“سنوات الخوف”.. عن جريمة أخرى بحق عائلات ضحايا الاختفاء السوريين
بدأت القصة في سوريا قبل آذار 2011 بكثير، ومع مرور الوقت، وبعد ذلك التاريخ ومع تراكم جرائم الحرب ضد المدنيين السوريين، ازداد، نسبيًا، الاهتمام على الصعيد الدولي بقضية المعتقلين والمختفين قسرًا التي كانت مهمشة في السابق، من خلال آليات عدم الإفلات من العقاب التي تعمل عليها المنظمات الحقوقية المعنية.
وتظهر قضية المفقودين في السجون السورية مدى إهدار قيمة الإنسان وامتهانه في البلاد، فإخفاؤهم وإفلات الفاعلين من العقاب يعتبر سلوكًا نمطيًا في واحد من أكثر الأنظمة شمولية وانتهاكًا لحقوق الإنسان.
يعرض كتاب “سنوات الخوف” للباحث السوري رضوان زيادة، الصادر عن مشروع “العدالة الانتقالية في العالم العربي”، تحليلًا خاصًا بشأن الآثار الاجتماعية والنفسية على عائلات المختفين قسرًا في سوريا منذ فترة الثمانينيات، بالإضافة إلى مشاركة عدد من الباحثين والناشطين الحقوقيين السوريين في إعداد هذا الكتاب، الذين فضّلوا عدم ذكر أسمائهم لأسباب أمنية.
وعرفت سوريا ظاهرة الإخفاء القسري بشكل منهجي مع بداية أحداث الثمانينيات، التي كانت على شكل مواجهة مسلحة بين جماعة “الإخوان المسلمون” والنظام السوري، والتي صحبتها عمليات إخفاء قسري لأعداد كبيرة جدًا من المواطنين، لم يُكشف مصيرهم حتى اليوم.
اعتمد الكتاب (135 صفحة) على مقابلات مباشرة مع العديد من عائلات المفقودين، سواء أولئك الذين اختفوا قسرًا منذ سنوات طويلة، أو من الذين تعرضوا للاختفاء القسري خلال السنوات القليلة الماضية.
وتشرح محتويات الكتاب تطور سلطة الحزب الواحد في سوريا منذ عام 1970 وحتى تاريخ إصدار الكتاب عام 2009، وأزمة المختفين قسرًا في سوريا من خلال الخلفيات السياسية والقانونية لهذه الظاهرة.
وفي آخر فصول الكتاب، عرض الباحثون “مشروع العدالة الانتقالية” كمخرج من هذه الفترة الزمنية التي صُبغت بالخوف، ويؤكد فيه أن وجود منظمات وروابط يكون هدفها الإسهام في تحديد ظروف حالات الاختفاء القسري، ومصير الأشخاص المختفين، وفي مساعدة ضحايا الاختفاء القسري كأمر بالغ الأهمية، ليس فقط للإسهام في حل هذا الملف الإنساني المؤلم، بل أيضًا للإسهام في إعادة تأهيل المتأثرين بالاختفاء القسري.
يعتبر الكتاب أن قضية المفقودين السوريين تحولت إلى كارثة وطنية، وآثارها المباشرة ممتدة لتشمل ما يتجاوز مئات الآلاف من المواطنين السوريين، الذين جُردوا من حقوقهم السياسية، ومن كثير من الحقوق المدنية، فضلًا عن التدمير النفسي والاجتماعي والاقتصادي، على مدى أكثر من 50 عامًا.
جميع أقرباء المعتقلين المختفين قسرًا منذ عام 1980 حتى الدرجة الرابعة، ممنوعون من الحصول على أي موافقة أمنية، وبالتالي فهم محرومون من أي وظيفة حكومية، ذلك أن جميع الوظائف الحكومية، والكثير من الأعمال الخاصة، بما فيها فتح كشك بيع الفلافل، تستوجب الحصول على موافقة أمنية مسبقة، بحسب ما ورد في الكتاب.
وفي بعض الأحيان، يُحرم الأقارب من حقوقهم المدنية، أو تُصادر بعض ممتلكاتهم، أو يسطو عليها بعض كبار الضباط الأمنيين، ولا تزال هذه الحالة، إلا إذا تم الإفراج عن المعتقلين.
وبحسب الكتاب، فإن عدد المختفين قسرًا في سوريا منذ الثمانينيات يبلغ حوالي 17000، وعدد المواطنين السوريين الخاضعين لهذه الإجراءات العقابية طوال تلك المدة حتى عام 2009، يتجاوز مليون شخص من أصل 23 مليون مواطن سوري.
يقول الكتاب، إن أكثر السوريين لا يشعرون بالمأساة الإنسانية المترتبة على هذه الإجراءات العقابية التدميرية، ولم تتناول أي منظمة حقوقية هذه القضية، أو تدافع عنها في المحاكم لتحصيل التعويض اللازم عن ذلك الضرر المعنوي، إذ إنه في غالب الأحيان كان يُنظر إليها كقضية هامشية مقارنة بقضية الاختفاء القسري نفسها.
من جهة أخرى، ثمة معاناة نفسية لذوي ضحايا الاختفاء القسري، إذ إن زوجة الضحية تتعرض في بداية حادثة الاختفاء القسري لـ”فقدان الثقة بالنفس والإحباط الناجم عن فقدان العائل والحبيب، وما يترتب على ذلك من اضطرابات نفسية وحرمان عاطفي، وتظهر بشكل جلي لديها اضطرابات التكيف المصحوبة بمزاج مكتئب ومشاعر اليأس والميل الدائم للبكاء”.
وبالطبع تزداد هذه الأعراض تحت تأثير الإحباطات المتزايدة، خاصة في المراحل الأولى للاعتقال، إذ تنتهي المحاولات لمعرفة مصير زوجها غالبًا بالفشل، ولكنها في الوقت نفسه تزداد إنكارًا للواقع، وإصرارًا على محاولات تزييفه وتجاهله.
وهكذا، فبجانب جريمة الاختفاء القسري، ثمة جريمة أخرى طوال عقود مضت، هي “التمييز” الممنهج الواسع ضد فئات اجتماعية تعاني بالأساس من قضية الاختفاء القسري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :