يرصد فيلم “طعم الإسمنت” لمخرجه السوري زياد كلثوم معاناة العمال السوريون في العاصمة اللبنانية بيروت خلال نقل صامت لحياتهم اليومية، وهم يبنون ناطحات سحاب، بينما يشاهدون عبر شاشات الأخبار في سكنهم المتواضع منازلهم الأصلية في سوريا وهي تُقصف تحت نيران النزاع المسلح.
يرافق مشاهد الفيلم (85 دقيقة) تعليق صوتي خارجي للمخرج وهو يروي حلم أحد العمال بزيارة البحر حين كان طفلًا، ويقول في بداية الفيلم “هناك لحظتان أحلم بهما كل ليلة، الأولى بعد أن عدت من المدرسة حيث دخلت البيت، شممت رائحة أبي وعرفت أنه قد عاد من السفر، فرحت، فقد كنت مشتاقًا له وبدأت بالبحث عنه، لكن فجأة وجدت نفسي أمام بحر كبير على حائط مطبخنا، شاطؤه أبيض وسماؤه زرقاء، ونخلتاه على الأطراف. كانت أول مرة أرى البحر في حياتي، ابتسمت وعرفت أن أبي قد أتى بالبحر معه من بيروت، اقتربت من الصورة أكثر ومددت يدي لألمس البحر، ارتفع الموج كثيرًا، واهتزت النخلتان، سحبني الموج وغصت في البحر”.
خلال الفيلم، يرى الجمهور العمال السوريين وهم محصورون في موقع البناء، لا يسمح لهم بمغادرته بعد الساعة السابعة مساء.
وبهذه الحالة من “الحصار”، لم يتبق للعمال أي تواصل مع العالم الخارجي سوى حفرة مظلمة يصعدون منها ليبدؤوا نهار عمل جديد، معزولين عن وطنهم، وسط معاناتهم مع الألم والقلق والحرمان من أبسط الحقوق العمالية الإنسانية، إلا أنهم لا يزالون يأملون حياة مختلفة أفضل من الحياة التي يعيشونها الآن.
اقرأ أيضًا: سينما “ما بعد الثورة”.. صوت سوري إلى العالمية؟
في “طعم الإسمنت”، يؤلف زياد كلثوم سردًا موجعًا لما يعنيه أن يعيش العامل في منفى وسط عالم تمزقه الحروب دون أي إمكانية بخلق استقرار دائم أو العودة إلى الوطن.
كان بإمكان المخرج أن ينقل هذه المعاناة على لسان أصحابها من العمال الذين ترصدهم عدسة الكاميرا، بذلك، كان سيحمل الفيلم توثيقًا عفويًا وحقيقيًا دقيقًا أكثر من أي سرد سبق إعداده مسبقًا، إلا أن برر في أحد اللقاءات التلفزيونية عدم إمكانية ذلك لأن أحدًا من العمال لم يرغب في الكلام أمام الكاميرا خوفًا من أي مخاطر أمنية على حياته.
لم يكن أحد يتحدث داخل الفيلم سوى صوت التعب الواضح على وجوه العمال، بالإضافة إلى صوت الخوف من المستقبل، وعدم اليقين من أي شيء يمكنه ضمان حقوق أولئك العمال، وبذلك، تكون الصورة هي أكثر الأشياء دلالة على حكايات العمال، بلغة سينمائية عالية.