطاقة الشمسية، لكنها تبدو محصورة في بيوت ومنشآت العائلات التي تعيش وضعًا اقتصاديًا جيدًا، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
ومن أسباب انتشارها في محافظة الرقة خصوصًا، انخفاض مستوى منسوب المياه في نهر “الفرات”، وكثرة أعطال مولدات الاشتراكات، وغلاء سعر الأمبير الواحد الذي وصل إلى نحو ألفي ليرة سورية.
أيمن العلي (34 عامًا)، وهو من تجار ألواح الطاقة الشمسية ومنظومات الطاقة البديلة في الرقة، قال إن رغبة السكان في تركيب منظومات الطاقة يعود إلى ديمومة إنتاجها للكهرباء، واستقلاليتها عن الشبكة العامة، وقلة الأعطال التي قد تكون “معدومة” في حال كان تركيب الألواح بشكل سليم، مشيرًا إلى أن تركيب ألواح الطاقة يشهد إقبالًا، لكنه بطيء نوعًا ما بسبب ارتفاع تكاليفها.
وبحسب ما رصده مراسل عنب بلدي في الرقة، تنتشر في المدينة ألواح مستعملة من مصادر أوروبية بجودة رديئة وكفاءة تشغيل متدنية، إلا أن أسعارها مقبولة، الأمر الذي زاد إقبال الناس عليها.
وتشهد مناطق بمدينة الحسكة إقبالًا عليها أيضًا، رغم وجود شبكات ومنشآت لتوليد الطاقة الكهربائية منها منشأة توليد “السويدية”، التي تواجه أعطالًا فنية متكررة، وقلة الوارد المائي من الجانب التركي الذي لا يتجاوز 40% من الحصة الإقليمية لسوريا من مياه نهر “الفرات”، الأمر الذي سبب انخفاض الطاقة الكهربائية، وفق ما أعلن عنه مكتب الطاقة والاتصالات لإقليم الجزيرة، في 5 من حزيران الحالي.
وأوضح المكتب في بيان له، أن جميع الطاقات الكهربائية المتوفرة في “إقليم الجزيرة” هي مخصصة حاليًا لتشغيل المنشآت الحيوية الاستراتيجية كآبار المياه والمطاحن والأفران، لحين تجاوز وانتهاء المشكلات الفنية في منشأة توليد “السويدية”.
ويتكرر إعلان مكتب الطاقة والاتصالات عن تعطّل شبكات وخطوط توصيل الكهرباء والتوتر العالي في المنطقة بشكل شبه يومي، نتيجة تعرضها لقصف من قبل “الجيش الوطني السوري” والقوات التركية التي تدعمه، بحسب قوله.
“دفع” حكومي بعد إدراك العجز
في أيار الماضي، أصدرت “الحكومة السورية المؤقتة” المسيطرة على مناطق من ريف حلب، قرارًا بإعفاء ألواح الطاقة الشمسية من الرسوم الجمركية في جميع المعابر لمدة ثلاثة أشهر لغاية 31 من تموز المقبل.
وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، أوضح في حديث إلى عنب بلدي، أن “الحكومة المؤقتة” أصدرت القرار لدعم قطاع الطاقة الشمسية، خاصة مع ارتفاع أسعار الكهرباء، وشكاوى الناس المتكررة مؤخرًا من شركات الكهرباء في المنطقة.
وقال المصري، إن الطاقة الشمسية أوفر، وهي طاقة نظيفة وبديلة، مضيفًا أن لـ”المؤقتة” مساعي لإنجاز مشروع تمديد الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية، وتوريدها للناس، وتوحيد السعر بشكل منخفض ومدعوم، والخلاص من أزمة الكهرباء.
