بعد إفادة “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عن احتجاز النظام السوري، لمرتكب مجزرة التضامن، الضابط في المخابرات العسكرية حينها أمجد يوسف، تتعدد الاحتمالات عن المصير الذي سيلاقيه الشخص الذي تسبب بمقتل 41 من المدنيين العزّل معصوبي الأعين، على الأقل.
وفي وقت سابق، الاثنين 30 من أيار، قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، في تقرير لها، إن النظام السوري يحتجز الشخص الذي ظهر في تسجيل مصور كشف عنه تحقيق لصحيفة “الجارديان”، يوثق قتل وإحراق مدنيين ودفنهم في مقبرة جماعية، فيما عُرف باسم مجزرة “التضامن”.
وذكرت الشبكة الحقوقية أن “النظام السوري يحتجز المجرم أمجد يوسف، الذي أعدم عشرات السوريين واغتصب عشرات النساء في حي التضامن بدمشق”.
التقرير أوضح أن النظام “يتحفظ” على أمجد يوسف، وأن عملية الاحتجاز لم تجرِ وفق مذكرة قضائية، استنادًا لتهمة محددة، وأن أمجد يوسف، الضابط في قوات الأمن السورية، وتحديدًا فرع المنطقة “227” التابع لشعبة “المخابرات العسكرية”، لم تجرِ إحالته للقضاء، ولم يصدر عن النظام أي معلومة تشير لاعتقاله.
من هو أمجد يوسف؟وفي 27 من نيسان الماضي، كشف تحقيق لصحيفة “الجارديان” معلومات حول مجزرة ارتكبتها قوات النظام في 16 من نيسان 2013، في حي التضامن بدمشق، أسفرت عن مقتل نحو 41 شخصًا ودفنهم في مقبرة جماعية. جاء ذلك من خلال عرض مقطع مصوّر يوّثق إطلاق الرصاص على عشرات الأشخاص ودفنهم في مقبرة جماعية، ثم حرق جثثهم من قبل عناصر النظام السوري، وفق التحقيق الصادر في 27 من نيسان. واستند التحقيق إلى وثائق وشهادات قدّمها الباحثان أنصار شحود والبروفيسور أوغور أوميت أنجور، من مركز “الهولوكوست والإبادة الجماعية” بجامعة “أمستردام”، نقلًا عن عسكري سابق في قوات النظام استطاع الحصول على المقطع. واعتمد الصحفيان اللذان أنجزا التحقيق، أنصار شحود والبروفيسور أوغور أوميت أنجور، على جمع قصص الناجين وعائلاتهم، والتحدث إلى مرتكبي الانتهاكات أنفسهم، من خلال إنشاء حساب على منصة “فيس بوك” لأنصار شحود وضعت عليه صورتها الشخصية، لكنها استخدمت اسمًا وهميًا هو “آنا”، لإطلاعها على أن الضباط والمسؤولين في صفوف النظام يستخدمون المنصة بشكل كبير. |
التصفية مصيره؟
وقال مدير “الشبكة السورية”، فضل عبد الغني، في حديث إلى عنب بلدي، إن المعلومات عن احتجاز أمجد يوسف وردت للشبكة منذ فترة ولكنها احتاجت وقتًا للتأكد منها في ظل بنية مغلقة من الأجهزة الأمنية.
ويتورط النظام من خلال قياداته بالجرائم التي ارتكبها أمجد وغيره، فأمجد لا يتصرف كفرد وإنما كجزء من منظومة، بحسب عبد الغني.
احتجز أمجد بداية الشهر الحالي، وبعد أيام من التحقيق الصادر والصدى الذي خلفه، ما يعني تورط النظام وتخوفه من القضية، بحسب عبد الغني، الذي يشير إلى احتمال أن يقوم النظام بتصفيته، على الرغم من أنه جزء من منظومته.
واعتبر عبد الغني مجرد احتجاز النظام له لهذه المدة يعني أن النظام تصرف بناء على التحقيق الصادر، بحق أمجد يوسف، وكشفه لجرائم التي وثقت جريمته المصورة.
وتتخوف الشبكة على مصير بقية المعتقلين بأن يلاقوا ذات المصير الذي لاقاه ضحايا أمجد سابقًا ممن أُعدموا .
وفي حال تهريب أمجد خارج سوريا، إلى دول ذات اختصاص عالمي، يمكن أن تلقي القبض عليه، ولكن من المستبعد أن يسمح له النظام السوري بذلك.
هل يمكن للإنتربول اعتقاله؟
لا تتحرك “الشرطة الجنائية الدولية” (الإنتربول)، إلا بطلب من دولة عضو فيها، لتسليم أو إيقاف شخص ما، فالإنتربول منظمة تقوم على عضوية دول وفيها، ولا تتصرف من ذاتها وليست لديها قوة شرطة خاصة فيها وإنما مهمتها ترتيب العلاقات بين الدول (أي بين شرطة الدول)، بحسب ما أوضحه المحامي لدى مجموعة “غيرنكا 37“، إبراهيم العلبي، عنب بلدي.
