عنب بلدي- ديانا رحيمة
أنهت اللجنة الدستورية السورية الجولة الثامنة من أعمالها في جنيف، التي استعرضت فيها وفود الأطراف الثلاثة من النظام والمعارضة والمجتمع المدني أربعة مبادئ دستورية.
وقال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، في إحاطة بعد انتهاء الجولة، في 3 من حزيران الحالي، إن الوفود قضت يومًا واحدًا في مناقشة مسودات النصوص الدستورية لكل مبدأ قدمه كل وفد، وفي اليوم الخامس، قدّمت الوفود “تنقيحات” للنصوص في ضوء مناقشات الأسبوع، وتمت مناقشة هذه المراجعات.
وأضاف، “في بعض الحالات ظلت الاختلافات كبيرة. في مناطق أخرى كانت هناك مناطق يمكن أن تكون مشتركة”، معربًا عن “تقديره لهجة الحوار الموضوعية وطبيعته في القاعة”.
وطُرحت خلال الجلسات كل من المبادئ التالية:
• الإجراءات القسرية من جانب دستوري، وقُدّم من قبل وفد المجتمع المدني.
• الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها، وقُدّم من قبل وفد النظام السوري.
• سيادة الدستور وتراتبية الاتفاقيات الدولية، وقُدّم من قبل وفد “هيئة التفاوض السورية”.
• المعاهدات الدولية والعدالة الانتقالية، وقُدّم من قبل وفد المجتمع المدني.
هدوء.. لا تقدم
وقالت عضو الهيئة العامة في “الائتلاف السوري” وفي اللجنة المصغرة باللجنة الدستورية ديما موسى، في حديث إلى عنب بلدي، إن النقاش الذي جرى خلال الجولة كان أكثر هدوءًا من سابقاتها، وأخذت طابعًا تقنيًا، مشيرة إلى بعض النقاط المشتركة التي يمكن الاتفاق عليها، ولكن هذا كله هو الجانب الشكلي من المسألة، والذي لا يغيّر كثيرًا من جوهرها.
وأوضحت أن جوهر المسألة هو غياب إرادة سياسية عند الطرف الآخر (وفد النظام السوري) للخروج بتوافقات، وبات واضحًا أن المنهجية المتبعة تساعد عملية التعطيل وتسهّل عدم الوصول إلى مخرجات حقيقية، بحسب موسى.
مبدأ “الإجراءات القسرية من جانب دستوري”
قُدم مبدأ “الإجراءات القسرية من جانب دستوري” من قبل ثمانية أعضاء من وفد المجتمع المدني عبر أربع فقرات، وتناول مقدموه الإجراءات الدولية المتخذة ضد النظام السوري.
وحاول وفد النظام الربط بين هذه الإجراءات وعودة اللاجئين، وقدّم قسم من وفد المجتمع المدني مداخلات واضحة لتفنيد هذا المبدأ، أوضحوا خلالها أن “المطروح هو قضية سياسية بالدرجة الأولى، ويأتي الحديث عنها بعد الاتفاق السياسي وتنفيذ القرار 2254 (2015)، عندما تزول الأسباب التي دفعت الدول لوضع هذه الإجراءات وفرض العقوبات”.
وفيما يخص ما طُرح من ربط هذا الملف بملف اللاجئين، قال عضو اللجنة الدستورية طارق الكردي، “تحدّثنا بإسهاب في هذا الملف لأهميته وضرورته، ولأنه يخص عمق حياة ملايين السوريين المهجرين والنازحين”.
وأوضح الكردي أنه يجب أن تكون لهذا الملف عناية في عدة مواضع بالدستور المقبل، ويجب أن يكفل الدستور المرتقب للاجئين والمهجرين جميعًا، في الداخل والخارج، عودة آمنة وكريمة إلى بيوتهم ومناطقهم التي هُجّروا منها.
من جهته، قال حسن الحريري، وهو من لجنة صياغة الدستور في اللجنة الدستورية، “جرت نقاشات كثيرة حول هذا المبدأ، وركّز مقدمو هذا المبدأ على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول كأمريكا وأوروبا على سوريا”، وأيّد المبدأ الوفد الذي يمثّل النظام بشدة.
وأوضح الحريري مفهوم هذه الإجراءات، وكيف “يمكن لمجلس الأمن أن يفرض عقوبات على دول وأنظمة في حال انتهكت حقوق الإنسان أو ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، كما يمكن أن تقوم دول بإرادتها المنفردة بإيقاع عقوبات على دول أخرى لأن قوانينها ودساتيرها الداخلية تسمح لها باتخاذ هذه الإجراءات في حال وجود انتهاكات لحقوق الإنسان كما جرى في سوريا”.
