عنب بلدي- جنى العيسى
في أيار الماضي، فاضت كميات من المياه الموجودة في سدي بلدة تسيل وقرية سحم الجولان في درعا جنوبي سوريا، نحو وادي اليرموك وصولًا إلى سد “الوحدة” على الحدود السورية- الأردنية.
رافقت عملية تسرب المياه عدة روايات حول أسبابها، إحداها أن سبب التسرب “استهداف مقصود” بهدف وصول المياه إلى سد “الوحدة”، الأمر الذي يصب بمصلحة الأردن، بينما كانت الرواية الأخرى تتحدث عن عطل تقني “لم يكن مقصودًا”، داخل تمديدات هذه السدود.
تحاول عنب بلدي في هذا التقرير ذكر آثار تعطل أو استهداف سدود المياه في درعا على المنطقة، مع الإشارة إلى أعداد السدود في المحافظة وحجم المساحات الزراعية القادرة على إروائها.
الفلاحون.. الأكثر تضررًا
أثار تدفق المياه من السدّين لفترات متواصلة مخاوف الفلاحين في درعا، نظرًا إلى صعوبة قدرتهم على تأمين البدائل من المياه لسقاية المواسم الزراعية.
عبد الحميد (42 عامًا) من فلاحي مدينة درعا، قال لعنب بلدي، إن معظم الفلاحين متخوفون من إفراغ سد “سحم” في حال تكررت حادثة تسرب المياه منه، موضحًا أنه يزرع محصول البطاطا حاليًا، وبعدها سيزرع محصول الباذنجان.
وأضاف عبد الحميد أنه في حال تكرار تسرب المياه، سيبقى الفلاحون مجبرين على الاستعانة بمصادر أخرى أكثر تكلفة لري أراضيهم الزراعية، كالاستعانة بمياه الآبار، كونهم دفعوا تكاليف كبيرة للعناية بالمحصول من سماد ومواد كيماوية، وتكاليف إنتاج إضافية.
بينما قال فلاح آخر (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، لعنب بلدي، إنه قرر عدم زراعة أرضه بالاعتماد على مياه سد “سحم” لهذا العام، مرجعًا أسباب قراره لسوء إدارة السد من ناحية عدالة توزيع المياه، إذ تغيب القوة الرادعة، ويستفيد المزارعون القريبون من السد أكثر من المشاريع البعيدة التي من المفترض تأمين مياه الري لها، بحسب قوله.
ما الذي يحصل؟
في 23 من نيسان الماضي، قالت شبكة “درعا 24″، إن مجهولين قاموا بتخريب البوابات التي تحجز مياه سد “سحم الجولان” في الريف الغربي من محافظة درعا، ما أدى إلى فيضان مياه السد باتجاه سد “الوحدة” على الحدود السورية- الأردنية، وذلك بعد أن تمت تعبئته في مطلع آذار الماضي بنسبة 60% فقط من حجم سعته.
بدورها، حذرت وزارة الإدارة المحلية الأردنية، حينها، البلديات الحدودية مع سوريا من سيول وفيضانات قد تداهم مناطقها بسبب “أمطار غزيرة هطلت في الجانب السوري، وذلك بعدم استقرار حالة الجو”.
وبحسب ما نشرته جريدة “الغد” الأردنية، في 24 من نيسان الماضي، فقد وصلت مياه السيل من سوريا إلى بعض مناطق بلدية “أم الجمال”، خاصة منطقة “الكوم الأحمر”.
وفي 9 من أيار الماضي، تعرض سد بلدة تسيل بريف درعا الغربي لفيضان مياهه باتجاه منطقة العلان، ومنها باتجاه نهر “اليرموك” لتذهب مياهه إلى سد “الوحدة”.
وربط ناشطون التسرب مع اتفاقية بين حكومة النظام السوري والأردن، إذ اتفق الجانبان خلال اجتماعات وزارية، في أيلول 2021، على إعادة تفعيل لجنة المياه المشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 1987.
اتفاقية استثمار مياه نهر “اليرموك” رقم “33” لسنة 1987 المعقودة بين الأردن وسوريا، نصّت على حق الأردن بالحصول على نحو 200 مليون متر مكعب من مياه “اليرموك”، وبناء سد بذات السعة تقريبًا لهذه الغاية.
وسبق أن ضخت سوريا إلى المملكة الأردنية، في عام 2002، ثلاثة ملايين متر مكعب من مياه سد “سحم” لمساعدة الأردن في حل أزمته المائية.
وسد “الوحدة” هو سد عربي مشترك بين سوريا والأردن يقع على نهر “اليرموك”، وطوله 110 أمتار، وطاقة تخزينه تصل إلى 115 مليون متر مكعب.
سدود بلا صيانة
لا يعتقد وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، الدكتور عبد الحكيم المصري، أن يكون تعطل تدفق مياه السدود في محافظة درعا مقصودًا، مفسرًا ذلك بأن حدوث الأعطال ممكن جدًا، كون هذه السدود لم تخضع للصيانة منذ وقت طويل، موضحًا أن من الطبيعي أن تذهب المياه الموجودة فيها نحو الأردن، نتيجة عدم صيانة المضخات والتمديدات.
وأكد المصري، في حديث إلى عنب بلدي، أن المتأثر الأكبر بأعطال السدود هم الفلاحون، نتيجة اعتماد الأراضي الزراعية عليها بشكل كامل لري أراضيهم ومحاصيلهم الزراعية، مضيفًا أن هذا الأثر سيتضاعف حاليًا نتيجة تعرض آبار المنطقة للجفاف بسبب الحفر الجائر.
وتهدد أعطال سدود المياه قطاع الزراعة ككل في سوريا، ما ينعكس على الإنتاج الزراعي، ثم على الناس، وفقًا للوزير، إذ تعتبر المناطق الزراعية المستفيد الأول والمعتمد بشكل رئيس على مياه هذه السدود، التي تصل إليها المياه عن طريق مضخات خاصة عبر قنوات الري.
كما تعتبر مياه الأمطار المصدر الرئيس للمياه المخزنة في السدود، وتجمع عبر مضخات تعيد ضخ مياه الأمطار من بعض الأودية نحو السدود.
بينما يحصل المقيمون في محافظة درعا على مياه الشرب عن طريق مصدرين، إما الينابيع وإما الآبار.
ما واقع سدود تخزين المياه في درعا؟
يعتبر سد “سحم الجولان” أحد أهم السدود التخزينية بريف درعا الغربي، إذ تبلغ سعته حوالي 20 مليون متر مكعب، كما تحتوي المحافظة على عدة سدود إضافية بسعة تخزين تتراوح بين نصف مليون متر مكعب و15 مليون متر مكعب، بالإضافة إلى عدد من السدود الصغيرة التي تعتبر سعة تخزينها قليلة، إذ ترتبط بالموسم المطري في أماكن وجودها.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، لا تهتم حكومة النظام بصيانة دورية للسدود في عموم المحافظات، وفي حال حدوث العطل فقد تحتاج إلى أيام كفيلة بتسرب المياه المخزنة بداخل السد حتى إعادة إصلاحه.
وتوصي منظمة “رابطة مسؤولي سلامة السدود” الأمريكية، بإجراء تفتيش ومراقبة شاملين ودوريين للسدود طوال عمر السد، الأمر الذي يضمن الكشف المبكر عن أوجه القصور والوقاية من الأعطال، بهدف إطالة عمره، وبهدف مراقبة السد وملحقاته والخزانات والمنطقة المحيطة به.
شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في مدينة درعا حليم محمد