بعد حصار قرية القبير بريف حماة الشمالي الغربي من قبل قوات النظام السوري مدعومة بآليات ثقيلة، بدأت عمليات القصف باستخدام قذائف الدبابات، ثم اقتحمت القرية بمساندة قوات وميليشيات محلية موالية لها، وارتكبت مجزرة بحق المدنيين.
مضت اليوم عشر سنوات على عمليات قتل جماعي في القرية، حملت صبغة طائفية، رميًا بالرصاص وبالأسلحة البيضاء، لم تستطع المنظمات والشبكات الحقوقية توثيق العدد الكلي لضحايا المجزرة الذي تراوح بين 50 و100 مدني، بينهم أطفال وسيدات، بعد محاولة قوات النظام طمس الأدلة والجثث.
وثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 50 مدنيًا بينهم عشرة أطفال وتسع سيدات.
في حين أفاد المسؤول الإعلامي في “المجلس الوطني السوري”، محمد سرميني، حينها لوكالة “فرانس برس“، بوجود حوالي 100 قتيل في مزرعة القبير، بعضهم قُتلوا بالسكاكين، وبينهم 20 طفلًا بعضهم لم يتجاوز السنتين، و20 امرأة، وحوالي 24 شخصًا من عائلة واحدة.
ماذا حدث؟
في 6 من حزيران 2012، توجّهت ثلاث دبابات تابعة للنظام السوري إلى قرية القبير، رافقتها شاحنات عسكرية “زيل” و ست حافلات بيض (باصات)، ومصفحات زيتية اللون كُتب على إحداها “مكافحة الشغب”، بالإضافة إلى عدد من السيارات فيها عناصر يرتدون الزي الرسمي لقوات النظام يحملون أسلحة فردية أغلبها بندقية “كلاشينكوف”، وعددًا من رشاشات “PKS”.
سيارات مدنية أخرى رافقت القوة العسكرية تحمل عددًا من الأشخاص يرتدون الزي المدني ويحملون عصيًا وأسلحة بيضاء (سكاكين متنوعة)، وحمل بعضهم مسدسات وبنادق “كلاشينكوف”.
بين الساعة 1:40 و1:50 ظهرًا، طوّقت هذه القوات قرية القبير من ثلاثة محاور، وهي المحور الشمالي من جهة بلدة معرزاف، والمحور الشرقي وهو طريق قرية المجدل، والمحور الغربي وهو طريق قرية التويم.
بعد أن تمركزت الدبابات، أطلقت أربع قذائف على المنازل بشكل مباشر في القرية دون أي تحذير، ثم بدأ إطلاق الرصاص من الرشاشات الثقيلة والمتوسطة باتجاه المنازل أيضًا، تبعها بعشر دقائق دخول الدبابات القرية، رافقها عناصر قوات النظام برفقة القوات الرديفة.
بشكل كثيف بقيت تُسمع أصوات إطلاق النار داخل القرية حوالي ساعة ونصف، وبقيت هذه القوات داخل القرية حتى قرابة الساعة 7:30 مساء.
ونقلت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عن إحدى الناجيات وتُدعى فضة اليتيم، أن قوات النظام كانت تُخرج الأهالي من بعض المنازل وتُطلق النار عليهم بشكل مباشر.
وقالت إن أفرادًا من القوات الرديفة التي ارتدت الزي المدني أخرجوا زوجها من المنزل، وجمعوه مع بعض الشباب من المنازل المجاورة لبيتهم، وجعلوهم يستلقون على الأرض ثم قاموا بضربهم بالعصي على رؤوسهم بشكل متكرر حتى شعروا بأنهم ماتوا ثم قاموا بإضرام النار بجثثهم.
نظام “فاقد الإنسانية” والانتهاكات مستمرة
في اليوم التالي، رفضت قوات النظام السوري السماح للمراقبين الدوليين الموجودين في محافظة حماة بالدخول إلى المنطقة، وأوقفتهم على أحد الحواجز العسكرية المحيطة بالمنطقة، ومنعتهم من التوجّه إلى قرية القبير، وطُلب منهم العودة إلى مدينة حماة.
ولم يستطع المراقبون الدخول إلى القرية إلا بتاريخ 8 من حزيران 2012.
الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، أدان المجزرة، ووصفها بأنها “مُروّعة ومُثيرة للاشمئزاز ووحشية لا تُوصف”. وذكر أن النظام السوري “فقد إنسانيته ولم يعد لديه أي شرعية”.
كما نددت العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية بالمجزرة، وترافق ذلك مع مطالبات ودعوات لمحاسبة النظام السوري ومرتكبي الانتهاكات.
ويجري بشكل مستمر الكشف عن مجازر جديدة ارتكبتها قوات النظام، كان آخر ما ظهر منها بشكل واضح وموثق ما كشفه تحقيق لصحيفة “الجارديان” البريطانية من معلومات حول مجزرة “التضامن” التي ارتكبتها قوات النظام السوري في 16 من نيسان 2013، في حي التضامن بدمشق، وأسفرت عن مقتل نحو 41 شخصًا ودفنهم في مقبرة جماعية.
التحقيق الذي نشرته “الجارديان“، في 27 من نيسان الماضي، جاء بعد نحو شهر من انتهاء “شهر المحاسبة”، الذي أعلنته الولايات المتحدة مطلع آذار الماضي، عبر سفارتها في دمشق، وقالت السفارة حينها، إن شهر آذار سيكون “شهر المحاسبة”، وإن الإفلات من العقاب سينتهي في سوريا.
واعتبرت السفارة أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ارتكب خلال الـ11 عامًا الماضية جرائم ضد السوريين، بتعذيبهم، مشيرة إلى أنها ستسلّط الضوء على “كيفية متابعة السوريين والمجتمع الدولي المساءلة عن هذه الجرائم”.
وسجّل تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، الصادر في 15 من آذار الماضي بالذكرى السنوية الـ11 لانطلاقة الثورة السورية، منذ آذار 2011 حتى آذار 2022، مقتل 228 ألفًا و647 مدنيًا، بينهم 14 ألفًا و664 قضوا تحت التعذيب، بينما لا يزال 151 ألفًا و462 شخصًا قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري، إضافة إلى تشريد قرابة 14 مليون سوري.
وقُتل على يد قوات النظام السوري 200 ألف و367 مدنيًا بينهم 22 ألفًا و941 طفلًا، و11 ألفًا و952 سيدة، وقتلت القوات الروسية ستة آلاف و928 مدنيًا بينهم ألفان و42 طفلًا، و977 سيدة.
وأكدت “الشبكة” أن النظام السوري وحلفاءه هم المسؤولون عن الأغلبية العظمى من عمليات القتل بنسبة 91%، كما ذكرت في تقريرها أن أكثر من نصف الشعب السوري بين نازح ولاجئ، لافتة إلى تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تشير إلى أن قرابة 13.4 مليون سوري أُجبروا على النزوح داخليًا أو اللجوء إلى دول أخرى منذ آذار 2011.
وتستمر قوات النظام وروسيا بقصف واستهداف شبه يومي لمناطق سيطرة الفصائل السورية المعارضة، شمال غربي سوريا، مع استمرار سريان اتفاقيات دولية بوقف إطلاق النار، ومنها ما يُعرف باتفاق “موسكو” أو اتفاق “وقف إطلاق النار”، الموقّع بين روسيا وتركيا، في 5 من آذار عام 2020.
وتواصل روسيا والنظام شن الهجمات “القاتلة” على المدنيين وملاحقتهم، دون أي رادع أو محاسبة دولية على هذه الجرائم، بحسب “الدفاع المدني”.
–