تحتوي سوق الهواتف في تركيا على مصطلح “جوال سوري”، وهو لا يشير إلى أجهزة مصنوعة في سوريا بطبيعة الحال، بل إلى “سوق سوداء” للهواتف المهربة التي تدخل إلى تركيا بشكل غير نظامي.
تباع هذه الأجهزة في المحلات السورية والتركية على حد سواء، بسبب فرق السعر بينها وبين الهواتف المستوردة بشكل نظامي.
سوق الهواتف المحمولة في تركيا تضم بشكل رئيسي أجهزة ذكية من معظم العلامات التجارية العالمية مثل “آيفون”، و”سامسونغ”، وهي بسعر مرتفع عن دول المنطقة بسبب الضرائب العالية، بينما تُنتج مصانعها بعض الأنواع من الهواتف المحمولة، كـ “فستل”، و”جنرال موبايل”.
أجرت عنب بلدي استطلاعًا ميدانيًا شمل سوريين يملكون هواتف محمولة نظامية ومهربة، وصاحب محل جوالات مطلع على سوق الهواتف المحمولة في تركيا، للوقوف على أسباب تمييز واختيار السوريين لإحدى الهواتف، ومساوئ “الجوال السوري” وخطورة بيعه من طرف أصحاب المحال.
من معمل واحد والفرق 100 دولار
اختار محمود مهدي (31 عامًا) أن يشتري “جوال سوري” منذ سنتين بعد معرفة فرق السعر بين ذات الهاتف ونظيره من السوق التركية، إذ كان هاتفه أرخص بـ 800 ليرة تركية عن “الهاتف النظامي”، وهو راضٍ في الوقت الحالي عن أداء هاتفه، ولا يفكر باستبداله، وفق كلامه لعنب بلدي.
بينما اشترى أحمد حكيم (28 عامًا)، هاتفه المحمول منذ مدة قريبة، وكان قد طلبه من موقع محلي للتسوق على الإنترنت حيث تُباع فقط الهواتف المستوردة بشكل نظامي إلى تركيا.
وعند سؤاله عن السبب بالرغم من توفر ذات الموديل من هاتفه في السوق السوداء، أجاب، “مابدي وجع راسي”، بحسب وصفه للمشاكل المتعددة التي من الممكن أن يواجهها عند اقتنائه لـ”جوال سوري”.
من هذه المشاكل اضطراره لتثبيت جهازه على الشبكة التركية، عن طريق محل صيانة جوالات بطريقة غير رسمية، عدة مرات في السنة، واحتمال فقدان بياناته المحفوظة على الهاتف عند إجراء عملية التثبيت، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
حسين بحري (42 عامًا)، أوضح لعنب بلدي أنه بسبب وضعه المادي المتوسط قرر شراء هاتف محمول من السوق السوداء، بعد فحص الميزات التي من الممكن أن يحتويها هذا الهاتف بالمبلغ الذي رصده لشراء هاتف محمول جديد، ومقارنتها بالمواصفات التي يمكن أن يملكها هاتف من السوق التركية سعره قريب من قيمة المبلغ المرصود.
قابلت عنب بلدي بشار قطان (30 عامًا)، صاحب محل جوالات مطلع على سوق الهواتف المحمولة في تركيا بعد عمله في المجال لأكثر من ست سنوات، أوضح أن سبب إطلاق السوريين مُسمى “الجوال السوري” على الهواتف التي تُباع في السوق السوداء، ظنًا منهم أنه يُهرّب من سوريا إلى تركيا، بينما تهرب الهواتف أيضًا من العراق والإمارات.
وأوضح بشار أنه بالرغم من إنتاج الهواتف المحمولة المهربة والمستوردة بشكل نظامي أحيانًا من ذات المعمل ومطابقة المواصفات البرمجية والمادية، يصل فرق السعر للهواتف المحمولة الحديثة ذات المواصفات الجيدة إلى 100 دولار.
الفرق الأساسي بين الهواتف المحمولة في السوق التركية والهواتف الموجودة في السوق السوداء، أن الأخيرة غير مسجلة على شبكة الاتصالات التركية ولا تعمل عليها، لكن تسمح القوانين التركية بتشغيل الهواتف المحمولة (من السوق السوداء)، على شبكة الاتصال التركية لمدة تصل إلى أربعة أشهر لأول مرة يُشغل فيها الهاتف في البلاد. |
مشاكل وحلول “الجوال السوري”
يلجأ معظم السوريون الذين اشتروا “هواتف محمولة سورية”، وبالأخص أصحاب الهواتف ذات السعر المنخفض، إلى تسجيل هواتفهم على الشبكة التركية بشكل غير رسمي، عن طريق مجموعة برامج وأدوات يعمل عليها الفنيون في محال الجوالات، لكنها تكون ذات تسجيل مؤقت، إذ تقوم المديرية العامة للاتصالات بمحو جميع التسجيلات المؤقتة في بداية كل عام.