دعم الطاقة الشمسية نواة لتطوير الاستثمارات في المنطقة ونشاط المدن الصناعية، بحسب وزير الاقتصاد، الذي أوضح أن الاستثمار في المنطقة يتطلّب أن تكون تكلفة الكهرباء مناسبة، مشيرًا إلى أن “المؤقتة” ستعمل على تنفيذ ودعم مشاريع الطاقة الشمسية، حتى إيجاد محطات توليد حرارية.
وفي مناطق سيطرة النظام، كانت هناك دعوات حكومية عامة للاستثمار في مجال الطاقات البديلة، لكن الترويج والدعوات الواضحة لاستيراد معداتها بدأت بشكل أوسع بعد حديث رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في خطاب القسم الذي ألقاه عقب “فوزه” بالانتخابات الرئاسية التي عُقدت في أيار 2021، إذ وعد حينها بالعمل على تشجيع الاستثمار في الطاقة البديلة، ودعمها عبر السياسات أو عبر التشريعات، بهدف إطلاق مشاريع توليد الطاقة من قبل القطاع الخاص أو العام أو بالمشاركة بينهما.
وفي تشرين الأول 2021، أحدث الأسد “صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة”، تلته موافقة حكومة النظام على منح وزارة الكهرباء سلفة مالية بقيمة عشرة مليارات ليرة سورية لمصلحة “الصندوق”، بهدف “رفع كفاءة الطاقة بما يمكن للمواطنين الاستفادة من خدمات الصندوق”، دون أن يصدر عن “الصندوق” حتى الآن أي قرار يساعد المواطنين على تأمين منظومة الطاقة الشمسية.
تكاليف “عالية” لذوي الدخل المحدود
تحتاج منظومة الطاقة الشمسية إلى لوح وأسلاك وبطاريات وجهاز مسؤول عن عملية تنظيم الكهرباء وإدارة الأحمال، المعروف بـ”إنفرتر”، وهو ما يزيد من تكلفة اعتماد ألواح الطاقة الشمسية كخيار بديل للكهرباء.
وتتراوح تكلفة المنظومات الشمسية لأغلب الاستخدامات المنزلية، وخارج إطار المشاريع الإنتاجية، بين أربعة ملايين ليرة سورية و14 مليونًا، بحسب ما رصدته عنب بلدي من مواقع الشركات التي تعمل في تركيب منظومات الطاقة بمناطق سيطرة النظام.
“ما شفنا الكهرباء بالشتي، ولا رح نشوفها بالصيف، بتعرف شو يعني يكون طموح الإنسان يشوف الكهرباء ساعة متواصلة؟”.
بكلمات ممزوجة باليأس والخيبة ودعوات وأمل بتبدل وضع الكهرباء “السيئ” في مدينة اللاذقية شمال غربي سوريا، تنتظر “لميس” (31 عامًا)، اسم مستعار لأسباب أمنية، من خمس إلى ست ساعات باليوم حتى يصل التيار الكهربائي لمدة نصف ساعة إلى منزلها في حي العوينة بمدينة اللاذقية.
وقالت “لميس” لعنب بلدي، إن مشكلة التيار الكهربائي ليست وليدة اليوم، فكل أحياء المدينة تعاني شبه انعدام للتيار الكهربائي، الذي يأتي بشكل غير منتظم رغم الوعود التي “أكل عليها الدهر وشرب”.
يصل التيار الكهربائي مدة نصف ساعة كل خ التيار الكهربائي مس ساعات ونصف تقريبًا، وفي المساء يأتي لمدة ساعة، بمعدل ساعتين خلال 24 ساعة.
لم تستطع “لميس” القاطنة مع زوجها أن تشتري لوح طاقة شمسية واحدًا، لعدم توفر المال الكافي، إذ يبلغ سعر اللوح القادر على شحن بطارية صغيرة وتشغيل إنارة لغرفة واحدة، حوالي 80 ألف ليرة سورية، بغض النظر عن نوعيته التي لا تملك أدنى معرفة عن جودتها، في حين يبلغ راتب زوجها الشهري، وهو موظف في مؤسسة زراعية تتبع للنظام السوري، حوالي 110 آلاف ليرة سورية.
