“بعد كل الأحداث التي جرت في حياتي من توقف دراستي، واستشهاد أخي، ولجوء، وفقدان كل ما نملك، عملت على وصية والدي، وبدأت بالتعلم واستغلال الفرص الدراسية، بالتزامن مع دخولي مسار ريادة الأعمال، وبعد 13 محاولة فاشلة، نجح أحد التطبيقات ووصل إلى مليون مستخدم، ودخل سنوي يتجاوز 40 ألف دولار”.
بهذه الرواية المختصرة شرح ياسر عليان (29 عامًا)، رائد الأعمال السوري، رحلة نجاحه في بلاد اللجوء، من طالب متوقف عن الدراسة، لا يملك شيئًا، إلى طالب دراسات عليا في الاقتصاد الإسلامي، وصاحب أحد المشاريع الخمسة الفائزة في افتتاح مؤسسة “كور اسطنبول” لريادة الأعمال العربية في تركيا.
ويعاني الاقتصاد التركي من مستويات غير مسبوقة من التضخم، تسبب بارتفاع عام في الأسعار، وغلاء المحروقات وأجور المواصلات، بالتزامن مع تخطي الدولار حاجز 16.5 ليرة تركية، انعكس كل هذا على معيشة السوريين في تركيا، وأدى إلى ارتفاع إيجارات المنازل، وانخفاض الدخل الشهري، وأجور العمال اليومية، وقلة فرص العمل.
ويعمل معظم السوريين في مطاعم المأكولات السريعة السورية، أو في ورشات خياطة الملابس، أو في المعامل والمصانع التركية، وبسبب الإرهاق الناتج عن العمل، وعدم وجود أفق للتحسن على المستوى المادي، يرغب العديد منهم، وبالأخص من لديه أفكار تجارية، بالخوض في مجال النشاط التجاري الحر، دون معرفة السبيل الأفضل لذلك.
ويقطن في تركيا، بحسب أحدث إحصائية لعدد اللاجئين السوريين الخاضعين لـ”الحماية المؤقتة”، نحو ثلاثة ملايين و763 ألف شخص، منهم حوالي 544 ألف شخص في ولاية اسطنبول، بحسب موقع إدارة الهجرة التركية.
مشاريع سورية ضمن “كور اسطنبول”
بدأ ياسر رحلة النجاح من لبنان في عام 2016، حين انطلق بمساري التعلم الأكاديمي وريادة الأعمال، وبعد سنتين من البحث عن الفرص، نجح بالحصول على منحة تعليمية لدراسة العلاقات العامة في الجامعة الدولية اللبنانية، كما سجل على حسابه الخاص في جامعة الآداب والعلوم والتكنولوجيا (AUL)، باختصاص الدراسات الإسلامية، وغيرها من الدورات التدريبية في البرمجة والتصميم الداخلي.
وبالنسبة لمسار ريادة الأعمال، أوضح ياسر لعنب بلدي، أنه بدأ به في 2016 أيضًا بلبنان، حيث التحق بدورة تدريبية مصغرة لـ15 يومًا، ثم نشط في المشاركة بالمسابقات والبرامج الخاصة برواد الأعمال، حيث باءت جميع محاولاته بالفشل، حتى وصل إلى المحاولة الـ13، حين ربح المسابقة، لكن مشروعه لم يُكتب له النجاح في السوق اللبنانية.
لم يستسلم ياسر، بالرغم من كل المحاولات السابقة الفاشلة، بعد أن اكتسب خبرة منها أوصلته لأن يبتكر تطبيقًا وصل بعد سنتين ونصف من انطلاقه إلى مليون مستخدم، ودخل سنوي يتجاوز 40 ألف دولار.
في 2021، سافر ياسر إلى اسطنبول، حيث بدأ بدراسة ماجستير الاقتصاد الإسلامي، حينها التحق بمبادرة “كور اسطنبول” لريادة الأعمال، وبالرغم من خبرته السابقة، أسهمت المبادرة بـ”نقلة نوعية” في فكره الريادي، وعمل المدربون والاستشاريون فيها على مدار ستة أشهر على تطوير مشروعه، وإعطائه التدريب اللازم للارتقاء بمشروعه من جميع النواحي، بحسب حديثه لعنب بلدي.
ومن بين 20 مشروعًا رياديًا، وصل إلى المرحلة النهائية للمبادرة بعد تصفية العديد من المشاريع الأخرى، إذ نجح خمسة مشاريع لرواد عرب خلال حفل افتتاح مؤسسة “كور اسطنبول”، في 4 من حزيران الحالي، كان مشروع ياسر ضمنها.
وتقوم فكرة مشروع ياسر على “اليانصيب الحلال”، وهو عبارة عن تطبيق للهواتف المحمولة، يُشاهد فيه المستخدم إعلانات تجارية للحصول على تذكرة من التطبيق، تمكّنه الدخول على سحب يومي للفوز بـ100 دولار، واستمد ياسر فكرة اسم للتطبيق “مية يومية”، الذي يتوقع أن ينطلق عبر متجر التطبيقات في الشهر المقبل.
وبحسب ياسر، سيدخل أصحاب المشاريع الناجحة لفترة تدريبية متقدمة لثلاثة أشهر مقبلة حول إدارة الجودة والاستثمار، وكيفية إطلاق المشاريع بالصيغة المُثلى، كما سيحصل صاحب كل مشروع من المشاريع الـ20، على فرصة عرض مشروعه لمستثمرين ورجال أعمال خلال يومين منفصلين، كإحدى خطوات “كور اسطنبول” لوصل المستثمرين برواد الأعمال.
