حرائق متوقعة في سوريا يُشعل فتيلها تغير المناخ والإهمال

  • 2022/05/31
  • 11:43 م

أشجار تحترق في ريف حماة الغربي – أيلول 2020 (AFP)

تتحضر سوريا لموسم حرائق هذا العام وسط تحذيرات من دخول الحرائق مبكرًا، بسبب متغيرات عوامل الطقس الأساسية المؤثرة في الحرائق، وهي الحرارة والرطوبة والرياح، وتأثيراتها على عوامل النبت، وأثر الجفاف على الفرشة الغابية، وفق ما ذكرته “منصة الغابات ومراقبة الحرائق”.

التحذيرات قوبلت بموجة من التحضيرات من قبل حكومة النظام السوري في عدّة محافظات منها درعا واللاذقية وحماة وغيرها، إذ صرّح وزير الزراعة محمد حسان قطنا، في 27 من نيسان الماضي، أنه تم اتخاذ إجراءات لتلافي حدوث الحرائق وإدارتها في حال حدوثها.

وعقد اجتماع في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، بُحث فيه تعزيز إجراءات الإنذار المبكر والاعتماد على منصة الحرائق في تحديد الأماكن الأكثر حساسية لحدوث الحرائق، واتخاذ الإجراءات الاستباقية لتلافي حدوثها.

ووفق قطنا، شملت الإجراءات غرف عمليات ووضع خرائط للمناطق الحرجية، وتحديد المناطق الأكثر حساسية للحرائق عليها، وتوزيع المناهل والصهاريج، والتأكد من جاهزية المخافر الحرجية ومراكز الإطفاء، وبرنامج التربية والتنمية وعمال الإطفاء، إضافة إلى تعميم دليل مكافحة الحرائق لعام 2021 على جميع الفنيين والمشرفين والعاملين في مجال الغابات والحراج ومكافحة الحرائق.

وشكّل عام 2020 أكبر عدد حرائق متزامنة في تاريخ سوريا، إذ اندلعت في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية، وصل عددها إلى 156 حريقًا، أسفرت تلك الحرائق عن مقتل أربعة أشخاص، وإصابة 87 آخرين بالإضافة إلى خسائر كبيرة في البيوت البلاستيكية، وأراضٍ واسعة مزروعة بالأشجار المثمرة والفواكه، واحتراق منازل قريبة لبعض المواطنين.

ووسط المعطيات المناخية الحالية في سوريا من ارتفاع في درجات الحرارة المرافقة للجفاف إضافة إلى العوامل البشرية التي تسبب الحرائق، التقت عنب بلدي الصحفي السوري المختص بالقضايا البيئية زاهر هاشم للحديث عن أسباب الحرائق ومدى خطورتها وتأثيرها على الثروة الزراعية والحيوانية، إضافة إلى نقاش كفاية التحضيرات التي تحدثت عنها حكومة النظام في مواجهة الحرائق.

“تطرف مناخي”

حول الأسباب التي تؤدي إلى تأثر سوريا بموسم الحرائق وبخطورة عالية، أوضح الصحفي السوري زاهر هاشم، في لقائه مع عنب بلدي، أنه أبرزها الأسباب الطبيعية بسبب تغير المناخ، معتبرًا أن منطقة الشرق الأوسط تمر حاليًا بما يُسمى بـ”التطرف المناخي”، أي ظواهر غير اعتيادية كفترة شتاء غير منتظم وفترة صيف حار جدًا، وهي عكس الجو والمناخ المعتدل المتوسطي الذي يميز المنطقة، مرجعًا أسباب هذه الظاهرة إلى تغير المناخ عالميًا.   

منظمة “Climate Central” المختصة بعلم المناخ ذكرت بتقرير في حزيران من العام الماضي أن الظواهر المناخية المتطرفة، مثل الجفاف والأمطار الغزيرة والحرارة الشديدة، أصبحت أكثر شيوعًا، وأكثر تكلفة، مع تغير المناخ بسبب زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

“أصبحنا نرى فيضانات في الصيف وتأخر هطول الثلوج بالشتاء واستمراره لفترة الربيع مثلما حدث هذا العام، ومن هذه الظواهر المتطرفة موجات الحر التي تمر وتؤدي لجفاف التربة وجفاف الأشجار، وهي عادة مكان مناسب لاشتعال الحرائق”، وفق ما يشرحه الصحفي هاشم لعنب بلدي. 

وأضاف أن المناخ يؤدي إلى الجفاف، مثل جفاف التربة وجفاف أغصان الأشجار وخصوصًا الأشجار العالية مما تجعلها قابلة للاشتعال. 

وفي تقرير للأمم المتحدة عن حالة الخدمات المناخية لعام 2020، قالت المنظمة إن ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة زادت في تواترها وشدتها وحدتها نتيجة لتغير المناخ، وأصبحت تضر بالمجتمعات الضعيفة بشدة غير متناسبة.

وفي حرائق سوريا عام 2020، أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 140 ألف شخص تأثروا بسبب الأضرار إذ التهمت الحرائق مئات الهكتارات من غابات المناطق الساحلية وعدة مناطق جبلية في أرياف المحافظات.

وتعتبر فترة ذروة الحرائق من بداية منتصف شهر حزيران وتموز وآب، وهذه الأشهر الثلاثة في المنطقة هي التي تصل درجات الحرارة فيها إلى ذروة الجفاف، وفق هاشم. 

وأضاف هاشم أنه رغم أن الذروة بهذه الأشهر، إلّا أنه شهدنا حرائق غابات العام الماضي كانت مبكرة قليلًا، وفي عام 2020 حدثت الحرائق بالمناطق الساحلية والغاب كانت بشهر تشرين الأول وهي فترة الاعتدال الخريفي، مؤكدًا الصحفي أن الأسباب المناخية هي جزء بسيط من حرائق الغابات. 

الإنسان المُسبب الرئيسي

يعتبر العامل البشري الأساسي لحرائق الغابات والذي يساعد على زيادتها أو “وقودها” هو المناخ، فالإنسان هو المساهم الأكبر لإشعال الحرائق إما بقصد أو بغير قصد، حسب ما قاله الصحفي المختص في البيئة زاهر هاشم.

فمثلًا بغير قصد، يمكن أن يعمد المزارعون عادة لحرق الأعشاب اليابسة في الريف، كالأعشاب الضارة لتهيئة التربة للزراعة، ومن الممكن أن تمتد للمناطق الحراجية القريبة من النيران. 

إضافة إلى الاصطياف في الغابات، الذي عادة ما يترافق مع إشعال النيران للشوي والطهي وغيرها، ما يساهم في نشوب الحرائق، وفق هاشم.

ومن العوامل الأخرى بعض الأخطاء كقرب الغابات من أسلاك التوتر العالي، التي يمكن أن تؤدي إلى تماس وسط ظروف جوية معينة، ما يؤدي لإشعال الحرائق، وهذه الأمثلة غير مقصودة لكن يمكن أن يسببها الإنسان.

جزء من حرائق الغابات جُرمي، أي الإنسان الُمسبب فيه بطريقة متعمدة، وهذا يعود لأسباب منها تجارية كحرق الغابات لإعادة تأهيلها لتكون مناطق عقارية أو لإنشاء منشآت صناعية أو تجارية، أو كـ”عصابات التحطيب” التي تعمد لحرق الغابات لبيع الحطب، وهذا ما رأيناه في سوريا من قبل ميليشيات و”شبيحة” يعملون في هذا المجال، حسب ما قاله هاشم. 

