طائرة فراس إبراهيم الخاصة

  • 2022/06/05
  • 11:23 ص

الفنان السوري فراس إبراهيم

نبيل محمد

عصفت ظروف الحياة بالفنان السوري فراس إبراهيم، وحطّمت مشاريعه أحداث قدريّة، بينها حادثا سير نجا منهما بأعجوبة، وحادث سطو مسلّح سلبه 100 ألف دولار. ذاك مبلغ كان يحمله في محفظته في شتورة اللبنانية، اضطر لسحبه من البنك مباشرة لضيق تعرض له في الأعمال الإنتاجية بمسلسل كان يقوم بإنتاجه في مصر. عطّلت تلك الأحداث أعمال الفنان، وهي بلا شك أحداث يمكن أن تودي بمشاريع ضخمة، ينوي الخوض فيها أي إنسان، ولعل خروجه منها على قيد الحياة هو أهم من المشاريع كلّها بالنسبة له ولعائلته. لكن أن تنقله تلك الأحداث من فنان يفكّر في “شراء طائرة خاصة” إلى فنان لا يملك أن يدفع أجرة منزله، فهذه هي القضية الدراميّة الأهم التي بنى عليها مسلسله الأخير، الذي قدّمه في لقاء أجرته معه الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات عبر برنامجها “شو القصّة؟”.

حسرات ودموع وابتسامة خيبة أمل بكل من يحيط به، وأجواء دراميّة، تنتمي بلا شك إلى شخصية الفنان المعروفة بمبالغات الأداء في أغلبية الشخصيات التي قدّمها، والتي كان مجرد حضوره في شارات مسلسلاتها، بمنزلة تنميط لتلك الأعمال بهيئة معيّنة. وإن كانت تلك الهيئة جاذبة لجمهوره الذي طالما تحدّث عنه، فهي منفرة لأضعاف هذا الجمهور.

“من كان يجرؤ أن يعرض عليّ دورًا من خمسة مشاهد، بل من كان يجرؤ أن يعرض عليّ دورًا من 200 مشهد”، دون أي تردد قال الفنان ذلك، مستذكرًا تاريخ أعماله وكأنها تنتمي لعصور تراجيديا إغريقية يستحيل أن تتكرر. إلا أن الحياة دول، فذلك العصيّ على عروض العمل بمشاهد قليلة، بات اليوم “ملطشة” يمكن للفاشلين أن يعرضوا عليه عروضًا لا تناسب مقامه الدرامي الرفيع، الذي تنقّل خلال اللقاء بين الاعتزاز به والاعتذار عنه، كي لا يوصف بالغرور، تلك الصفة التي نبّهته محاورته إلى ضرورة تجنّبها.
من التاريخ أيضًا تحدّث الفنان عن مخرج كبير، لم يذكر اسمه طبعًا، عرض عليه دورًا من 50 مشهدًا، بعد أن أدى دور “محسن” الذي يصفه بـ”التاريخي” في “خان الحرير”، فردّ إبراهيم على عرض المخرج بالقول، “لا أسمح لك أن تراني هكذا”، مستذكرًا تلك الرحلات التي كانت تأتي من مختلف المحافظات السورية، فقط لتقف تحت شرفة بيته فيقوم هو بالتلويح للجموع من أعلى. هنا فقط يمكنك كمتابع أن تواجه الفنان متهمًا إياه بنسج قصة المخرج السابقة من خياله. أما أبناء المحافظات الذين ينشدون شرفة منزله، فهي ستحدث يومًا ما عندما يلعب الفنان دور حافظ الأسد في مسلسل ما من إنتاجه.

بين اعتذار عن غرور سابق، واعتراف بخيبة حالية، وجد الفنان نفسه قادرًا على التفوق من جديد، فحتى ذلك الدور المؤلّف من مشاهد متعددّة، استطاع أن يرى فيه إبراهيم زاوية مؤثرة في العمل، ويصنع منه ما هو غير متوقّع، بل وينال أجرًا مساويًا لأجور أبطال العمل، على الرغم من محدوديّة المشاهد تلك، ليلعب دور الفارس القادر على النهوض مرة أخرى، رغم الكبوات المتراكمة التي سلبته على ما يبدو بالدرجة الأولى إمكانياته المادية. هو ليس فقط غير قادر على شراء الطائرة، بل أيضًا غير قادر على مساعدة المئات الذين يطلبون منه المساعدة عبر “الماسنجر”، بعد أن اعتاد لسنوات تخصيص مبالغ لمساعدة المحتاجين، وفق قوله.

“كيف أنت معارض وما زلت تعيش في بلدك؟”، سؤال اختتمت به الزيّات الحوار، فرد الفنان بالقول “أنا لست معارضًا. أنا أنتقد، وأرى بعينين. أنتقد ليس لأذيّة البلد”. جملة بالتأكيد ليس الفنان بحاجة إلى قولها ليبرز موقفه السياسي، فموقفه أوضح من أن يحتاج إلى إظهار، بل وقد عبّر عنه منذ بداية الحلقة عندما شكر بشار الأسد على العناية التي قدمها له بعد حادث السير الذي مرّ به. لكن لا شك أن إبراهيم يخاف من أن يتم فهم منشوراته الناقدة التي تستهدف “الفساد”، بأن خلفها فنانًا معارضًا، لا سمح الله، بل علّ كل مواقفه مصدرها “عتب” على القيادة التي استضافت فنانين سوريين محددين دون غيرهم، ودون أن يعرف إبراهيم عن ماذا تمخّضت تلك اللقاءات. لو تمت استضافته كغيره في قصر الرئاسة، ربما كان الأمر مختلفًا، وربما كان ذاك الحوار سيتضمّن فقرات من مسلسل درامي آخر.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي