تعا تفرج
مظفر النوّاب وأبناء القـ…
خطيب بدلة
توفي في الشارقة، في 20 من أيار الحالي، الشاعر العراقي مظفر النوّاب، المولود سنة 1934، عن 88 سنة. لا ريب في أن النوّاب شاعر مهم، سواء في قصائده المكتوبة بالفصحى، أو بالعامية، ولكن..
بمجرد ما نُشر خبر الوفاة، سارع محبوه لاستعادة ذلك المقطع من قصيدته “تراتيل ليلية”، الذي يبدأ بقوله “القدسُ عروس عروبتكم”، وراحوا يعيدون نشر المقطع على صفحاتهم، ويترنمون به، مركّزين خصوصًا على عبارة “أبناء القـ…” التي وجهها، يومئذ، للحكام العرب كلهم، دون استثناء، وتفتقت قريحة السخرية عند أحدهم، فابتكر عبارة مثيرة، هي: مات مظفر النوّاب وبقي أبناء القـ…! (مع أن معظم حكام تلك الفترة ماتوا قبله)!
محسوبكم لست متزمتًا، ولا أمانع أن تتضمّن قصة ما، أو رواية، أو مسرحية، أو قصيدة شعرية، كلمات أكثر صراحة من كلمة القـ…، ولعله من المفيد القول إنني من أكثر المعجبين بحكايات ألف ليلة وليلة، والهجاء الفاحش الذي أبدعه الشاعر ابن الرومي، وقصائد أبي نواس الصريحة، وكتب الإمام ابن الجوزي التي تتحدث عن الجنس دون حرج، وقد وضعت في مقدمة روايتي “أبو دياب يتكلم في الأفراح” تحذيرًا للناس الخجولين من التورط بقراءتها، بسبب ورود عبارات من هذا القبيل فيها، ولكن مسبات المرحوم مظفر النواب التي نُسبت زورًا لفن الشعر، برأيي، سيئة جدًا، وخالية من أي فن، أو جمال، ومن الغريب حقًا، أن معظم الناس، وخاصة بعض اليساريين، أحبوها، وحفظوها، وأما نظام الأسد، فأراد أن يستفيد من هذه الحالة الجماهيرية، فلم يمانع بأن تقام أمسيات لمظفر النوّاب في بعض المراكز الثقافية السورية، ضمن حالة احتفالية كبرى، يأتي إليها من الناس ما لا يقل عن جمهور محمود درويش، ونزار قباني، وحتى جمهور الحفلة الشهرية لكوكب الشرق أم كلثوم. وحينما كان النوّاب يقيم أمسية في مصياف، أو دمشق، أو الرقة، كان بعض المولعين به يتجشمون عناء السفر، من محافظات بعيدة، ليحضروا الأمسية، ويستمعوا منه شخصيًا إلى تلك المسبات التي أكسبته سحرًا خاصًا، حتى إن أحدهم قال إنه كان يتقصد المرور أمام مقهى “الهافانا” بدمشق، ليستمتع برؤية مظفر النوّاب من بعيد!
إن مَن يأخذ تلك المسبات على محمل الشعر، والجد، ويتأمل فيها قليلًا، سيعثر فيها، بلا شك، على قدر كبير من خلط عباس بدباس، فالقدس رمز للديانات السماوية الثلاث، وليس للعروبة، وهي ليست عروسًا بين المدن، فأين هي من دمشق، أو الإسكندرية، أو بغداد، أو دبي، مثلًا؟ وإذا فرضنا أن الحكام العرب الذين يسبهم النوّاب بالجملة سيئون بالفعل، وعلى سوية واحدة، فما علاقة أمهاتهم بالأمر؟ ومَن قال لك إن أمهاتهم مومسات؟ وما هو وجه الشبه أصلًا بين المومسات والحكام؟ يعني، إذا كان بعض الحكام سفاحين وقتلة، مثل صدام حسين وحافظ الأسد، هل سمعتم بمومس أماتت معتقلًا تحت التعذيب، أو ضربت منطقة من بلادها بالكيماوي؟
الرحمة لروح مظفر النوّاب، ويا ليته تبرأ من هذه المسبات مثلما فعل محمود درويش حينما تبرأ من قصيدة: سَجِّلْ أنا عربي!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :