مع بداية عام 2022 ارتفعت وتيرة الحديث في على ألسنة مسؤولين في الحكومة التركية والحزب الحاكم فيها عن خطة لإعادة مليون لاجئ سوري، إلى ما أطلقت عليه اسم “المنطقة الآمنة” في سوريا والتي تضم 13 مدينة سورية تحت النفوذ التركي.
تزامن ذلك مع تشديدات حول الأوضاع القانونية للسوريين في تركيا منها عدم منح إذن حكومي للسفر خارج الولاية المُقيم فيها، وفي حال السفر دون الحصول على تصريح يُعاقب اللاجئ السوري وقد تصل هذه العقوبة إلى الترحيل بحسب حالات رصدتها عنب بلدي.
سوريون قابلتهم عنب بلدي اعتبروا أن الوضع الحالي الذي يُشعر مجتمع اللاجئين بنوع من “عدم الأمان” دفع بالآلاف للبحث عن حلول بديلة ومنها السفر باتجاه أوروبا رغم خطورة الطرق التي يسلكونها.
تضييق يدفع بالشباب إلى حدود اليونان
تشهد الحدود اليونانية- التركية نشاطًا للهجرة غير الشرعية منذ عدة أعوام، إذ تعتبر اليونان بوابة العبور نحو أوروبا بالنسبة للاجئين القادمين من الشرق الأوسط بشكل عام وسوريا خاصة.
هذه المحاولات للهجرة ارتفعت بين أفراد المجتمع السوري، الذي سبق وأسس عملًا أو حياة مستقرة في تركيا، إذ رصدت عنب بلدي حالات لشباب سوريون ممن توقفوا عن أعمالهم بغية محاولة السفر إلى أوروبا مع ارتفاع الخطاب العنصري المُتزامن مع تشديد الإجراءات الحكومية فيها.
عابد حوّري، وهو شاب سوري ينحدر من مدينة حلب، ومقيم في ولاية اسطنبول التركية، قال في حديثه لعنب بلدي، إنه وعند وصوله إلى تركيا عام 2016، لم يتمكن من استخراج قيوده من ولاية اسطنبول، الأمر الذي دفعه لاستخراج بطاقة “حماية مؤقتة” من العاصمة أنقرة، ثم العودة إلى اسطنبول التي باتت إقامته فيها غير قانونية.
ومع أن بطاقة “الحماية” التي يحملها عابد كُتب في واجهتها أنها تعمل فقط في ولاية أنقرة، بقي لمدة طويلة في اسطنبول محاولًا زيارة الدوائر أو المستشفيات الحكومية، التي لا تخوله بطاقته الدخول إليها أساسًا.
مع مرور السنوات تكررت الحملات الأمنية التي نفذتها تركيا لضبط قيود المهاجرين في الولايات التي استُخرجت منها قيودهم عند وصولهم للبلاد، وهو ما لم يلقَ تجاوبًا من المجتمع اللاجئ نظرًا لعدم توفر ظروف عمل في الولايات التي سُجّلوا فيها، أو عدم وجود أقارب أو أصدقاء في هذه المدن، بحسب ما قاله عابد لعنب بلدي.
هذه الحملات الأمنية توقفت مع دخول فيروس “كورونا” للبلاد، والتي انشغلت فيه لنحو عامين، ما دفع بقضية اللاجئين السوريين في تركيا إلى مراتب متأخرة مع تصدر قضية “كورونا” المشهد.
ومنذ مطلع العام الحالي، نفذت الحكومة التركية العديد من الحملات الأمنية التي أسفرت عن إيقاف الآلاف من السوريين وترحيل قسم منهم إلى سوريا، وقسم آخر إلى الولايات التي سُجلت قيودهم فيها، والتي لا يملك بعضهم فيها أي أقارب أو عمل أو منزلًا.
الأمر الذي دفع عابد إلى الحدود اليونانية مع شقيقه الأصغر، في محاولة للهرب من التوتر المزمن الذي تسببه حالة عدم الاستقرار التي تفرضها الظروف في تركيا.
لا جهة تخفف العقبات أمام السوريين في تركيا
مع تزايد الضغوط دون وجود جهات سورية قد تخفف العقبات المُتراكمة أمام السوريين نتيجة تزايد الخطاب العنصري من قبل سياسيين أتراك، ومحاولات الحكومة التركية فرض قيود على حياة اللاجئين لمحاولة ضبط هذا الخطاب، يتكرر السؤال عن وجود جهة قد تسلط الضوء على مضار بعض هذه الاجراءات على حياة اللاجئين في تركيا.
