لم تنجح كل محاولات سلمى الشيبان (38 عامًا) بإقلاع ابنها (12 عامًا) عن التدخين، خصوصًا وأنها لم تعد تراه كثيرًا بعد خروجه المتكرر طوال النهار للعمل في إحدى ورشات تصليح الدراجات النارية.
قالت سلمى لعنب بلدي، “لم يعد لنا سلطة على أبنائنا الذين شردتهم الحرب وأبعدتهم عن دراستهم، وحرمتهم من أبسط حقوقهم في الحياة، ورمت بهم في ضنك العيش في المخيمات”.
تشعر سلمى بالضعف بعد فقدان زوجها الذي قتل في إحدى سجون النظام منذ أربع سنوات، لتقع عليها مسؤولية تربية أبنائها، وترى أنها قصرت في منحهم الأمان والحماية، خصوصًا بعد اعتمادها عليهم في الإنفاق.
مشهد تدخين الأطفال في إدلب لا يقتصر على ابن سلمى، فالأمر لم يعد غريبًا بعد سنوات من حرب يعد الأطفال السوريون الحلقة الأضعف فيها، إذ تأثروا بشكل مباشر نفسيًا وجسديًا.
الطفل إبراهيم (13 عامًا)، اعتاد أن يدخن خلال عمله في بيع المثلجات على دراجته الهوائية في مخيمات شمالي إدلب، دون أن يشكل له الأمر أي حرج أو مشكلة أو ظاهرة غير اعتيادية.
“طالما أن الشخص قادر على تأمين ثمن علبة السجائر، فلن تكون هناك مشكلة بالتدخين، حتى لو كان في مثل عمري، فأنا لم أعد صغيرًا”، وفق ما قاله إبراهيم لعنب بلدي.
لا ينوي إبراهيم التخلي عن عادته تلك التي يعتبرها جزءًا من حياته، خصوصًا بعدما صار المعيل لأهله عقب وفاة والده الذي قتل في أثناء قصف مدينته سراقب أواخر عام 2019.
ويعتبر الطفل التدخين بالنسبة له أول بوادر الرجولة وانعكاسًا للمسؤولية الكبيرة التي ألقيت على عاتقه.
التأثر بالمحيط
وعن الأسباب التي تدفع الأطفال للتدخين، الطبيبة والاستشارية الأسرية نسيبة جلال، قالت لعنب بلدي إن الأمر يتعلق بتأثير محيط الطفل من الأصدقاء، وخاصة الصديق المفضل، فالطفل الذي يقبل الدعوة إلى التدخين يعتقد أنه يحظى بتقبل أكبر من قبل رفاقه المدخنين، وأنه يظهر بمظهر “الصلب والهادئ والناضج، المغامر” لذلك يدخن ليعطي أصدقائه تلك الصورة، حسب جلال.
وأضافت أن التدخين يرتبط بالطبقات الاجتماعية والتعليم، فالأطفال الذين لا يكملون دراستهم يتجهون للتدخين بنسبة أكبر من الأطفال الذين يتابعون تعليمهم ويتطلعون لتحقيق أهدافهم الدراسية والجامعية، والذين نادرًا ما يدخنون، كما أن النموذج الوالدي من أهم أسباب تدخين الأطفال، فالمدخنون ترتفع نسبة تدخين أبنائهم عن الآباء غير المدخنين.
ما الحلول؟
ترى المستشارة الأسرية نسيبة جلال أن الحد من ظاهرة التدخين أو علاج هذه الظاهرة من خلال مواجهة الأطفال بالخطر الجدي الذي يأثر على صحتهم، إذ لا بد أن يعلم الطفل أن التدخين له أثر سيئ مع التركيز على الفوائد القيمة التي تنتج عن ترك هذه العادة.
“فالتحصيل الدراسي والمشاركة بالألعاب الرياضية عوامل مهمة في إقلاع الطفل عن التدخين، ولا بد من شغل أوقات الطفل بما هو مفيد كي لا يتجه للعادات الضارة، كما لابد من فتح حوار بين الآباء وأبنائهم والتحدث حول تأثير التدخين الضار لصحتهم، ومشاهدة برامج توعوية حول هذا الموضوع”، بحسب جلال.
إضافة إلى مساهمة البيئة المحيطة للطفل، كالأهل أو المدرسة، بدفعه للأنشطة المختلفة لإبدال هذا السلوك السيئ بسلوكيات صحيحة، وأيضًا تغيير الأفكار السلبية للطفل بأن “المدخن هو شخص قوي”، ففي الحقيقة يرتبط ضبط الذات وتحسين الوضع الجسمي بالتخلص من عادة التدخين.
ووفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية، تحدث حالة وفاة كل ست ثوانٍ حول العالم نتيجة أمراض ناجمة عن التدخين، إذ إنه يتسبب بأمراض عدة، لا سيما الجلطة القلبية والدماغية، وداء الانسداد الرئوي المزمن، فضلًا عن سرطانات متعددة أبرزها سرطان الرئة.
كما أشارت المنظمة في تقاريرها إلى أكثر من 40 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عامًا بدأوا في استخدام مواد التبغ.
شاركت في إعداد هذا المادة مراسلة عنب بلدي في إدلب هدى الكليب