نبيل محمد
في كل عام تركّز المؤسسة العامة للسينما في سوريا جهودها على دعم فيلم من إنتاجها، أو دعم مخرج من مخرجيها، من خلال تكريس حضوره في المهرجانات التي ما زالت تستضيف السينما السورية التي ينتجها النظام، بحيث تضمن لتلك الشخصية أو الفيلم حضورًا على شاشات سينمائية في الخارج، وعلى بعض منصات التتويج التي ما زالت لا تجد حرجًا في منح فيلم سوري بسويّة إنتاجية متدنية، وأفكار مستهلَكة، جائزة من جوائزها.
مؤخرًا، تسوّق المؤسسة بشكل واضح للمخرج المهند كلثوم، ولفيلمه القصير “فوتوغراف” الذي نال مجموعة من الجوائز بمهرجانات عديدة في دول المغرب العربي، مهرجانات علّ شهرتها لا تتجاوز مرتاديها وحاصدي الجوائز منها، مثل مهرجان “جسور الإبداع السينمائي الدولي” بالدار البيضاء، أو مهرجان “كازا السينمائي الدولي للهجرة والاندماج” في المدينة ذاتها أيضًا. ومؤخرًا، حصد الفيلم جائزة لجنة التحكيم في “المهرجان الدولي للسينما ضد الإرهاب” في مدينة أربيل بكردستان العراق، مهرجان يوحي اسمه بأن لسوريا حضورًا مهمًا فيه، وهي التي لا تنتج منذ حوالي عشر سنوات وحتى اليوم إلا تلك الأفلام التي تحارب فيها “الإرهاب” وفق منظورها في هذه الحرب.
لا شيء جديدًا في الفيلم، مثلما لا شيء جديدًا في أعمال مخرجه القصيرة التي أنتجتها المؤسسة خلال السنوات السابقة. هو قصّة الأطفال ضحايا الحرب، الذين تجبرهم ظروف عائلاتهم على العمل في أعمال خطرة، لا شك أن القصة “سيكسي” بالنسبة لمهرجانات معيّنة تغلب عليها صبغة سياسية تقليدية، أو تكون مباشرة بتعبويتها لدرجة أنها تبحث عن أفلام يمكن تصنيفها بأنها مضادة للإرهاب، وتعطي نفسها الأحقية بلا شك في تفسير الإرهاب، لدرجة أنها تعرض إنتاجات وتمنح جوائز لدولة صانعة محترفة للإرهاب في المنطقة بلا شك، من منظور منظمات ودول وشعوب.
أتاحت تلك الجوائز المتتالية لمخرج الفيلم المهند كلثوم، كما أتاحت لمن سبقه من أولئك المخرجين الشبان الذين كرّستهم المؤسسة، جود سعيد نموذج أوضح، فرصة الحضور في وسائل إعلامية متعددة، سورية وعربية، ومنحته جرأة التحدث من موقع المخرج المعتاد على نيل الجوائز، الغنيّ التجربة، القادر على الحديث عن السينما بشكل عام وليس فقط عن أفلامه، إضافة إلى مبادرته في التحليل السياسي وغيرها من الإمكانيات التي عادة ما تتوفر مجتمعة لدى هذا النوع من المخرجين، الذين لم يمتصوا بعد صدمة الشهرة، وإن كانت شهرة مقتصرة على تلك النطاقات الضيقة التي لا يمكن للقطاع العام أن يكفل لهم أوسع منها. لذا نجد كلثوم قد أقرّ في لقاء له على محطة تونسية بأن الأمور في سوريا تتحسن في كل “التراب السوري”.
لا يجد المخرج الذي قضى الأشهر الأخيرة متنقلًا بين المهرجانات بفيلمه القصير أي حرج بالقول إن السينما السورية تشهد تطورًا منذ 2011، وهنا من المكرر والمستهلَك الحديث عن مستوى رداءة السينما السورية (سينما المؤسسة العامة) خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن أقل توصيف يمكن إطلاقه عليها أنها تخلّفت عمّا سبقها، وأنه لا يمكن المقارنة بين ما تنتجه المؤسسة حاليًا، وما كانت تنتجه سابقًا من أفلام بكل قلّتها وضعف بعضها، إلا أنها ستظهر كتحف فنية إذا ما قورنت بالإسفاف الذي قدمه عبد اللطيف عبد الحميد وجود سعيد وباسل الخطيب، أبطال الإنتاجات السورية خلال السنوات العشر الأخيرة، إضافة إلى الجيل الجديد الذي يعتبر كلثوم واحدًا منه، وهو الذي لم تبدأ مسيرته الفنية في سوريا إلا بعد 2011. لعله بذلك يرى أن تطور السينما السورية جاء بعد أن احتضنته وأنتجت أعماله، وهي نظرية ليست غريبة عن نموذج من صنّاع الفن والثقافة السوريين الذين بدؤوا أول مشاريعهم برعاية مباشرة أو غير مباشرة من قبل مؤسسات النظام السوري بعد 2011.