مبدأ “الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها”: الجيش في الواجهة
هذا المبدأ طرحه وفد النظام السوري، وجاء في نسخة عنه نشرتها صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، في 1 من حزيران الحالي، “تنفذ مؤسسات الدولة السياسة العامة للدولة، وتعمل في حدود السلطات الممنوحة لها بموجب الدستور والقوانين الوطنية في الجمهورية العربية السورية، والحفاظ على المؤسسات القائمة وتعزيز دورها وتطوير أدائها هو واجب وطني، وكل تهديد داخلي أو خارجي يهدف إلى تقويض مؤسسات الدولة أو تعطيل عملها، هو انتهاك للدستور يحاسب عليه القانون”.
وأضاف نص المبدأ أن “الجيش العربي السوري والقوات المسلحة مؤسسات وطنية تحظى بدعم ومؤازرة الشعب، وهي مسؤولة عن الدفاع عن سلامة أرض الوطن وأمنه وسيادته، من كل أشكال الإرهاب والاحتلال والتدخل والاعتداءات الخارجية، والمحافظة عليها وتعزيزها بكل السبل المتاحة واجب وطني”.
من جانبه، قال الرئيس المشترك للجنة، هادي البحرة، إنه “تم تقديم أكثر من مداخلة تصب في اتجاه انتقاد الورقة وتفاصيلها وقصورها، وسجّل وفد (هيئة التفاوض) عدة تحفظات على الورقة التي قدّمها وفد مرشحي النظام، ومنها عدم التطرق إلى التزام مؤسسات الدولة والجيش بحقوق الإنسان، وإغفال حياد الجيش والقوات المسلحة في الحياة السياسية، وعدم التطرق إلى تنظيم هيكلية الجيش”، بحسب ما نشرته “هيئة التفاوض السورية”.
مبدأ “سمو الدستور وتراتبية الاتفاقيات الدولية”
أكد مبدأ “سمو الدستور وتراتبية الاتفاقيات الدولية” الذي قدمه وفد “هيئة التفاوض السورية”، وجوب أن يكون الدستور هو القانون الأسمى في الدولة، وأنه لا يمكن أن يصدر أي قانون أو أي تعليمات إدارية مخالفة له.
كما شدد على أن المعاهدات الدولية ترتّب التزامات على الدولة، وترتّب حقوقًا للمواطنين السوريين، بما فيها الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
مبدأ “العدالة الانتقالية”
نص المبدأ الذي قدمه سبعة أعضاء من وفد المجتمع المدني، على أن تلتزم الدولة بتبني نهج شامل للعدالة الانتقالية، ينطلق من مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وأن الجرائم لا تسقط بمرور الزمن أو بصدور عفو سابق، ويكون فيه للضحايا وعائلاتهم مكانة مركزية وعلى وجه الخصوص النساء والأطفال، على أن يتضمّن هذا النهج مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية، بما فيها معرفة مصير المفقودين والمغيبين قسرًا، والمحاسبة والمساءلة، وبرامج جبر الضرر، والإصلاح المؤسسي، ومبادرات نزع السلاح، والتسريح وإعادة الإدماج وغيرها.
وقال المحامي طارق الكردي، “من المفترض ألا يكون هذا البند إشكاليًا، وأن يكون جميع السوريين مع العدالة والحق، العدالة لكل الضحايا ولكل من ارتُكبت انتهاكات بحقهم.
وأضاف أنه “ما من سلام مستدام في سوريا دون حدوث عدالة انتقالية، وهي ركن أساسي ورئيس، ولا يمكن الوصول إلى السلام السياسي والمجتمعي والمحافظة عليه دون عدالة لكل السوريين الذين مورست بحقهم انتهاكات ضخمة”.
وتضم العدالة الانتقالية الأفراد الذين يجتمعون من أجل معالجة إرث الفظائع الشنيعة، أو إنهاء الحلقات المتجددة من النزاع العنيف، وذلك من خلال وضع مجموعة من الاستجابات المختلفة.
وهي استجابات قد تشمل إدخال الإصلاحات إلى الأنظمة القانونية والسياسية والمؤسسات التي تحكم المجتمع، بالإضافة إلى الآليات الرامية إلى كشف الحقيقة حول ما جرى وأسبابه، وتحديد مصير المعتقلين أو المخفيين قسرًا، بحسب الكردي.
نقاشات إيجابية لا تنعكس على المضمون الدستوري
وأوضح المحامي طارق الكردي، في حديثه إلى عنب بلدي، أن اللجنة لم تصل إلى توافق حول أي مبدأ من المبادئ الأربعة التي طُرحت في الجولة الثامنة.
ومن الواضح أن الطرف الذي يعرقل العملية السياسية منذ عام 2014، ويمنع اللجنة الدستورية من تحقيق أي تقدم منذ انطلاق أعمالها، ما زال إلى الآن بنفس العقلية وبنفس القرار.
واعتبر أن الإيجابية الشكلية والدخول في النقاشات التقنية والعلمية الدستورية والقانونية شيء جيد، ولكن إذا لم تنعكس هذه الإيجابية في الشكل على إيجابية المضمون، وتبدأ بكتابة المضامين الدستورية أو المواد الدستورية للدستور الجديد، فستبقى المحصلة صفرية.
ويأتي أعضاء اللجنة إلى جنيف من خلفية أنهم يحملون همّ الشعب السوري في الداخل والخارج من المعتقلين وأهاليهم، وهمّ اللاجئين والنازحين، ويسعون لأن تكون اللجنة الدستورية مدخلًا لتحقيق الحل السياسي الشامل في سوريا، بحسب الكردي، ولكن مع الأسف هذه الروح غير موجودة لدى كل أطراف اللجنة الدستورية.
إبقاء الوضع كما هو عليه
سميرة المبيض، عضو اللجنة الدستورية، ترى أن النقاشات القائمة تدور في دوائر مفرغة لأنها ليست ضمن إطار عمل دستوري ساعٍ للتغيير، وإنما ضمن إطار سعي الأطراف للحفاظ على مكتسبات الصراع.
ومن هذا المنطلق، لا يمكننا الحكم على وجود نقاط مشتركة تصلح كمبادئ دستورية مستقبلية، لأن هدف النقاشات بحد ذاته غير متوائم مع احتياجات السوريين اليوم، بحسب ما قالته المبيض لعنب بلدي.
ورغم كونها نقاشات لم تتجاوز المفاهيم العامة، لم يصل المتحاورون إلى أي اتفاق ضمنها، ولن يصلوا، بحسب سميرة المبيض، لأن استمرار الصراع الذي تمثّله هذه الجهات هو الحاضر في أروقة هذه اللجنة، وهو صراع أفضى إلى تدمير البلد وقتل وتهجير الملايين، في حين أن ما يجب العمل عليه هو دستور بناء الدولة السورية الحديثة، وهم بعيدون عن هذا المسار.
ثلاثة وفود.. ثلاث خيبات
النظام يسعى للحفاظ على استمراريته، وهي استمرارية قائمة على بنية محددة من رموز ومؤسسات وغيرها من الأدوات التي لا يمكنه نقضها، لأنه بذلك يقوّض بنيته، لذلك هو يطرح ضمانات دستورية لاستمراريته، بحسب سميرة المبيض.
وفي المقابل، أنشأت المعارضة نموذجًا مقاربًا لبنية النظام في المناطق التي تسيطر عليها، على الأخص فيما يتعلق بالحالة القمعية والاستبدادية، بحسب المبيض، لذلك بدت نقاشات الطرفين بعيدة عن واقع عدم امتلاكهم الأهلية والمصداقية لإظهار وتطبيق نموذج حكم بعيد عن أطر المنظومة الشمولية والفساد والقمع والتبعية المرتبطة بها.
كان يُفترض أن تكون كتلة المجتمع المدني هي الطرف الدافع بمصالح السوريين بعيدًا عن تقاسم مكتسبات الصراع بين التيارات الأيديولوجية، ولكن هذه الكتلة “تمت الهيمنة على أصواتها من قبل كل من النظام والمعارضة وانقسمت بينهما، وأصبحت ملحقًا وتابعًا لكل من الكتلتين، وهنا يكمن انحراف كبير لا يمكن التغاضي عنه، ويتطلب التقويم، لأن صوت المتضررين من أغلبية الشعب السوري غائب عن التأثير في هذا المسار”، بحسب المبيض.
وخلصت المبيض إلى أن اللجنة بشكلها الحالي لا يمكن أن تؤدي إلى تغيير في سوريا، فهي تعكس أطر المنظومة القديمة بأبعادها كافة، وأقصى ما يمكن أن تصل إليه هو تقاسم للسلطة.
وكان بيدرسون أعلن في ختام الجولة الثامنة من اجتماعات اللجنة الدستورية، أن الرئيسين المشاركين اتفقا على عقد الدورة التاسعة في جنيف بالفترة بين 25 و29 من تموز المقبل.