في أكبر جهد حتى الآن لمعاقبة روسيا على “غزوها” أوكرانيا، وافق الاتحاد الأوروبي على حظر الأغلبية العظمى من واردات النفط الروسية بعد مفاوضات متوترة اختبرت مدى استعداد الاتحاد لنبذ موسكو.
منذ اللحظة التي غزت فيها روسيا، في 24 من شباط الماضي، سعى الغرب إلى جعل موسكو تدفع اقتصاديًا مقابل العمليات العسكرية، لكن استهداف قطاع الطاقة المربح كان يُنظر إليه على أنه الملاذ الأخير في أوروبا.
يعتمد الاتحاد في 25% من نفطه و40% من غازه الطبيعي على روسيا، وكانت الدول الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على روسيا مترددة بشكل خاص في اتخاذ إجراء حظر للواردات.
في خطوة لم تكن متوقعة قبل أشهر قليلة، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي في وقت متأخر الاثنين 30 من أيار، على خفض حوالي 90% من جميع واردات النفط الروسية خلال الأشهر الستة المقبلة، في إطار عقوبات جديدة على موسكو.
وصف رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، الحظر بأنه “خطوة كبيرة إلى الأمام”، الثلاثاء 31 من أيار، وأشاد رئيس الوزراء الأيرلندي، ميشيل مارتن، بالحظر ووصفه بأنه “لحظة فاصلة”.
لكن الزعيمين حذّرا من أن أوروبا ستحتاج إلى وقت للتكيف مع التأثير، وأي حظر إضافي على الطاقة الروسية يمكن أن يأتي ببطء، وفقًا لوكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.
ضرب الروس العاديين
قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الثلاثاء، إن عقوبات الطاقة المفروضة على البلاد تهدف إلى إلحاق الضرر بالروس العاديين من خلال جعل تمويل موسكو للبرامج الاجتماعية أكثر صعوبة.
عقب الاتفاق، كتب الرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، على تطبيق المراسلة “تلجرام”، أن أساس هذه القرارات هو كراهية روسيا والروس وجميع سكانها، مضيفًا “إنهم يكرهوننا جميعًا”.
من جهته، ردّ الممثل الدائم لروسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، على قرار الاتحاد الأوروبي عبر حسابه في “تويتر”، قائلًا، “كما قالت أمس، ستجد روسيا مستوردين آخرين”.
As she rightly said yesterday, #Russia will find other importers. Noteworthy that now she contradicts her own yesterday’s statement. Very quick change of the mindset indicates that the #EU is not in a good shape. https://t.co/MEtjlphv2U
— Mikhail Ulyanov (@Amb_Ulyanov) May 30, 2022
وفقًا للمحلل وخبير الطاقة سيمون تاجليابيترا، من مركز “Bruegel” للأبحاث ومقره بروكسل، فإن موسكو قد تضطر إلى بيع نفطها بخصم كبير، واصفًا الحظر بأنه “ضربة كبيرة”.
بينما أكد المحلل ماتيو فيلا، من مركز “ISPI” للأبحاث في ميلانو بإيطاليا، أن روسيا ستتلقى ضربة كبيرة الآن، لكنه حذّر من أن هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية في النهاية.
الخطر، حسب فيلا، هو أن سعر النفط يرتفع بشكل عام بسبب العقوبات الأوروبية، وإذا ارتفع السعر أكثر، فإن الخطر يكمن في أن تبدأ روسيا بجني المزيد، وتخسر أوروبا الرهان.
“من الناحية المثالية”، سيوافق الاتحاد الأوروبي على مقدار النفط الروسي الذي سيشتريه كل شهر لضمان “أقصى قدر من الألم”، بالمقابل، سيتطلّب هذا الأمر مفاوضات مستمرة غير واقعية بالنظر إلى كيفية عمل الاتحاد، وفقًا لفيلا.
من جهتها، لم تتردد روسيا في وقف إمداداتها من الطاقة، رغم الأضرار الاقتصادية التي قد تتعرض لها نتيجة لذلك، إذ أوقفت شركة الطاقة الروسية العملاقة “غازبروم”، إمدادات الغاز الطبيعي عن هولندا الأسبوع الماضي.
وقطعت تدفقات الغاز إلى بلغاريا وبولندا وفنلندا، وتفكر في فعل الشيء نفسه مع الدنمارك.
الحزمة السادسة
فرض الاتحاد الأوروبي سابقًا خمس حزم من العقوبات على روسيا منذ بدء “غزوها” لأوكرانيا، واستهدفت أكثر من ألف شخص بشكل فردي، بمن في ذلك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وكبار المسؤولين الحكوميين، بالإضافة إلى القلة الموالية لـ”الكرملين”، والبنوك وقطاع الفحم وغيرها الكثير.
ورغم الإعلان عن الجولة السادسة من الإجراءات، في 4 من أيار الحالي، أوقف الاتفاق مخاوف بشأن إمدادات النفط، وكان الهدف الأولي هو التخلص التدريجي من واردات النفط الخام في غضون ستة أشهر، والمنتجات المكررة بحلول نهاية العام.
وسيتم التصديق على القرار قانونيًا، الأربعاء 1 من حزيران، وهو بحاجة إلى دعم جميع الدول الأعضاء البالغ عددهم 27 دولة، وفقًا لرئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشيل.
وفقًا لميشيل، فإن الاتفاق يغطي أكثر من ثلثي واردات النفط من روسيا، بينما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الخطوة العقابية “ستخفض فعليًا حوالي 90% من واردات النفط من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام”.
