“الدليفري” في اسطنبول.. لقمة عيش مغمّسة بالمخاطر
“الله يخلّصنا من كار الدولاب، لا بالصيف مرتاح، ولا بالشتي مرتاح”.
بهذا الشكل اشتكى الشاب إسماعيل (29 عامًا)، وهو شاب سوري يعمل بخدمة التوصيل (دليفري) في مدينة اسطنبول، وتحدّث لعنب بلدي عن مساوئ وسلبيات مهنته، التي وصفها بأنها محفوفة بالمخاطر.
وتنشط خدمة توصيل الطلبات (دليفري) في العديد من القطاعات، لا سيما في أماكن تناول الطعام والشراب مثل المطاعم والمقاهي، وتخدم هذه الميزة ملايين الأشخاص سواء كانوا مواطنين أو سياحًا أو لاجئين.
وصف إسماعيل عمله بالشاق، لأنه يواجه العديد من الصعوبات والعقبات التي “لا يعلم بها إلا من جربها”، فزحمة المدينة وتقلّب مناخها، وارتفاع أسعارها، وساعات العمل الطويلة، أرهقت الشاب المهجّر من مدينة داريا بريف دمشق منذ 2016.
تعتبر الدراجات النارية حلًا لتجاوز ازدحام المدينة الصاخبة، سواء للتوصيل أو للاستخدام الشخصي، لكنها بالمقابل خطر يومي يلاحق راكبيها.
الطقس عدوّ أيضًا
“انتظرت يخلص الشتي بالدقيقة، بس كل يوم بنعيش أربعة فصول”، يقضي إسماعيل ساعات عمله في شوارع المدينة التي تتميز بتغير وتقلب الطقس بشكل ساعي.
وانتظر الشاب انتهاء فصل الشتاء الذي تحمل عبء العمل تحت ظروف برده القارس وثلوجه الكثيفة وما تخلله من عواصف ورياح شديدة، وحالات جليد وصقيع في معظم الشوارع الفرعية.
ولم يشعر إسماعيل بانتهاء فصل الشتاء حتى باغتته الشمس الحارقة ظهرًا والجو الرطب بشكل عام، فالجو المليء بنسمات الهواء الباردة المنعشة صباحًا سرعان ما يتحول بعد ساعتين إلى جو خانق بحرارة مرتفعة حتى المساء.
“جو اسطنبول مو بس بالشارع بالرأس كمان”، يخلق الطقس حالة من الحيرة لإسماعيل فيما يرتديه من ملابس خلال عمله، إذ يعتبر الخوذة كصخرة يزيد وزنها مع مرور الساعات، فهي تحميه من المطر شتاء، لكن عليه مسح ما يتشكّل عليها من ضباب وطبقة مياه تحجب عنه الرؤية كل دقائق، الأمر الذي يعوق قدرته على القيادة.
يرتدي إسماعيل الملابس الثقيلة شتاء وملابس جلدية لعزل المياه من التسرب للملابس الداخلية ومنها إلى الجسم، إلا أن بضع دقائق من هطول المطر تثبت فشل احتياطاته، فبدل أن تسهم في تجنب المطر تزيد من ثقل السائق وتضعف من قدرة تحكّمه بقيادة الدراجة.
أما في الصيف فوصف إسماعيل الخوذة بـ”القبة الحديدية” أو “طنجرة البخار”، إذ تزيد من حرارة الرأس وتعرّقه، عدا عما تنتجه من التهابات عقب الحرارة الشديدة والتعرّق، كما أن الحرارة التي تترك أثرها على جسم إسماعيل تمنعه من ارتداء ملابس تلائم الصيف في بعض ساعات الحرارة المرتفعة أيضًا.
البنزين شريك أرباح
تنقّل إسماعيل من العمل بخدمة التوصيل في المطاعم إلى العمل بشكل حر منذ سنة تقريبًا، بعد أن وزّع رقمه على عدة مطاعم ومحال تجارية في حال توفر أي مستلزمات يمكن أن ينقلها إلى المكان المُراد.
ارتفاع أسعار المحروقات لم يترك هامش ربح لإسماعيل الذي مهما طلب أجور توصيل من المحال يعتبرها أصحابها مرتفعة.
وتشهد أسعار المحروقات في تركيا ارتفاعًا متكررًا، وارتفعت بحسب آخر نشرة أسعار بتاريخ 27 من أيار الحالي، متأثرة بأسعار النفط العالمية، وكذلك بسعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي.
وارتفع سعر ليتر البنزين بمقدار 1.43 ليرة تركية، ووصل إلى ما يقارب 24.29 ليرة، وارتفع ليتر المازوت بمقدار 1.38 ليرة تركية ووصل إلى حوالي 23.41 ليرة.
ولامس سعر صرف الدولار الأمريكي 16.41 ليرة تركية اليوم، الثلاثاء 31 من أيار، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الصرف والعملات النقدية.
شوارع بلا رحمة
تعرّض إسماعيل لعدة حوادث خلال مهنته، أكثرها حدة جعلته طريح الفراش لمدة شهر، لا يزال وقعها يترك أثرًا في حال حرّك الشاب كتفه الأيمن، أو إذا لازم مقود دراجته النارية لساعات على طرق السفر السريعة غير الفرعية.
قال إسماعيل، “كلما رأيت حادثًا أمامي، أتخيل نفسي مكانه يومًا ما، فشوارع اسطنبول لا تعرف الرحمة”.