وينصح ياسر جميع السوريين العمال في المعامل وورشات الخياطة، الراغبين بتطوير مستوى حياتهم، باستثمار الهوامش المالية والزمنية في حياتهم، والبحث عن الفرص التعليمية والتدريبية، وتطوير أفكارهم والعمل عليها، مهما واجهوا من عقبات ومصاعب، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وفي مشروع سوري آخر، بدأ عبد الرحمن كنفش (34 عامًا) بتأسيس شركته الخاصة في مجال الجلود عام 2019، وعمل عبد الرحمن على الاعتناء بجودة منتجاته، للوصول إلى جودة تفوق الماركات العالمية، وبأسعار معقولة، وفق ما قاله لعنب بلدي.
والتحق عبد الرحمن بـ”كور اسطنبول”، لمدة ستة أشهر، تعلم خلالها كيفية تسويق منتجاته ضمن السوق المحلية والعالمية، وكيفية ضمان استمرارية بيع منتجاته للزبائن عن طريق التميز وتطوير المنتج.
وشهد افتتاح “كور اسطنبول” تخريج الدفعة الأولى من المشاريع الريادية المحتضَنة الـ20، والإعلان عن المشاريع الخمسة الفائزة في برنامج الاحتضان الأول، كما أُعلن عن قائمة رواد الأعمال والمشاريع المقبولة في الدفعة الثانية من برنامج الاحتضان خلال الستة أشهر المقبلة وعددها 25 مشروعًا.
ومن المشاريع المقبولة القادمة، مشروع “نفسجي” الذي يجمع بين علم النفس واللون البنفسجي المستمد من لون زهرة “اللافندر” البنفسجية، التي تمنح خصائصها العطرية شعورًا بالاسترخاء، بحسب ما قالته صاحبة المشروع، آلاء زينو، لعنب بلدي.
كما يأتي الاسم كتعبير عن صاحب المهنة من حيث إضافة اللاحقة “جي” باللغة التركية للاسم، إذ درست آلاء الإرشاد النفسي في جامعة مدينة قيصري التركية، وانطلق المشروع لأول مرة عام 2018.
وبدأ المشروع توجهه للأطفال وأهاليهم، ثم فتح أبوابه لجميع فئات المجتمع، على شكل جلسات نفسية علاجية وإرشادية، ومحاضرات توعوية، ورحلات دعم وتفريغ نفسي، بالإضافة إلى دورات تدريبية لطلاب علم النفس لتمكينهم من الاختصاص، عن طريق مختصين.
وتأمل آلاء أن يكون مشروعها من المشاريع الفائزة بالدورة المقبل في “كور اسطنبول”، وأن تحقق الانتشار والوصول إلى الزبائن عبر دعم المستثمرين المالي.
وشهد الافتتاح عرض مجموعة من رواد الأعمال الشباب عددًا من المشاريع بميادين مختلفة، من بينها متاجر إلكترونية ومنصات رقمية وغيرها، وهي تنتظر من رجال الأعمال الحاضرين دعمها وتمويلها، حيث تجوّل المستثمرون واستمعوا إلى معلومات عن هذه المشاريع من قبل رواد الأعمال.
ما “كور اسطنبول”؟
عنب بلدي قابلت المدير التنفيذي للمؤسسة، سلام أحمد، الذي أوضح أن المبادرة انطلقت في أيلول 2021، بهدف تطوير 40 شركة ناشئة عربية سنويًا في تركيا، واستقطاب الشباب المتميز لتحقيق التنمية الاقتصادية داخل وخارج تركيا.
وجرى اختيار المشاريع بعد أن مرت في المرحلة الأولى من لجنة تضم خبراء ورجال أعمال، ليختاروا 50 مشروعًا ليكملوا للمرحلة الثانية من بين نحو 750 مشروعًا تقدمت للمبادرة، وبعد مخيم تدريبي ليومين، تختار اللجنة 20 مشروعًا للمرحلة النهائية التي تستمر لستة أشهر.
وفي المرحلة النهائية، يعمل خبراء في التسويق، ومستشارون تدريبيون، ومطوّرو أعمال، على تطوير ودعم المشاريع، وتعليم أصحابها الطريقة المثلى لتسويق المشروع، بحسب الأحمد.
وفي نهاية كل برنامج احتضان، تقام جلسة خاصة بين مشاريع المرحلة النهائية والمستثمرين، بحسب الأحمد، الذي توقع استثمار العديد من المشاريع المحتضَنة، التي سيُعلن عنها في الأيام المقبلة، وتُخطط الإدارة لتوسيع المبادرة في مدن مختلفة داخل وخارج تركيا.
وتُعرف “كور اسطنبول”، بحسب موقعها الرسمي، بأنها مؤسسة متخصصة في قطاع ريادة الأعمال التركية- العربية في تركيا، أسستها نخبة من الشباب التركي والعربي، وبدعم من رجال أعمال ومنظمات دولية، وهي تعمل على تحقيق تمكين اقتصادي للشباب التركي والعربي في مختلف القطاعات الاقتصادية، داخل وخارج تركيا.
كما تمتلك “كور اسطنبول”، بحسب موقعها، أكبر مساحة عمل مشتركة تركية- عربية، وصُممت خدماتها لتغطية متطلبات تشكيل منظومة موارد وقدرات بشرية، تستطيع دخول السوق التجارية، وتشكيل مجتمع متخصص بقطاع ريادة الأعمال في تركيا، وتأسيس الشركات وتطويرها، فضلًا عن العمل على مستوى الريادة الوظيفية.
–