وافق زعماء الاتحاد أيضا على تقديم تسعة مليارات يورو من المساعدات لأوكرانيا لدعم اقتصاد الدولة التي مزقتها الحرب، ولم يتضح ما إذا كانت الأموال ستأتي في شكل منح أو قروض، وفقًا لوكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.
تشمل حزمة العقوبات الجديدة أيضًا تجميد الأصول وحظر سفر الأفراد، في حين سيتم استبعاد أكبر بنك في روسيا (سبيربنك) من نظام “سويفت”، وهو النظام العالمي الرئيس للتحويلات المالية الذي حظر الاتحاد الأوروبي في السابق العديد من البنوك الروسية الأصغر منه، بالإضافة إلى منع ثلاث محطات بث روسية كبيرة مملوكة للدولة من توزيع محتواها في الاتحاد الأوروبي.
علّق رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي على الاتفاقية بقوله “نريد إيقاف آلة الحرب الروسية”، مشيدًا بما أسماه “إنجازًا رائعًا”، مضيفًا أن “من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نظهر أننا قادرون على أن نكون أقوياء، وأننا قادرون على أن نكون حازمين”.
انقسام داخلي
لا يزال يتعيّن الانتهاء من حزمة العقوبات في الأيام المقبلة، وبالحديث عن استثناء النفط المنقول عبر خط الأنابيب من العقوبات، قال القادة، إن إعفاء النفط الخام الذي يتم تسليمه عبر خطوط الأنابيب ستتم مراجعته “في أقرب وقت ممكن”، دون تحديد موعد لذلك.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يطالب فيها الاتحاد الأوروبي باستهداف قطاع الطاقة في روسيا وحرمان موسكو من مليارات الدولارات يوميًا من مدفوعات الإمداد.
قدّم الاتحاد الأوروبي في وقت سابق استثناءات للدول غير الساحلية مثل المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك التي تعتمد بشكل خاص على النفط الروسي، ومنحها جداول زمنية ممتدة للإلغاء التدريجي.
لكن المجر ظلت ثابتة في معارضتها للعقوبات المفروضة على الطاقة الروسية، وكشف الاتفاق عن الصعوبة المتزايدة للتوصل إلى إجماع بين قادة الاتحاد الأوروبي، والطرق التي ظهرت بها بودابست كشوكة في جانب الاتحاد.
جادل رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الذي يُعتبر أقرب حليف للرئيس الروسي في الاتحاد الأوروبي، بأن مقاطعة النفط من قبل الاتحاد ستكون “قنبلة ذرية” للاقتصاد المجري وتدمر “إمدادات الطاقة المستقرة”.
لكن المجر قادت مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي التي تشعر بالقلق من تأثير حظر النفط على اقتصادها، بما في ذلك سلوفاكيا وجمهورية التشيك وبلغاريا، إذ تعتمد المجر بشكل كبير على روسيا للحصول على الطاقة ولا يمكنها تحمّل تكاليف إيقاف تشغيل المضخات.
بالإضافة إلى احتياجها من النفط الروسي، تحصل المجر على 85% من غازها الطبيعي من روسيا.
اتفاق مؤقت
أحرجت المجر الاتحاد برفضها العقوبات، ما اضطره إلى تقليص طموحاته لكسر مقاومة المجر.
قال كل من شارل ميشيل وفون دير لاين إن القادة سيعودون قريبًا إلى هذه القضية، في محاولة لضمان حظر صادرات النفط عبر خطوط الأنابيب الروسية إلى الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق.
يشمل الحظر النفط الروسي الذي يأتي عن طريق البحر، ما يسمح بإعفاء مؤقت للواردات التي تُسلم عبر خط الأنابيب، وهي خطوة كانت حاسمة لجلب المجر غير الساحلية إلى القرار الذي يتطلّب إجماعًا.
وكان رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، أوضح أنه لا يمكنه دعم العقوبات الجديدة إلا إذا تم ضمان أمن إمدادات النفط في بلاده، إذ تحصل المجر على أكثر من 60% من نفطها من روسيا، وتعتمد على الخام الذي يأتي عبر خط أنابيب “دروجبا” الذي يعود إلى الحقبة السوفييتية.
“دروجبا”، أطول خط أنابيب نفط في العالم، ويحمل النفط من على مسافة أربعة آلاف كيلومتر من المنطقة الشرقية لروسيا الأوروبية إلى نقاط في أوكرانيا، وبيلاروسيا، وبولندا، والمجر، وسلوفاكيا، والتشيك، وألمانيا.
ورغم الصعوبات، تم الاتفاق على حزمة العقوبات السادسة التي تستهدف “الغزو” الروسي لأوكرانيا، في غضون شهر تقريبًا، وبسرعة كبيرة لـ27 دولة ذات مصالح وطنية مختلفة تمامًا.
من المرجح أن يكون الاتفاق على جولة أخرى من الإجراءات أكثر صرامة، بحسب ما ذكرته “أسوشيتد برس“، لأن التالي في جدول الأعمال هو ما إذا كان يجب استهداف الغاز الطبيعي، وهو أمر يصعب قطعه، لأنه يمثّل نسبة أكبر من مصدر الطاقة في أوروبا.
قلّلت فون دير لاين من فرص إحراز تقدم في القمة، لكن الزعماء توصلوا إلى حل وسط بعد أن حثهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، على إنهاء “الحجج الداخلية التي دفعت روسيا فقط إلى ممارسة المزيد والمزيد من الضغط على أوروبا بأكملها”.
يحصل الاتحاد الأوروبي على حوالي 40% من غازه الطبيعي و25% من نفطه من روسيا، وكشفت الانقسامات حول هذه المسألة حدود طموحات الاتحاد التجارية المكوّنة من 27 دولة.
–