وهو ما أكده الباحث الزميل في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجية، نادر الخليل، والذي أشار إلى أنه لا توجد جهات سورية معارضة فاعلة بذلت جهدًا ليكون لها دور في تصحيح هذه المعلومات التي تسهم في نشر أخبار المضللة والتي تسوق رأي الشارع التركي ضد السوريين في البلاد.
وانعكست هذه الأخبار اليوم، بحسب الخليل، على الشارع، الذي بات يشهد “استسهال الاعتداء على اللاجئ السوري”، ويعود السبب فيه لغياب تطبيق “عقوبة زاجرة” ضد المُعتدي وعدم التشديد في النصوص القانونية وتطبيقها من قبل الحكومة لمنع تكرار هكذا افعال.
في المُقابل، ربما لا توجد الرغبة أساسًا من قبل الطرف التركي لإيجاد ممثلية للمجتمع السوري، والتي من الممكن أن تسهم في تخفيف هذه العقبات أو الضغوط على حياة السوريين عمومًا، بحسب الخليل.
كما أن المكان الذي وصلت إليه الأحداث السورية اليوم، جعلت منها “قضية منسية”، بحسب الخليل، إذ لا توجد رغبة اليوم من أي طرف فاعل لاعتماد هذه المُعارضة كممثل فعلي عن أي شريحة من السوريين.
وأضاف الخليل أن ممثلية المُعارضة في تركيا تبدو أيضًا غير مستعدة لتكون ممثلًا أو طرفًا فاعلًا في القضية السورية.
اليونان ليست “فاتحة ذراعيها”
عند وصول عابد وشقيقه زيد ومجموعة من أصدقائهما إلى الحدود اليونانية، أجبرهم المُهرب على الانتظار على الجانب التركي من نهر “ماريتسا” الفاصل بين الدولتين لأكثر من ست ساعات منتظرين غياب حرس الحدود اليوناني عن النهر.
ومع مرور الساعات، تقاضى المُهرب مبلغ 150 يورو عن كل شخص ينوي التوجه إلى اليونان مقابل تأمين قارب صغير لهم لنقلهم إلى الضفة الأخرى، الأمر الذي يعتبر اليوم طريق التهريب الأقل تكلفة.
وفي هذه الطريقة يعتبر المُهرب مسؤولًا عن اللاجئ حتى وصوله إلى الضفة الأخرى من النهر، ويتقاضى عليه 150 يورو، لكن في الجانب الآخر داخل الأراضي اليونانية لا يعلم اللاجئ ما ينتظره خصوصًا إذا كانت التجربة الأولى له من هذا النوع، بحسب عابد.
وأشار إلى أن الدوافع التي تركوها خلفهم في تركيا هي ما يجبرهم على اعتماد طريق ربما يُصنّف على أنه خطر بغية الخروج إلى أوروبا والحصول على وضع قانوني مستقر.
لكن رحلة عابد والمجموعة التي رافقته لم تتجاوز 15 مترًا داخل الأراضي اليونانية، إذ أُلقي القبض على المجموعة من قبل الجيش اليوناني، وسُلبت منهم أموالهم وأغراضهم الشخصية وأحذيتهم، ومنهم من تعرض للضرب، ثُم أُعيدوا إلى تركيا.
وكانت منظمة “مير ليبريوم” الحقوقية الألمانية، اتهمت كلًا من اليونان ووكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس) بممارسة العنف ضد طالبي اللجوء في بحر إيجة، محذرة من أن انتهاكات حقوق الإنسان من قبلهما في تزايد.
وفي 10 من شباط الماضي، أعلنت مديرية الأمن التركي في أنقرة، ضبط ألف و172 مهاجرًا غير شرعي، إلى جانب 419 مشتبهًا بضلوعهم في عمليات تهريب مهاجرين بصورة غير شرعية، خلال عام 2021.
وذكرت المديرية في بيان مصوّر صادر عنها، أن فرق مكافحة تهريب البشر التابعة للأمن التركي، نفذت 136 عملية خلال عام 2021، أسفرت عن ضبط هذا الرقم من المهاجرين غير الشرعيين، واعتُقل 31 شخصًا من أصل 419 مشتبهًا بضلوعهم في عمليات التهريب.