وتشهد تركيا وتيرة مرتفعة لحوادث المرور، وسجلت “هيئة الإحصاء التركية” مليونًا و186 ألفًا و353 حادثًا مروريًا في شبكة الطرق عام 2021، وقع 78.6% من هذه الحوادث داخل المناطق السكنية و21.4% خارجها، وأسفرت هذه الحوادث عن وفاة خمسة آلاف و362 شخصًا، وإصابة 274 ألفًا و615 شخصًا.
وبلغت نسبة الحوادث في مدينة اسطنبول 4.8% من أصل الحصيلة الكلية التي توزعت على 81 ولاية، بعدد حوادث بلغ عددها 303 آلاف و66 حادث مرور خلال عام 2021، أسفرت عن وفاة 351 شخصًا، وإصابة 27 ألفًا و625 شخصًا.
وأعرب الشاب عن أسفه من طريقة تعامل السيارات مع سائقي الدراجات النارية، إذ أوضح إسماعيل أن السيارات وخصوصًا سائقي سيارات الأجرة (التاكسي) لا يكترثون للدراجات النارية، ويضعون على عاتق “الدليفري” أن يتدبر أمره في القيادة بعد تدخل أو مزاحمة “التاكسي” بجواره أو خلفه.
ساعات عمل طويلة
رغم أن إسماعيل يعمل بشكل حر، وترك ساعات العمل الطويلة في المطاعم، تتركه بعض الطلبات ذات المسافات البعيدة، بالإضافة إلى ازدحام حركة المرور، خارج المنزل لساعات متأخرة من الليل، كما أنه يعمل في أيام العطل والمناسبات، إذ تنشط طلبات إرسال الهدايا والمأكولات وغيرها.
ولا تزال ذكريات عمل إسماعيل في المطاعم خلال فصل الشتاء قابعة في ذاكرة الشاب، الذي أعرب عن حزنه كلما تذكر ساعات عمله تحت الثلوج، فرغم منح السلطات عطلة لعمال التوصيل، لم يحصل عليها، واستُغل من صاحب العمل وأجبرته الظروف على العمل الذي حال دون انقطاع راتبه خلال أيام الشتاء.
وتكرر إعلان الولايات التركية عن وقف عمل خدمة التوصيل مع سوء الأحوال الجوية، مع فرض غرامات على المخالفين، تجنبًا لتسجيل أي أضرار سواء بشرية أو مادية جراء وقوع حوادث مرورية.
وأعلن والي اسطنبول، علي يرلي كايا، في 10 من آذار الماضي، حظر ركوب الدراجات النارية والكهربائية (السكوتر) والبخارية، بسبب تساقط الثلوج.
ومنع كايا عمليات التوصيل باستخدام هذه الدراجات وركوبها لأيام بسبب الجليد المتراكم نتيجة الثلوج، ولسلامة المواطنين، بعد أن شهدت مدينة اسطنبول حينها هطولًا كثيفًا للثلوج وتوقعت “الأرصاد الجوية” أن تنخفض درجات الحرارة من ست إلى عشر درجات، مقارنة بالدرجات الموسمية المعتادة.
معوقات علاجها الدفع
بعد مخالفات مرورية عديدة ترافقت مع غرامات مالية اختلفت باختلاف المخالفة، سمع بها الشاب ولم يتعرض سوى لثلاث مخالفات أكثرها تكلفة كانت 3000 ليرة تركية، استخرج رخصة قيادة تجنبًا لأي مخالفة جديدة، خصوصًا مع قرار الحكومة التركية بعدم الاعتراف بشهادة القيادة السورية ومعاقبة المخالفين بغرامات تتراوح بين 2500 و4000 ليرة تركية.
القانون التركي لا يسمح بالقيادة على رخصة القيادة السورية الخاصة والعمومية أكثر من ثلاثة أشهر فقط من تاريخ الدخول إلى البلاد، وهي المدة القانونية لـ”الفيزا” السياحية، وبهذا تتعامل تركيا مع السوري تعامل جميع الأجانب الذين لا يحق لهم البقاء في تركيا دون إقامة لمدة تصل إلى أكثر من ثلاثة أشهر.
استخرج الشاب رخصة القيادة (الشهادة) بعد سنتين من عمله بخدمة التوصيل، عن طريق التسجيل في إحدى مدارس تعليم القيادة المنتشرة في اسطنبول، التي توفر التعليم باللغة العربية.
وبعد توفر الأوراق الثبوتية اللازمة، استخرج الشاب الرخصة بعد مدة بتكلفة تتراوح كرسوم للمدرسة بين 1200 و1500 ليرة تركية بالإضافة إلى رسوم وضرائب تتراوح بين 500 و700 ليرة تركية، واستغرقت الدراسة مدة ثلاثة أشهر وأنهاها بامتحانين، نظري وعملي، وانتظر بعدها مدة شهر حتى مُنح الرخصة.
بعد جملة الصعوبات الذي ذكرها الشاب، أنهى حديثه بأن ما يشغل عامل “الدليفري” هو الاهتمام الجيد بدراجته التي تعد رأس ماله، إذ لا توفر معظم المطاعم والمحال وسيلة للنقل في مهنة “الدليفري”، وتشترط امتلاك دراجة نارية للحصول على الوظيفة، الأمر الذي يدفعه لتحمل أعباء وتكاليف صيانتها في حال أي عطل على حسابه الشخصي.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :