حسام المحمود | زينب مصري | نسيبة علوني
ترافقت إجازة عيد الفطر الماضي من تركيا إلى سوريا بموجة انتقادات شعبية طالت زيارات السوريين لبلادهم خلال العيد، وفتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات حول أحقية وجود اللاجئين السوريين في تركيا في ظل قدرتهم على زيارة بلادهم ثم العودة منها، ما اعتبره بعض فئات المجتمع التركي دليلًا على ملائمة واقع المنطقة في الشمال السوري للحياة.
موجة الانتقادات تلك أعقبها إلغاء السلطات التركية لإجازات العيد، في 20 من نيسان الماضي، ثم تبعها تبعها المزيد من التصعيد بالترافق مع جو سياسي مشحون تشهده تركيا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية فيها عام 2023، ووضع بعض الأحزاب والقوى السياسية التركية المعارضة مسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم على رأس أجندتها وأولوياتها، مستغلة انتشار أفكار مغلوطة حول امتيازات كبيرة يحظى بها اللاجئ على حساب المواطن، وهو ما نفاه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أكثر من تصريح ومناسبة.
الحكومة التركية بعد ذلك أزاحت الستار عن خطة لعودة طوعية ستشمل مليون لاجئ سوري من حملة بطاقة “الحماية المؤقتة”، إلى الشمال السوري، للإقامة والعمل بعد تنفيذ خطة عمل يجري العمل عليها بهذا الصدد ضمن مؤقت زمني محدد.
عنب بلدي تناقش في هذا الملف مع مجموعة من الخبراء والقانونيين والمنظمات والجهات المعنية والمسؤولة خطة العودة الطوعية للاجئين السوريين، ومواقف وردود الفعل حولها، ومدى قانونيتها، ودور قوى المعارضة السورية في التعامل مع الخطة.
ما الخطة؟
عبر مكالمة فيديو، خلال مراسم تسليم مفاتيح منازل “الطوب” في مدينة إدلب، بالتنسيق مع إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد)، وبحضور وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 3 من أيار الحالي، مساعي الحكومة التركية لإعداد مشروع يضمن عودة مليون لاجئ سوري “عودة طوعية” إلى بلادهم.
وأضاف الرئيس التركي أن المشروع سيقام في 13 منطقة بمدن جرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية هناك.
ومن المقرر أن يتضمن المشروع منشآت البنية التحتية الاقتصادية، كالمستشفيات والمنشآت الصناعية، ومشاريع الزراعة، إلى جانب المنازل والمدارس.
كما شدد أردوغان على توجه حكومته لتحضير البيئة المناسبة للعودة، حين تصبح أجزاء سوريا الأخرى مناطق آمنة، إذ تعتبر الحكومة التركية مناطق وجودها في الشمال السوري، مناطق آمنة.
وأفاد أن 57 ألفًا و306 منازل من أصل 77 ألفًا، أُنشئت في مئتين و50 نقطة مختلفة، متضمنة جميع المنشآت اللازمة لتأمين الاحتياجات اليومية، كالأفران والجوامع والحدائق، ويستفيد من المشروع 50 ألف عائلة، وفق تصريحات الرئيس التركي.
وبعد الحديث عن بناء منازل لإعادة اللاجئين إلى الشمال على نفقة الحكومة التركية، أوضح وزير الداخلية التركي، عبر شاشة “TGRT Haber”، في 5 من أيار، أن البيوت ستبنى من أموال التبرعات التي تقدمها جهات مختلفة، لافتًا لاستعداد بلاده لبناء نحو 100 ألف منزل في الشمال السوري، وتسليمها مع حلول نهاية العام.
ومن المقرر أن تتنوع مساحات البيوت، وتتراوح بين 40 و60 و80 مترًا مربعًا، تمولها المنظمات الخيرية الدولية بالكامل، سينقل إليها اللاجئون السوريون المقيمون في تركيا بموجب “الحماية المؤقتة”، تحت مشروع العودة الطوعية.
كما تشمل خطة المشروع ككل إقامة 250 ألف منزل ضمن 13 منطقة في الشمال، بمدن جرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في هذه المناطق.
تأكيدات الرئيس التركي على إعادة اللاجئين مع استكمال بناء منازل الطوب في الشمال، منذ اجتماع أعضاء البرلمان التركي لحزب “العدالة والتنمية”، في 20 من نيسان الماضي، وما تبعها من تصريحات تصب في سياق القضية ذاتها، لم توقف حالة التجاذب السياسي الداخلي تجاه قضية اللاجئين.
وفي 9 من أيار، وردًا على تصريحات رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، كمال كليجدار أوغلوالذي يشدد بشكل متواصل على نيته إعادة السوريين إلى بلادهم، قال الرئيس التركي، “لن تستطيع القيام بذلك لأننا تربينا على ثقافة الأنصار والمهاجرين، ونحن كنا أهلًا لإخواننا السوريين وسنبقى كذلك”.
وفي كلمة ألقاها في حفل إحياء الذكرى السنوية الـ32 لتأسيس جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين (MÜSİAD)، في اليوم نفسه، أكد الرئيس التركي أنه لن يسمح يرمي السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا هربًا من الحرب، في أحضان القتلة.
وكان رئيس إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية، صواش أونلو، وخلال كلمة ألقاها في جلسة “دور المجتمع الدولي في إدارة تدفقات اللاجئين: سوريا وما بعدها” في منتدى “الدوحة 2022″، في 26 من آذار الماضي، أكد عودة 500 ألف سوري إلى “المناطق الآمنة” في الشمال السوري “بشكل طوعي.
مواقف وردود فعل
التصريحات الرسمية التركية حول العودة الطوعية، لم تحظ بردود فعل دولية أو حقوقية واسعة، بينما سبقها في المقابل مجموعة تصريحات دولية تؤكد أن سوريا غير آمنة بالنسبة لإعادة اللاجئين إليها.
وفي 9 من أيار الماضي، قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى تركيا، نيكولاس ماير لاندروت، إن العودة الكريمة للاجئين السوريين ستسعد الجميع، لكن الظروف المناسبة غير متوفرة حتى الآن.
وبالإضافة لغياب أي ظروف لعودة اللاجئين حاليًا، فلا تتوافر شروط لعودة واسعة النطاق بشكل خاص، وفق المسؤول الأوروبي، لافتًا إلى أن العودة المشرّفة للاجئين السوريين لن تكون فقط من تركيا، بل وأيضًا من الأردن ولبنان ومصر وأوروبا، عندما تُهيّأ الظروف المناسبة، ولكن هذه الظروف غير موجودة في الوقت الحالي.
وتواصل جهات دولية ومنظمات أممية التأكيد على أن سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين السوريين، إذ أكدت الخارجية البريطانية مطلع العام الحالي، اتفاقها مع حكم الأمم المتحدة بأن سوريا لا تزال غير آمنة بالنسبة للسوريين.
المبعوث البريطاني إلى سوريا، جوناثان هارغريفز، أيضًا، أكد في الوقت نفسه، أن موقف بريطانيا لم يتغير، حول اعتبارها سوريا دولة غير آمنة لعودة اللاجئين.
وخلال زيارة أجرتها إلى مخيم “الزعتري” للاجئين السوريين في الأردن، في تشرين الثاني 2021، أكدت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أن البيئة الحالية في سوريا لا تزال غير مواتية لعودة اللاجئين، وأن عودة أي لاجئ يجب أن تكون آمنة وطوعية وكريمة.
وقالت غرينفيلد في تصريحات صحفية حينها، “لا جدال في أن البيئة الحالية في سوريا ليست مواتية للعودة”.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أبدى مطلع آذار الماضي، رغبة بلاده بتنظيم مؤتمر حول العودة الطوعية للاجئين السوريين، مؤكدًا خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، في العاصمة التركية، أنقرة، أن تركيا تعمل مع الأردن في سبيل عودة طوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، وفقًا لما نقلته وكالة “الأناضول” التركية، حينها.
وتشهد سوريا تصعيدًا متواصلًا بعمليات القتال، كما أنها لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، وفق تأكيدات لجنة التحقيق المعنية بالملف السوري، والتابعة للأمم المتحدة، في تشرين الأول 2021.
رئيس “تجمع المحامين السوريين الأحرار” المحامي غزوان قرنفل، وفي حديث إلى عنب بلدي، أكد أن تركيا ملتزمة باتفاقية حقوق اللاجئين لعام 1951 وموقعة عليها، رغم تحفظها على النطاق الجغرافي للاتفاقية، الذي توافقت الدول على إزالته في بروتوكول عام 1967، بما أتاح لها عدم منح صفة لاجئ بالمعنى القانوني إلا لمن جاء إليها من أوروبا طالبًا اللجوء.
لكن هذا التحفظ برأي قرنفل لا يلغي وجوب التزام أنقرة بمنح الحماية لطالبيها، والالتزام بما يترتب على ذلك، من قبيل احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، المنصوص عليه في المادتين “32” و “33” من اتفاقية 1951.
كما أن قانون الحماية المؤقتة الذي يحكم الوجود القانوني للسوريين على الأراضي التركية يحظر الإعادة القسرية لمن هم تحت هذه الحماية، إذ تنص المادة السادسة منه على “عدم جواز إعادة أحد من الأشخاص الذين تشملهم اللائحة إلى مكان قد يتعرضون فيه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة المهينة أو غير الإنسانية، أو المكان الذي تكون فيه حياتهم أو حريتهم مهددة بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب الرأي السياسي”.
كل ذلك يعني بحسب المحامي أن مشروع العودة الطوعية لا ينسجم مع القانون الدولي ولا مع التزامات الدولة التركية القانونية بهذا الشأن.
وحول سبل تجنب العودة، يوضح قرنفل أن المسألة لم تعد تخضع لتجنب العودة فلا أحد يعرف المعايير التي ستعتمد بالنسبة للمدرجين ضمن البرنامج،
مع ضرورة احترام القانون وتجنب المشاكل والمخالفات الجسيمة للقانون، موضحًا أن من لديهم أسبقيات حكمية أو قضائية، أو نزاعات مع الجوار أو الآخرين، ومن يعملون بلا ترخيص قانوني وإذن عمل، ومن لديه حالة أو حالات عنف أسري، وغيرها من المعايير الأخرى، ربما يكون تحت الأنظار في الفترة القادمة.
كما شكك المحامي غزوان قرنفل بما جرى ترويجه على أنه “مغريات” للعودة، مقللًا من جديتها ومصداقيتها، كما اعتبر الهدف منها تخفيف وطأة الأمر على الناس، لا أكثر.
تركيا تُوجِد تعريفها الخاص
الشمال السوري ليس منطقة آمنة في العرف الدولي
كجزء من نظام الحماية المؤقتة، يُقبل المواطنون السوريون واللاجئون وعديمو الجنسية القادمين من سوريا الذين يطلبون الحماية من السلطات التركية في ظل الظروف العادية.
و في ظل الظروف العادية لا تتم إعادتهم إلى سوريا ما لم يطلبوا العودة بنفسهم، تعريف وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لمفهوم الحماية المؤقتة في تركيا.
وينبغي توفير الحماية والمساعدة في تركيا للمستفيدين من الحماية المؤقتة، والذي يتضمن الحق في البقاء في تركيا حتى التوصل إلى حل أكثر دوامًا لوضع اللاجئ، والحماية من العودة القسرية إلى سوريا، وكذلك التمتع بالحقوق والاحتياجات الأساسية، بحسب الموقع الرسمي للمفوضية.
ورغم هذا التعريف، يجري الحديث عن خطة “عودة طوعية” للاجئين السوريين إلى بلادهم، إذ تعتبر السلطات التركية مناطق العمليات العسكرية التي أدارتها في الشمال السوري مناطق آمنة و”مُطهرة من الإرهاب”، لكن نعوات وزارة الدفاع التركية لجنود أتراك ومواطنين عاملين في المنطقة قضوا بهجمات مباشرة أو قصف صاروخي لا تعبّر عن ذلك، كما توثق منظمات حقوقية ووسائل إعلامية حالات إجبار وعودة قسرية للسوريين إلى مناطق الشمال السوري.
وظهرت فكرة العودة الآمنة والطوعية بعد الحرب العالمية الثانية وتطورت خلال الحرب الباردة نتيجة النزاع بين الشرق والغرب، وتمسك الغرب بهذا المفهوم ونشأ لدى الأمم المتحدة وجرى التأكيد عليه في أكثر من وثيقة دولية، لكن هذا المفهوم لاقى انتقادات وأُعيد النظر فيه والحديث عن عدم اشتراطه طوعية العودة أو إعادة اللاجئين، بسبب ظهور مفهوم اللجوء لأسباب اقتصادية.
وفي أواخر الألفية الثانية توقف اللجوء بين الشرق والغرب، وتحول مساره بين الجنوب والشمال، أي من أفريقيا وآسيا نحو أوروبا، وفق الدكتور في القانون العام، والباحث في “مركز الحوار السوري” أحمد قربي.
وبحسب التجارب الدولية، أًعيد لاجئين من دول الخليج عقب النزاع اليمني في التسعينيات، كما أُعيد لاجئون من أوروبا، لكن المقصود هم اللاجئون لأسباب اقتصادية لا سياسية، والأمر ذاته انطبق في اتفاق “دايتون” في نزاع البوسنة والهرسك.
وأصبح مصطلح العودة الآمنة والطوعية محل إعادة بحث من بعض الدول وجرى الحديث عن حق الدولة المستضيفة في إعادة اللاجئين رغمًا عنهم حتى دون إرادتهم، لكن بعض الباحثين في القانون الدولي تحدثوا عن شروط ومعايير ضيقة، أبرزها أن يكون النزاع انتهى، أو أن ظروف الدولة المستضيفة للاجئين أصبحت أسوأ من ظروف المنطقة التي خرج منها اللاجئ، ولكن الأمر كان عبارة عن اجتهادات فقهية لم تكرّس على مستوى وثائق الأمم المتحدة، وفقًا لما قاله قربي في حديث إلى عنب بلدي.
ما قانونية الخطة؟
المبدأ المستقر حاليًا أنه في حالة النزاعات، لا يحق للدولة المستضيفة إعادة اللاجئين قسرًا قبل زوال الأسباب التي أدت إلى الهجرة، وأكد قرار مجلس الأمن رقم “2254” لعام 2015 في الفقرة “14” هذا الأمر، بأن عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم الأصلية يجب أن تكون طوعية وآمنة.
ويشير المسؤولون الأتراك إلى أن العودة ستكون طوعية عبر تيسير أسبابها للراغبين بذلك، فإذا صح ذلك فهنا لا يجري الحديث عن إعادة وإنما عودة، وفي هذه الحالة لابد من توفر شروطها، خاصة من جهة كونها “آمنة وطوعية”، مع ما يقتضيه ذلك من وجود ضوابط ومراقبة محلية ودولية لتحقق هذه الشروط، فإذا تحققت فلا تكون هنالك مخالفة قانونية، والعكس بالعكس، وفقًا للباحث أحمد قربي.
ولا يوجد تعريف واضح للمنطقة الآمنة في القانون الدولي الإنساني بشكل عام أو في اتفاقيات جنيف، ويوجد حديث عن مناطق صحية (مناطق الاستشفاء) أو ممرات إنسانية أو مناطق محايدة، ولكن يمكن تعريفها، بحسب “العرف الدولي”، بأنها المنطقة المتفق بين الأطراف المتنازعة على إقامتها، ولا تحمل صفة عسكرية وتخضع لإدارة مدنية، وبالتالي لا يوجد ترتيب للدفاع عنها، لأنها منطقة مدنية وليست منطقة عسكرية، بحسب ما شرحه قربي.
حتى اتفاقي “سوتشي” و”موسكو” اللذان أُبرما بين تركيا وروسيا تحدثا عن هدنة ولم يتحدثا عن المنطقة الآمنة، ومن الناحية القانونية تُوصف مناطق شمال غربي سوريا بمناطق خفض التصعيد، مناطق فيها هدنة ولا تُعتبر مناطق آمنة، وفق ما قاله قربي.
وأضاف الباحث أن بعض الدول تُعطي تعريفها الخاص للمناطق الآمنة، ولتركيا تعريفها الخاص للمنطقة، ويبدو أنها تميل لهذا الأمر حاليًا، باعتبار أن المناطق التي تتحدث عنها لا تتعرض لتصعيد كبير أو عمليات عسكرية دائمة أو قصف طيران بشكل دائم، وتضم تجمعات مدنية، والقصف الذي يحدث أحيانًا يتركز على بعض المناطق الأساسية أو بعض المناطق الفاصلة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة.
مناطق ومواقع محميةيحدّد القانون الإنساني طرقًا مختلفة لتعريف المناطق التي توفر حماية خاصة للسكان المدنيين المعرضين للخطر والتي قد لا يقع فيها قتال، بحسب ما يوضحه موقع “أطباء بلا حدود” الرسمي، وتميّز اتفاقيات جنيف وبروتوكولاها الإضافيان بشكل واضح بين: مناطق غير محميةوهي الأماكن المأهولة القريبة من أو في مناطق تكون فيها القوات المسلحة على تماس مع بعضها، والخاضعة لاحتلال العدو، من أجل تجنب القتال والتدمير. مناطق ومواقع المستشفياتوهي المناطق والمواقع التي تقام على أراضي طرف من أطراف النزاع أو على أرض محتلة بهدف حماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة، بالإضافة إلى أفراد الخدمات الطبية المعينين في كل منطقة، من آثار الحرب. مناطق ومواقع المستشفيات ومناطق آمنةيجب تنظيم مناطق الأمان والمستشفيات -التي تقام على أراضي طرف في نزاع أو في منطقة مُحتلة- بهدف حماية الجرحى والمرضى والعجزة، والأطفال دون سنّ الخامسة عشرة، والحوامل، وأمهات الأطفال دون سنّ السابعة، بالإضافة إلى أولئك الذين يُراد حمايتهم في مناطق ومواقع المستشفيات المذكورين أعلاه، مرة أخرى، ويجب تحديد مثل هذه المواقع في أوقات السلم ويجب الاتّفاق عليها بين الأطراف المتخاصمة في أوقات الحرب. المناطق المحايدةيمكن إقامة مناطق محايدة في مناطق يقع فيها قتال، وتهدف مثل هذه المناطق إلى حماية الأشخاص المحدّدين فيما يلي دون تمييز من آثار الحرب، وهم: الجرحى والمرضى من المقاتلين وغير المقاتلين، والمدنيون الذين لا يشاركون في أعمال عدائية ولا يؤدون عملًا ذا طبيعة عسكرية أثناء إقامتهم في هذه المناطق، ويمكن لأطراف النزاع، والدول المحايدة أو المنظمات الإنسانية أن تبادر إلى إقامة منطقة محايدة. ويجب على أطراف النزاع عقد وتوقيع اتفاق كتابي يحدّد بداية وفترة تحييد المنطقة، بالإضافة إلى تفاصيل موقعها الجغرافي، والإدارة، والموادّ الغذائية، والإشراف. المناطق المجردة من السلاحوهي المناطق التي يحظر فيها على أطراف النزاع القيام بعمليات عسكرية، أو استعمال هذه المناطق لأي هدف يرتبط بسير العمليات العسكرية. |
موافقة “مستنيرة”
وبحسب “العرف الدولي”، لا يُمكن اعتبار هذه المناطق آمنة وبالتالي لا يجوز إعادة اللاجئين إليها، وتركيا لا تتحدث عن إعادة ولكن عن عودة، وقضية العودة لا بد أن يكون فيها “موافقة مستنيرة”، بمعنى أن اللاجئ يجب أن يكون لديه علم تام بوضع المنطقة التي سيذهب إليها وقَبِل بهذه العودة.
وجرت عودة طوعية من قبل لاجئين أحيانًا، لكن في أحيانٍ أخرى جرى ترحيل سوريين إلى تلك المناطق، وبناءً على ذلك لا يُمكن الجزم هل الأمر عودة أم إعادة لحين بدء تنفيذ الخطة، بحسب قربي.
أوضح الباحث أن لا مخالفة واضحة وصريحة من قبل تركيا للقانون الدولي الإنساني في حال تحقيق شرط العودة الطوعية وكان لدى اللاجئ إرادة حرة تامة في العودة أو عدم العودة، لأنه لا يوجد أي قانون دولي يمنع اللاجئ من أن يعود لمنطقته.
لكن إذا كان المفهوم معاكس بمعنى أن هذا الشخص أُرغم بشكل مباشر أو غير مباشر على العودة إلى المنطقة قبل حدوث تسوية سياسية أو وجود منطقة آمنة، سيخالف ذلك المواثيق الدولية وقرار مجلس الأمن الخاص بسوريا رقم “2254”.
وفي 13 من نيسان الماضي، فصلت المحكمة الدستورية التركية في طلبات اعتراض قدمها سوريون تقرر ترحيلهم لأسباب مختلفة، وقالت إنه لا يوجد دليل على أن السوريين المعترضين على قرار ترحيلهم سيتعرضون لسوء المعاملة.
وأصدرت المحكمة قرارات منفصلة بترحيل سبعة أشخاص، إذ جاء في قرارها بحقهم أن “الادعاء بوجود انتهاك حول خطر إساءة المعاملة غير مقبول لأنه يفتقر بوضوح إلى أساس، و تقرر إنهاء الإجراء المتعلق بعملية الترحيل ضد مقدمي الطلب”.
وفسرت المحكمة الدستورية العليا التركية في اجتهادها “البعد الأمني” بإمكانية التعرض لسوء المعاملة من قبل النظام السوري، وهذا تفسير “ضيق”، فالعودة الآمنة لا تعني المحافظة على السلامة من الاعتقال وإنما تشمل أبعادًا أكبر يتصدرها الحفاظ على حق الحياة والذي يقتضي أن يعيش الإنسان في بيئة خالية من القصف والاغتيال، وهذا الشرط لا يتحقق في المناطق المحررة والأرقام تؤكد ذلك، بحسب قربي.
وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أشار في لقاء مع قناة “TRGT Haber” إلى وجود مشروع لعودة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم، وتحدث في نفس الوقت أيضًا عن حادثة مقتل عسكري تركي نتيجة للقصف.
وتسائل الناشط الحقوقي، طه الغازي، في حديث إلى عنب بلدي، عن الأسس المعتمدة لتوصيف الشمال السوري على أنه منطقة آمنة، “إذا كان وزير الداخلية أو أي جهة حكومية تركية مقتنعة بكون المنطقة والتي تخضع تحت إدارتها، ويتواجد فيها موظفين وعساكر أتراك، غير آمنة بسبب تتعرضها للقصف من قوات النظام السوري ومن قبل ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية، ما هي الأسس التي تعتمد لتوصيف المنطقة على أنها منطقة آمنة؟”.
وبحسب الغازي، فإن “ازدواجية هذه المعايير تثبت وتؤكد حقيقة ثابتة دامغة ألا وهي أن مشروع العودة الطوعية بات في جانب منه يعمل على نقل أزمة اللاجئين من الداخل التركي إلى الداخل السوري، دون النظر إلى البيئة إن كانت بالفعل هي بيئة آمنة أم لا”.
المعارضة السورية “خارج التغطية”
ترافق مشروع العودة الطوعية الذي تعمل عليه الحكومة التركية، مع قرارات وإجراءات تراوحت بين الحد من الموافقة على إذن السفر، وشروط جديدة للإقامة السياحية، وعدم منحها للوافدين حديثًا، مرورًا بتجميد قيود بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك)، بالإضافة إلى إطلاق الحكومة التركية مشروع التخفيف السكني وحظرها سكن الأجانب في 800 منطقة وحي في مختلف الولايات، وصولًا لإيقاف منح بطاقة الحماية المؤقتة في بعض الولايات.
كل هذه التضييقات أثارت مخاوف اللاجئين السوريين، خاصة في ظل ضبابية الخطة بنظر البعض، وحالة التجاذب الساسي التي تضع اللاجئين السوريين في المنتصف، ما دفع بعض اللاجئين وفق ما رصدته عنب بلدي، إلى الحدود السورية وتسليم بطاقة “الحماية المؤقتة” والعودة إلى سوريا.
ويبرز، أو يفترض أن يبرز، أمام هذه الإجراءات دور الجهات والمؤسسات والمنظمات المعنية بشؤون اللاجئين السوريين.
لم يعلن “الائتلاف السوري المعارض” عن موقفه من مشروع تركيا حول خطة “العودة الطوعية”، عبر أيّ من أعضائه، كما لم يبد رأيه بأي تصريح عبر وسائل الإعلام أو حتى في اجتماعاته الأخيرة الملعن عنها.
عنب بلدي تواصلت مع ثلاث جهات في “الائتلاف”، منهم مسؤول مكتب العلاقات العامة، سونير طالب، الذي نفى امتلاك معلومات كافية حول الموضوع، إلا حين التقت عنب بلدي مع رئيس “الائتلاف”، سالم المسلط، الذي أوضح بدوره أنه جرى الحديث عن عودة اللاجئين، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع يُطرح بين الدول باستمرار.
وأضاف المسلط أن “الائتلاف” يميز بين العودة إلى مناطق النظام والمناطق “المحررة”، معتبرًا أن العودة إلى مناطق النظام “قسرية”، في حين أن العودة إلى الشمال السوري طوعية إن توفرت البنية التحتية وفرص العمل، نافيًا اتخاذ أي خطوة في هذا المشروع.
قبل إدلاء المسلط بهذه التصريحات، كانت عنب بلدي وجهت أسئلتها إلى عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف”، محمد يحيى مكتبي الذي وصف الموضوع بـ”الحساس”، مشيرًا إلى حاجته إلى “مشاورة قيادة الائتلاف” للحديث عن هذا الموضوع.
من جهتها، نفت مديرة الاتصال في “اللجنة السورية التركية المشتركة” التابعة لـ”الائتلاف”، إيناس النجار، في حديث إلى عنب بلدي، وجود الظروف المناسبة التي تحدثت عنها الحكومة التركية حاليًا، مشيرةً إلى احتمالية إغلاق معبر “باب الهوى” في حال استخدام روسيا حق النقض “الفيتو” أمام المساعدات الإنسانية.
“لا توجد لدينا أي تفاصيل، يجري الحديث عن المشروع منذ نحو سنتين لكنه لم يطبق حتى الآن”، وفق النجار.
وأشارت النجار إلى انتظار اللجنة، معلومات من وزارة الداخلية التركية أو رئاسة الدولة، للحصول على تفاصيل تشرح هذا المشروع.
الناشط الحقوقي، طه الغازي، وفي حديثه لعنب بلدي، ربط بدوره غياب مؤسسات المعارضة، متمثلة بـ”الائتلاف” بكونها مشارك في المشروع الذي طرح في بنود اتفاقيات أستانة والتي لم يعلن عنها، وفق ما قاله.
وأضاف أن الائتلاف على علم بخطة المشروع وتوقيته تنفيذه أيضًا، وهذا ما تؤكده تصريحات الرئيس التركي بأن الوحدات السكنية ستقام بالتنسيق مع منظمات محلية في تركيا وأيضًا دولية، أي منظمات تركية وسورية.
وبالنظر لطبيعة الشمال السوري الأمنية، واستهدافات تشهدها توقع خسائر بشرية، اعتبر الغازي، أن مشروع العودة الطوعية يعمل جزئيًا على نقل أزمة اللاجئين من الداخل التركي إلى السوري، بصرف النظر عن أهلية المنطقة على المستوى الأمني، مشيرًا لغياب منظمات حقوقية سورية فاعلة قادرة على بحث ما يتعلق بقضايا اللاجئين أو انتهاك حقوقهم مع السلطات التركية.
ويبلغ عدد السوريين في تركيا المقيمين بموجب الحماية المؤقتة، وفق إحصائيات المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية، ثلاثة ملايين، و712 ألف و723 شخصًا.