بينما اشترى سعيد (34 عامًا) أحد أبناء حي العوينة، العامل في متجر لبيع “الإكسسوارات”، لوحي طاقة صغيرين لشحن بطارية وتشغيل إنارة فقط، دون تأمين الاحتياجات الأساسية لعائلته المكوّنة من زوجته وطفلين، من تشغيل ثلاجة أو غسالة، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وقال نبيل (36 عامًا) من سكان ريف محافظة درعا لعنب بلدي، إن تشغيل منزل كامل على الطاقة الشمسية يحتاج إلى ما لا يقل عن 12 مليون ليرة، وهي ميزانية يصعب على أغلب الأسر تأمينها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.
وأضاف نبيل، تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، أن تشغيل منزل بشكل كامل على الطاقة الشمسية أصبح من الرفاهية والكماليات، وإنما معظم هموم الناس هو تأمين بطارية وشحنها حين قدوم الكهرباء، بدلًا من شراء منظومة طاقة شمسية لتأمين كهرباء مستدامة.
من جهته، قال محمد عليوي (45 عامًا) مدرّس من ريف القامشلي لعنب بلدي، إنه “يحلم” بتركيب منظومة طاقة شمسية لمنزله في القرية حيث يسكن، لأن أسعارها بالنسبة له “بعيدة المنال”، فراتبه الشهري يعادل 30 دولارًا، ولا يكفي لشراء حتى” نصف لوح”.
وبحسب عليوي، لا يوجد بديل أفضل من الطاقة الشمسية في الريف الذي يفتقد للمولدات التي تبيع الكهرباء (الأمبيرات)، كما هي الحال في المدينة، ولا تصل الكهرباء إلى منزل عليوي سوى ساعتين في اليوم، عن طريق شبكة الكهرباء النظامية المُسيطر عليها حاليًا من قبل “الإدارة الذاتية”.
واضطر سعيد الدرويش (40 عامًا) من مدينة الرقة، لتركيب منظومة طاقة شمسية، بلغت تكلفتها نحو ألف دولار أمريكي، لتوليد أربعة أمبيرات من الكهرباء لمنزله، بعد تكرار تعطل مولدة “الأمبيرات”، وزيادة ساعات التقنين في تشغيل الكهرباء العامة.
وفي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، تضاف إلى تكاليف تركيب منظومة طاقة شمسية، الحاجة إلى رخصة لتركيب الألواح، والالتزام بشروط محددة للموافقة عليها، بعد طلب محافظة دمشق من المواطنين مراجعتها للحصول على ترخيص لتركيب ألواح طاقة شمسية بهدف “تحديد الارتفاعات”.
وأوضح مدير دوائر الخدمات في محافظة دمشق، نضال حافظ، أن المواطن الذي يود تركيب الطاقة الشمسية، يجب أن يتقدم بطلب للمحافظة لتنظيم تركيبها على أسطح الأبنية ذات الملكية المشتركة، ومديرية الخدمات تحدد المساحة التي يستطيع التركيب فيها.
هل يمكن الاعتماد على الطاقة الشمسية في مستقبل سوريا
بحسب دراسة أعدّها الباحثان السوريان سنان حتاحت وكرم شعار، نُشرت في مركز “الشرق الأوسط للدراسات” في أيلول 2021، تراجع استخدام الطاقات المتجددة حتى قبل بدء اندلاع الثورة السورية.
وأوضحت الدراسة أن استخدام الطاقات المتجددة انخفض بنسبة 20% في أوائل تسعينيات القرن الماضي، ثم انخفض إلى 5% عند بدء الحرب في سوريا، ومع استمرار التباطؤ في تدفق المياه من تركيا، والعجز عن إصلاح “التوربينات الكهرمائية”، أسهمت مصادر الطاقة المائية بنسبة 2% لا أكثر في التغذية الكهربائية العامة عام 2020.
لكن عودة انتشار الاعتماد على الطاقات البديلة، وسط دفع حكومي، أثار التساؤلات حول إمكانية اعتماد سوريا مستقبلًا على هذه الطاقات، كمصدر أساسي قد يكون وحيدًا لإنتاج الكهرباء، وما قد يرافق هذا الأمر من معوقات تحول دون تحقيق ذلك.
الطاقة الشمسية أفضل البدائل
الدكتور السوري في الاقتصاد ومدير الأبحاث في مركز “السياسات وبحوث العمليات”، كرم شعار، قال لعنب بلدي، إن مصادر الطاقة البديلة عمومًا هي الماء والرياح والشمس، وبالنسبة للطاقة المائية التي تعمل على العنفات المائية، فإن إسهامها بإنتاج الكهرباء في سوريا بانخفاض منذ تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم، لعدة أسباب منها انخفاض منسوب المياه من جهة، وعدم صيانة العنفات من جهة أخرى.
وأكّد شعار أن مستقبل توليد الكهرباء عبر الطاقة المائية هو بانخفاض، إذ يرتبط بوضع المياه في سوريا الذي يتجه بدوره إلى الأسوأ.
وحول طاقة الرياح، وهي المصدر الثاني، أوضح شعار أن سوريا لا تعتبر من البلدان التي تتمتع بكمية كافية من الرياح على مدار السنة لإنتاج الكهرباء، ولذلك يعتبر وضع الطاقة الشمسية الأفضل فيها، موضحًا أنها من بين أفضل 20 بلدًا في العالم، من حيث القدرة على توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، كونها تتمتع بأيام مشمسة كثيرة.
إياد، المهندس السوري المختص بالطاقات المتجددة، تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن سوريا كموقع جغرافي تعتبر من أفضل المناطق مناخيًا من حيث الإشعاع الشمسي على مدار العام، بالإضافة إلى الحرارة المعتدلة نوعًا ما، مقارنة بالدول القريبة من خط الاستواء ذات معدلات الحرارة العالية جدًا صيفًا، والتي تؤثر على أداء الألواح الشمسية الكهروضوئية.
أما بالنسبة لطاقة الرياح، فإن أفضل المناطق عادة لإنشاء المزارع الريحية تكون قرب السواحل والمناطق الجبلية ذات الممرات الهوائية، بالإضافة إلى أن إنشاء العنفات الريحية يتطلب شركات ومعدات ثقيلة، قد لا يكون من السهل توفرها في سوريا، بحسب المهندس.
الاعتماد الكامل غير ممكن حاليًا
يمكن للطاقة الشمسية أن تكون مفيدة جدًا لإنتاج الكهرباء، إذا تم استخدامها إلى جانب مصدر طاقة دائم يعمل في الفترات التي يعتبر فيها إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية منخفضًا (في الليل، أو فترات الشتاء التي تغيب فيها الشمس)، بحسب ما أوضحه الدكتور كرم شعار.
لكنها في سوريا تعاني من مشكلات عديدة، أولاها عدم الربط بين الكهرباء القادمة من الطاقات التي تعمل على الفيول والغاز، وبين الطاقة الشمسية، كما أن عمر البطاريات الافتراضي أيضًا إحدى مشكلاتها، إذ يعتبر استبدال البطارية بعد انتهاء عمرها أكثر جدوى اقتصادية من الاعتماد عليها.
من جهته، يرى مهندس الطاقات المتجددة إياد، أن الاعتماد على الطاقات البديلة هو حل مستدام للمستقبل، إذ إن العديد من الألواح الشمسية تبلغ أعمارها الافتراضية حوالي 15 سنة، لكن الحديث عن اعتماد كامل عليها لوحدها غير ممكن حاليًا، بسبب عدم إمكانية الاستغناء عن الغاز والمشتقات النفطية في محطات توليد الكهرباء، والتي تغطي احتياجات المناطق الصناعية والأحمال الكبيرة.
ويعتمد على الطاقات البديلة حاليًا كمحطات توليد مساندة للشبكة الكهربائية، تخفف الاعتماد على المحطات الأخرى، وتوفر استهلاك الغاز والنفط، لكن هذا يعتمد على خطة بلد ما في تشجيع وإنشاء هذه المحطات، فالدنمارك مثلًا لديها أكثر من 50% من الطاقة المولدة هي من الطاقة البديلة.
بينما تتمثل معوقات الاعتماد عليها مستقبلًا في سوريا، بعدم توفر الشبكة الكهربائية المستقرة، بحسب المهندس، إذ يعتبر أحد أهم أسباب نجاح ربط الطاقات البديلة، وجود شبكة كهربائية تعمل 24 ساعة، حتى وإن كانت أسعار الكهرباء مرتفعة، يمكن للمستهلك ربط المنظومة الشمسية الخاصة به على الشبكة الكهربائية بما يعرف بـ”الأنظمة المرتبطة بالشبكة”، وتصدير الطاقة للشبكة مقابل السحب في أوقات المساء أو في الأيام الغائمة، ويتم ذلك عبر عداد لحساب الطاقة المنتجة بين المستهلك صاحب المنظومة وشركة الكهرباء، وذلك دون الاعتماد على بطاريات لتخزين الطاقة كما في “الأنظمة المنفصلة عن الشبكة”، إذ يحتاج المستهلك إلى بطاريات لتخزين الطاقة الناتجة من الألواح، وهو ما يكلفه ضعف سعر المنظومة المرتبطة بالشبكة.
وأوضح المهندس أن هذه الطريقة “للأسف” غير متاحة في سوريا، مؤكدًا أن العمر الافتراضي للبطاريات الموجودة يقدّر بحوالي ثلاث سنوات وسطيًا، بالإضافة إلى وجود الكثير من النوعيات الرديئة في الأسواق.
القطاع بحاجة إلى دعم دولي
يعتقد الدكتور في الاقتصاد كرم شعار، أنه في ظل المعطيات الحالية، تعتبر الطاقة الشمسية، ليومنا هذا، أقل جدوى اقتصادية من الطاقة غير النظيفة التي تعمل على الفيول والغاز، وهي البديل الأفضل.
ولدعم هذا القطاع، وتنظيم عمل الطاقة الشمسية، قال شعار، إن ذلك يتطلب زيادة الدول الداعمة من قيمة دعمها المادي في هذا القطاع على وجه الخصوص، نظرًا إلى انعدام الأمل بقدرة القوى الفاعلة في مختلف مناطق سوريا على توليد الكهرباء بشكل مستمر.
ويرى المهندس إياد، أن الاعتماد على الطاقة الشمسية يمكنه أن يكون خيارًا دائمًا ومستدامًا مستقبلًا، مشيرًا إلى أن الناس قد يواجهون حاليًا العديد من المشكلات في تخزين الطاقة، ولكن من قام بتركيب الألواح الشمسية لإنارة منزل أو ري الأراضي الزراعية، وأيضًا تشغيل الورشات لبضع ساعات، هذه المنظومة ستستمر في العمل لأكثر من عشر سنوات، في حال اختياره نوعًا جيدًا من الألواح، وخلال السنوات المقبلة في حال إنشاء محطات توليد جديدة للكهرباء، وتحسين الشبكة الكهربائية، سيكون من لديه منظومة طاقة شمسية جاهزًا للربط مع الشبكة الكهربائية وتوفير استهلاكه للطاقة، دون مواجهته مشكلات تتعلق بفواتير أسعار الكهرباء مهما كانت .
شارك في إعداد هذا الملف مراسلو عنب بلدي في درعا والرقة وريف حلب