ووسط غياب لمحاكمات منصفة في سوريا واعترافات “مشوبة بالتعذيب”، حسب وصف “منظمة العفو الدولية“، أعدم النظام السوري عام 2021 الماضي 24 شخصًا اتهمتهم وزارة “العدل السورية”  “أعمال إرهابية” عبر إشعال الحرائق في المناطق الساحلية في سوريا خلال شهري أيلول وتشرين الأول من عام 2020، كما واجه القرار حينها إدانة من الاتحاد الأوروبي.

ترويج لجاهزية عالية للحرائق تخالف الواقع

أثبتت حكومة النظام في الأعوام الماضي فشلها في التصدي الفعّال للحرائق واحتوائها، إذ حاول وزير الزراعة، محمد حسان قطنا، امتصاص الغضب الشعبي ومخاوف المواطنين من تأثير حرائق 2020، قائلًا حينها إن إجمالي المساحات المزروعة التي حُرقت لن تؤثر على الإنتاج والسوق المحلية، لكن تأثيرها سيكون على الفلاحين الذين يعتمد دخلهم المادي عليها.

أما هذا العام، وضعت المديريات خططًا وإجراءات للحد من الحرائق وحصرها بأضيق المساحات بالتعاون مع لجان مكافحة الحرائق وفرق الإطفاء ومؤسسة المياه لتسهيل تعبئة الصهاريج وسيارات الإطفاء إضافة لتقديم آليات كالـ”تركسات وبلدوزرات وكريدرات”.

وحول فعالية هذه التدابير، يرى الصحفي السوري زاهر هاشم أنه خلال حرائق الغابات السابقة كانت عمليات الإطفاء بدائية مثل استخدام أدوات كـ”الكريك” أو أغصان الأشجار، إضافة إلى موضوع الفساد والترهل الإداري الذي يلعب دورًا بأي عمل سواء إطفاء حريق أو وقاية.  

ويمكن أن تكون هناك بعض الآليات التي تسهم في التصدي للحرائق الآن، لكن بشكل عام في سوريا لم نرَ أبدًا أنه تم إطفاء حرائق الغابات بطرق حديثة مثل الطائرات المخصصة لإطفاء الحرائق، فحتى الطائرات التي ساهمت سابقًا بهذا الأمر هي طائرات جيش كانت تُطفئ بطريقة غير مُجدية، إضافة إلى بُعد عربات الإطفاء من مناطق حرائق الغابات التي لا يوجد فيها مراكز إطفاء كافية تغطي منطقة شاسعة، حسب هاشم. 

وحدد الصحفي جزأين أساسين لمكافحة الحرائق وتخفيف آثارها، الجزء الأول هو الإطفاء المباشر الذي يتم بآليات حديثة وطائرات متخصصة ومواد معينة، والآخر هو الجزء الوقائي وهو تجهيز المنطقة لتخفيف آثار الحرائق بحيث تكوّن ما يُعرف بـ”حواجز الصد” بين المناطق، خصوصًا على جوانب الطرق، بحيث لو حدث حريق بمنطقة معينة لا يمتد إلى بقية المناطق. 

وهذا يتم من خلال تجريف التربية أو حراثة التربة بين الحقول، ووضع فواصل لا يوجد فيها أعشاب بل تربة مقلوبة كي لا ينتقل الحريق من مكان لمكان آخر.

وأشار الصحفي إلى ضرورة توعية السكان في المناطق لأساليب إطفاء البدائية التي تعطي مفعولًا سريعًا، إذ يسهم هذا في التخفيف من حريق كبير ممكن يمتد لمساحات واسعة. 

أحد الحرائق في الساحل السوري، 10 من تشرين الأول 2020

تضرر بالثروات

التهمت حرائق نشبت في مناطق مختلفة من محافظة درعا أمس، الاثنين 30 من أيار، نحو 48 دونمًا من القمح و12 دونمًا من نواتج الحصاد.

وقال مدير زراعة درعا، بسام الحشيش، إن الحرائق التي نشبت لأسباب مجهولة شملت قرية بيت آره، ونجم عنها احتراق ثمانية دونمات مزروعة بالقمح مع آلية حصاد، ومنطقتي الشيخ سعد وشرق ازرع ونجم عنها احتراق عشرة دونمات قمح، وقرية أم العوسج ونجم عنها احتراق 30 دونمًا مزروعة بالقمح، إضافة إلى احتراق نحو 12 دونمًا من نواتج الحصاد في بلدة سحم الجولان.

وعام 2021، تسببت الحرائق التي اندلعت في الحراج الجبلية بمنطقة كفرلاها عين الخنزير في ريف مصياف بخسارة أكثر من 500 شجرة زيتون والعشرات من الأشجار الحرجية، كما طوّقت عددًا من المنازل.

وعام 2020 صرّح وزير الزراعة حسان قطنا أن المساحات المحروقة بلغت 11 ألفًا و500 هكتار في محافظتي طرطوس واللاذقية، وأن 60% من المساحات هي أراضٍ حرجية، والمساحة المتبقية هي أراضٍ زراعية وأن إجمالي المساحات المزروعة في الأراضي الزراعية هي 4% فقط وأن محاصيل الزيتون هي أكثر المحاصيل تضررًا، وأن بعض الأراضي تضرر بشكل كامل.

ويرى الصحفي زاهر هاشم في حديثه إلى عنب بلدي أن حرائق الغابات لها تأثير على المحيط سواء على الزراعة أو على الثروة الحيوانية، فالحرائق يمكن أن تسبب احتراق الحيوانات بشكل مباشر أو فقدان غذائها كالمراعي التي تتغذى عليها، وهذا يؤدي أيضًا لنقص في الغذاء الحيوانات والإنسان. 

إضافة إلى حرق محاصيل غذائية أو أشجار مثمرة أو مناطق مزروعة بالقمح أو الشعير التي تشكل  موردًا هامًا للمزارعين مما يؤدي لخسائر كبيرة مادية للسكان ويؤثر على الأمن الغذائي بالمنطقة وارتفاع في أسعار المنتجات الغذائية، حسب زاهر، معتبرًا أن المزارع ليس لديه إمكانيات مباشرة في حال حدوث حريق أن يتصرف بشكل سريع وفعّال. 

ونصح بنشر الوعي لدى المزارعين بعدم إشعال الأعشاب بهدف تجفيفها والمحافظة على حواجز بين الأراضي غير مزروعة تمنع امتداد الحرائق، أيضًا بعض التدريبات الدفاع المدني لإطفاء الحرائق البسيطة. 

وبين عامي 2010 و2018، التهمت حرائق الغابات أكثر من ربع مساحة غابات سوريا، حيث سُجلت أكثر من 2000 حادثة حريق، طالت مساحة تزيد على 100 ألف هكتار في الساحل السوري.

وكانت سوريا تنتج قبل عام 2011 نحو 30 مليون غرسة سنويًا، وانخفض العدد إلى 1.5 مليون غرسة نتيجة ظروف الحرب، وفق إحصائيات وزارة الزراعة.

وقسّم تقرير قدمته مديرية الأحراج في وزارة الزراعة السورية إلى منظمة الأغذية والزراعة الأممية (FAO) عام 1993 مساحة الغابات في سوريا، البالغة 445 ألف هكتار، إلى 150 ألفًا في طرطوس واللاذقية وإدلب وحماة، تتشكل من الصنوبر والأرز والشوح والسنديان والبلوط، و225 ألف هكتار من تغطية غابية متفرقة “لا تناسب إلا صناعة الفحم النباتي”، في دمشق وحمص وحلب والسويداء، و70 ألف هكتار من الغابات في حماة ودمشق، يشكل الفستق الحلبي والعرعر أهم أنواعها.

مقالات متعلقة

بيئة ومناخ

المزيد من بيئة ومناخ