رافق ظهور القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، في لقائه بشخصيات ووجهاء من الطائفة الدرزية بريف إدلب الشمالي في قضية خدمية، جدل واسع.
الزيارة فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات عديدة، عن المشروع الذي غابت المعلومات عنه، وعن كلامه بطابع ديني وإبعاد المسؤولية عن “تحرير الشام” حول مضايقات الأهالي في تلك المنطقة، عدا عن اتهامات بتحسين صورته خدميًا رغم وجود “الإنقاذ”.
ورغم حديث الجولاني عن أن زيارته لم تحمل أي رسائل سياسية، ولا مكاسب، وإنما كانت في إطار خدمي ضمن سلسلة زيارات وجلسات أجراها لتقديم الخدمات لعدة مناطق شمال غربي سوريا، لم يحل دون انتقادات عديدة طالته.
تفاصيل “المشروع” غائبة
افتتح “الجولاني” ودشّن “مشروع بئر مياه” لتغذية عدة قرى في جبل السماق بريف إدلب الشمالي الخميس 9 من حزيران، بحضور وجهاء وأهالي المنطقة ذات الغالبية الدرزية، وأشخاص في إدارة المنطقة التابعة لحكومة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”الهيئة”.
ونشرت مؤسسة “أمجاد” الإعلامية تسجيلًا مصورًا، لاجتماع “الجولاني” مع الشخصيات المذكورة، وامتد حوالي 6 دقائق و22 ثانية، نال الحديث عن الخدمات والوعود بتحسين الواقع الخدمي حوالي دقيقة.
في حين غابت التفاصيل في التسجيل عن البئر وماهيته وكلفته إنتاجيته وعدد القرى التي يغذيها.
وكان النصيب الأوفر من التسجيل في الدقائق المتبقية استعراض للخدمات التي تقدمها “تحرير الشام” إلى جانب “الإنقاذ”، وهو ما ترافق مع توجيه الشكر والثناء لـ”الجولاني”.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي من تعليقات أغلبها تساءلت بطريقة ساخرة عن أن كلمة مشروع فيها تضخيم، فهو مجرد بئر، وعن الأموال التي تكفّل بها “الجولاني” لتنفيذ المشروع، إذ لم تكن المرة الأولى التي يتعهد بها بدفع مبالغ وتحمل تكلفة مشاريع خدمية.
رسائل دينية
أطلق “الجولاني” في لقائه وعودًا بإعادة أي “مظلمة” لأي شخص، مع عدم تعرض أي شخص “للضيم أو الظلم”، وتابع “الجولاني” واصفًا نفسه بقوله “نحن أهل الحق”، بعد أن طالب أحد الوجهاء بمساواة أهل المنطقة مع كل الناس وعدم اعتبارهم طائفة مغايرة، فهم “مسلمون ولا يقبلون أن يوصفوا بأي وصف آخر”.
وذكر “الجولاني” آية من القرآن “لا إكراه في الدين”، وأكد عدم إجبار أي شخص على الدخول في الإسلام، وكما برأ نفسه وفصيله من أي اعتداء ومضايقات سابقة تعرض لها أهالي المنطقة سابقًا.
ونوّه قائد “تحرير الشام” إلى أن “الثورة” لم تقم على خلاف بين الطوائف والأديان، إنما قامت لرد الظلم وأن المشكلة الأساسية تكمن مع النظام السوري فقط، في تغيير تدريجي لخطابه عبر السنوات، والذي اتصف بنزعته المتشددة سابقًا.
أكد قائد “جبهة النصرة” سابقًا (تحرير الشام حاليًا)، حماية القرى الدرزية والمسيحية في ريف إدلب، وإرسال دعاة إسلاميين إلى قراهم لتوضيح أخطائهم، على حسب وصفه، ورأى أن “النصارى” سيخضعون لـ “الحكم الإسلامي” في حال أقيم نظام إسلامي في سوريا، متعهدًا بحمايتهم.
وذلك في لقاء أجرته قناة “الجزيرة”، في 27 من أيار 2015، ضمن برنامج “بلا حدود”، الذي قدمه الإعلامي أحمد منصور من داخل الشمال السوري.
أنهى “الجولاني” لقاءه بأنه لا يضمر أي أهداف سياسية أو مكاسب من زيارته، التي نالت انتقادات عديدة.
قرب أمتار من مجزرة “قلب لوزة”
ظهور “الجولاني” لم يكن ببعيد عن قرية قلب لوزة التابعة لجبل السمّاق، والتي جرت فيها مجزرة على يد عناصر من “جبهة النصرة” في 10 من حزيران 2015، حين قُتل حوالي 20 شخصًا من الطائفة الدرزية داخل القرية.
وذكرت “النصرة” بعد تلك الحادثة بأيام أن ما حصل هو مشاركة عناصر بالحادثة، دون الرجوع إلى أمرائهم، مخالفين بوضوح توجيهات “القيادة”، مشيرةً إلى أن “وفودًا من النصرة انطلقوا لتطمين أهالي القرية بعد الحادثة، مؤكدين على أنه خطأ غير مبرر ودون علم القيادة”.
بيان النصرة حينها قال إن “كل من تورط في الأمر سيُقدّم للمحكمة الشرعية ويُحاسب على ما ثبت في حقه من دماء”، مضيفًا أن الجبهة “لم توجه سلاحها إلا لمن اعتدى وصال على دماء وأعراض المسلمين من عصابات الجيش النصيري المجرمين والخوارج المارقين و جماعات المفسدين وقد شهد بذلك العدو قبل الصديق”.
لكن ذلك لم يشفع لها من غضب واستياء عام في معظم مناطق سيطرتها.
“نقلة غير متوقعة”
وظهرت “تحرير الشام” لأول مرة في سوريا نهاية 2012، تحت مسمى “جبهة النصرة لأهل الشام”، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحمي “القاعدة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.
ولا تزال “تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة، مصنّفة على لوائح “الإرهاب” في مجلس الأمن، وتضع روسيا الفصيل ذريعة للتقدم في شمال غربي سوريا.
الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، أوضح في في حديث سابق لعنب بلدي أن تكرار ظهور “الجولاني” مؤشر على أنه نموذج جديد ولم يظهر له شبيه من قبل بتحولاته، وأنه نجح في هذه النقلة، وبقي متماسكًا، وأظهر تخليًا فعليًا عن “الجهادية” وعلاقاته بها، و”هذا في الواقع شيء نادر وغير متوقع”.