فعلى سبيل المثال في حال فتحت ألمانيا تحقيقًا بخصوص أمجد يوسف، ثم عممت اسمه على الإنتربول، حينئذ، وإذا ذهب إلى دولة ما وكانت عضوًا في الإنتربول، يمكن أن يحدث تسليمه أو لا يحدث.
ولا تملك الإنتربول السلطة بأن تتحرك من تلقاء نفسها وتعتقل أي مجرم حرب وتسلمه.
مسؤول قسم المناصرة والتواصل في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، داني البعاج، أوضح لعنب بلدي الخطوات الواجب اتخاذها لمحاسبة هكذا نوع من القضايا، بأن تقدم شكوى في المنطقة التي يوجد فيها المجرم، وليس من أي أحد بشكل عشوائي، بل من قبل أشخاص هم إما ضحايا أو من ذويهم.
وإذا كانت القصة ترتبط بجرائم حرب فمن الممكن أن تتحرك وحدة خاصة بجرائم الحرب، الأمر الذي يحتاج أدلة ومعلومات ووثائق تشير إلى أن الشخص المتهم مسؤول عن تلك الانتهاكات، وعندئذ تفتح الشرطة تحقيقًا.
وعند وصول الأدلة والتأكد من مقدميها من أصحاب الشكوى تحال القضية إلى المحكمة فيلقى القبض على الشخص المتهم أو يوضع تحت الإقامة الجبرية ويحقق معه.
العديد من مجرمي الحرب وصلوا إلى أوروبا، ولكن التحقق من هويتهم ومن المجازر التي ارتكبوها، وتقدمة الأدلة على المجازر التي ارتكبوها ليس بالأمر السهل بحسب البعاج.
وضرب البعاج مثلًا بالدعاوي التي رفعت ضد رئيس المخابرات الجوية في نظام الأسد، اللواء جميل حسن، الرئيس السابق لأجهزة المخابرات في النظام السوري، ومدير مكتب “الأمن الوطني” حاليًا، اللواء علي مملوك، على الرغم من عدم وجودهم على الأراضي الأوروبية، ولكن هنالك دعاوي رفعت ضدهم وإثباتات تؤكد تورطهم، حينئذ جرى استصدار ما يسمى بالنشرة الحمراء من الانتربول.
”النشرة الحمراء”، وفق تعريف الإنتربول، طلب موجه إلى الجهات القانونية في جميع أنحاء العالم لتحديد مكان شخص واعتقاله مؤقتًا قبل إصدار قرار بتسليمه، أو اتخاذ أي إجراء قانوني بحقه. |
ويمكن أن ترسل أي دولة كألمانيا أو فرنسا أو السويد للإنتربول، لتخبرهم بأن هذا الشخص مطلوب لديها، والدولة التي تريد التعاون مها تلقي بالقبض عليه.
ولكن في حال سفر الشخص المطلوب للانتربول لدولة هي حليفة للنظام، فتزداد تعقيداتها القضائية، ولن تكون القضية سهلة.
أما عن الآلية التي يمكن أن تتبعها المنظمات الحقوقية أو الأشخاص القائمون على التحقيق، للدفع باتجاه المحاسبة، فأوضح المحامي إبراهيم العلبي أن هناك منظمات حقوقية أرسلت القضية للمقرر الخاص المعني بالقتل خارج القانون، فهنالك آليات في الأمم المتحدة معنية بهذا الأمر باسم “المقرّر الخاص المعنيّ بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفًا“.
وأكد العلبي أن نشر الأمر إعلاميًا يدفع باتجاه المحاسبة التي لا تقتصر فقط على موضوع المحاكمات، فإعادة وضع هذا الملف على الطاولة حقوقيًا كان جيدًا، إذ رأينا تحركات من الخارجيات وضغطًا دوليًا وإعلاميًا وحشدًا للرأي عام، وهذا الأمر مفقود منذ فترة بالقضية السورية.
وحول إمكانية استخدام المقطع لرفع دعوى جنائية في المحاكم، قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إنه بالتأكيد يمكن رفع الدعاوى، لكنه تساءل بأنه ضد من ستكون هذه الدعوى، نظرًا إلى عدم وجود محكمة دولية خاصة بسوريا حاليًا، كما أنه ليست هناك إمكانية للإحالة إلى محكمة الجنايات الدولية، فالتقاضي محصور أمام الدول الأوروبية التي تسمح قوانينها بمحاكمة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
عنصر المخابرات الذي ظهر في التسجيل أمجد يوسف ليس على الأراضي الأوروبية، لذلك ليست هناك إمكانية لمحاكمته غيابيًا، إذ لا تسمح التشريعات الوطنية أو القوانين في هذه الدول بالمحاكمات الغيابية، وفق “مبدأ الاختصاص العالمي لحقوق الإنسان“.
وأضاف العبد الله أنه يمكن استخراج مذكرة توقيف دولية شبيهة بمذكرات التوقيف الصادرة بحق اللواء علي مملوك واللواء جميل الحسن، لكن هذا لا يعني تسليم أمجد يوسف وجلبه للعدالة ومحاكمته، ومعرفة تفاصيل هذه المجزرة وهويات الضحايا، والدافع خلفها، والأشخاص الذين أمروا بها، فهذه المعلومات لا يمكن الوصول إليها.