وبحسب بشار، صاحب محل الجوالات، تكون كلفة التسجيل المؤقت على الشبكة التركية منخفضة (تتراوح بين 50 إلى 250 ليرة تركية بحسب نوع الهاتف المحمول)، مقارنةً بتكاليف التسجيل الرسمية.
ومن المشاكل الموجودة في “الهاتف السوري”، اضطرار الفني عند إجراء عملية التسجيل المؤقت للهاتف، إلى تثبيت برامج مُعينة على الهاتف المحمول تؤثر عليه، من حيث زيادة استهلاك شحن البطارية، أو تعطل بعض المزايا، أو التأثير على سرعة الهاتف، كما تُلزم عملية التسجيل المؤقت لبعض الهواتف إلى حذف جميع البيانات المحفوظة داخل الجهاز أثناء العملية.
ومن أهم المشاكل الموجودة في هواتف “السوق السوداء” عدم وجود كفالة للهاتف عند شرائه، بعكس الهاتف المحمول في السوق التركية الذي يتضمن كفالة تصل لسنتين.
ومؤخرًا بحسب بشار، اشتكى أصحاب هواتف الـ”سامسونغ” الخاضعة لعملية التسجيل المؤقت من ظهور تنبيهات على الهاتف المحمول من تطبيقات تابعة للبنوك، أو تطبيقات منصات تداول العملات الرقمية، تُفيد بعدم تكفّل جهة التطبيق من حدوث أي اختراق أمني للبيانات المحفوظة على الهاتف مما أدى إلى ذعر مالكيها.
يمكن لمالكي الهواتف المحمولة المأخوذة من “السوق السوداء”، بمختلف أنواعها، تسجيلها بشكل رسمي ودائم على شبكة الاتصالات التركية عن طريق موقع الحكومة التركية الرسمي “E-Devlet”، وبشرط أن يكون لدى مالك الهاتف جواز سفر غير منتهي المدة وعليه ختم دخول لتركيا لم تتجاوز مدته السنة، بحسب موقع هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التركية.
وتبلغ رسوم تسجيل “الهاتف المحمول” بشكل رسمي على شبكة الاتصالات التركية لعام 2022، 2732 ليرة تركية، بينما كانت تبلغ 2006 ليرات في العام الماضي.
مخالفات لأصحاب محال الجوالات
يُلحق دخول الهواتف المحمولة المهربة إلى تركيا واستخدامها دون تسجيلها بشكل رسمي على شبكة الاتصالات التركية، ضرر وخسارة بالاقتصاد التركي، لذا يُعد بيعها أو عملية تسجيلها بشكل غير رسمي مخالفًا للقوانين التركية.
ويخاطر أصحاب المحال ببيع هذه الهواتف بسبب مرابح بيعها التي تفوق ربح مبيع الهواتف المحمولة المستوردة بشكل نظامي، وبسبب قلة التشديد من طرف شرطة الجمارك التركية على أصحاب محال الجوالات.
وروى أنس (26 عامًا)، وهو صاحب محل جوالات لم يذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، تجربته لعنب بلدي عند مخالفته من إدارة الجمارك التركية، وذلك بعد شكوى قُدمت بحقه، لاحتواء محله على عدة جوالات من “السوق السوداء”، وأدوات تُستخدم لتسجيل تلك الجوالات بشكل غير رسمي على الشبكة التركية.
يسمح القانون التركي بحوزة الشخص على جهازين إلكترونيين فقط (هاتف محمول أو حاسوب محمول) غير مسجلين بشكل رسمي على شبكة الاتصالات التركية، وفي حال وجود أكثر من جهازين يُخالف الشخص بتهمة بيع أجهزة غير مرخصة. |
وبحسب أنس، حررت الجمارك مخالفة بقيمة 50 ألف ليرة تركية وهي قيمة تبلغ ضعف سعر ذات نوع الهواتف المحمولة في السوق التركية الموجودة في محله، بالإضافة إلى مُصادرة الهواتف الغير مرخصة.
وبعد تعيينه محامي لمتابعة قضية المخالفة، أصدرت المحكمة “حكم مخفف” بدفع غرامة فورية بقيمة سبعة ألاف و500 ليرة فقط، بشرط عدم تكرار المخالفة لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وإلا يُغرم بدفع 42 ألف و500 ليرة وحبسه لمدة 110 أيام، بحسب أنس.
وفي تشرين الثاني 2021 أطلقت وزارة الداخلية التركية عملية ضد مهربي الهواتف المحمولة في 76 ولاية بتنسيق مع إدارة “مكافحة التهريب والجريمة المنظمة”، وفي العملية اُعتقل 70 مشتبه به، ومصادرة 1331 هاتفًا محمولًا غير مرخص.
وفي 2017، صرح رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال لأدوات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات “موبيساد”، سنان إكشي، أن مبيعات الهواتف المحمولة غير القانونية، زادت بنسبة 730% من مليار ليرة إلى 8.3 مليار ليرة في آخر خمس سنوات.