هل تنجح استفزازات كوريا الشمالية بفرض الدبلوماسية مع أمريكا؟
توسيعًا لنطاق الاستفزاز في تجارب الأسلحة هذا العام، أطلقت كوريا الشمالية وابلًا من الصواريخ الباليستية القصيرة المدى من عدة مواقع باتجاه البحر قبالة ساحلها الشرقي، الأحد 5 من حزيران، في أكبر اختبار فردي لها، بعد يوم من إنهاء كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تدريبات عسكرية مشتركة.
ومن المحتمل أن تُتوّج هذه التجارب باختبار نووي وشيك، إذ اكتشف مسؤولو استخبارات في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، جهودًا لكوريا الشمالية لتحضير أرضها الشمالية الشرقية للتجارب النووية، لاختبار نووي جديد.
وفي حال نُفذ الاحتمال، سيكون الاختبار هو السابع منذ 2006، والأول منذ أيلول 2017، عندما زعمت كوريا الشمالية أنها فجرت قنبلة نووية حرارية، لتلائم صواريخها الباليستية العابرة للقارات.
رقم قياسي ورد سريع
حققت كوريا الشمالية رقمًا قياسيًا لإطلاق الصواريخ في يوم واحد، إذ أطلقت ثمانية صواريخ متتالية على مدى 35 دقيقة، من أربعة مواقع مختلفة، منها المناطق الساحلية الغربية والشرقية، ومنطقتان داخليتان شمال العاصمة بيونغ يانغ.
وفقًا لهيئة الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية والقوات الأمريكية، فإن الصواريخ حلّقت بين مدى 110 و670 كيلومترًا، على ارتفاعات تتراوح بين 25 و80 كيلومترًا.
بعد ساعات من الإطلاق، أجرت اليابان والولايات المتحدة تدريبات مشتركة بهدف إظهار “قدرة الرد السريع” و”التصميم القوي” على مواجهة التهديدات، بحسب ما جاء في بيان لوزارة الدفاع اليابانية.
وفي ساعات الصباح الباكر اليوم، الاثنين 6 من حزيران، أطلق الجيشان الأمريكي والكوري الجنوبي ثمانية صواريخ باليستية في البحر، في عرض للقوة يتطابق مع العرض الشمالي، وتضمنت التدريبات بالذخيرة الحية للحلفاء ثمانية صواريخ (واحد أمريكي وسبعة كورية جنوبية).
وأُطلقت الصواريخ على المياه الشرقية لكوريا الجنوبية خلال عشر دقائق بعد إخطارات السلامة الجوية والبحرية، وفقًا لرؤساء الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية والقوات الأمريكية في كوريا الجنوبية.
ونقلت وكالة أنباء “يونهاب” الكورية الجنوبية عن الجيش الكوري الجنوبي قوله، إن هذا الإجراء دليل على “القدرة والاستعداد لتنفيذ ضربات دقيقة”، ضد مصدر إطلاق الصواريخ في كوريا الشمالية أو مراكز القيادة والدعم.
بينما أكّد أستاذ الدراسات الدولية بجامعة “إيوا” في سيول بكوريا الجنوبية ليف إريك إيزلي، أن الدفاعات الصاروخية الحالية لكوريا الجنوبية غير كافية ضد التهديد الكوري الشمالي المتزايد.
“سياسات عدائية”
جاءت عمليات الإطلاق بعد يوم من اختتام حاملة الطائرات الأمريكية “رونالد ريغان” التي تزن 100 ألف طن، وتعمل بالطاقة النووية، تدريبات بحرية استمرت ثلاثة أيام مع كوريا الجنوبية في بحر الفلبين، في أول تدريبات مشتركة تضمنت حاملة طائرات منذ كانون الثاني 2017، حيث تتحرك الدول لتحديث تدريباتها الدفاعية في بحر الفلبين، في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية.
وشملت التدريبات عمليات الدفاع الجوي، ومكافحة السفن والغواصات، وعمليات الاعتراض البحري في المياه الدولية قبالة جزيرة أوكيناوا اليابانية، وأكّدت هيئة الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية أن التدريبات “عززت تصميم البلدين على الرد بحزم على أي استفزازات كورية شمالية”.
لطالما أدانت كوريا الشمالية التدريبات العسكرية المشتركة للحلفاء باعتبارها تدريبات على “الغزو”، وانتقدت التدريبات السابقة باعتبارها مثالًا على “السياسات العدائية” المستمرة لواشنطن تجاه بيونغ يانغ، رغم حديث واشنطن عن الدبلوماسية.
وواجهت كوريا الشمالية في كثير من الأحيان تدريبات صاروخية رادعة لها، بما في ذلك تجارب قصيرة المدى في عامي 2016 و2017 لمحاكاة الهجمات النووية على مواني كوريا الجنوبية والمنشآت العسكرية الأمريكية في اليابان.
أعرب الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، في أثناء مناقشة عمليات الإطلاق مع مسؤولي الأمن القومي، عن أسفه لأن كوريا الشمالية كانت تطلق الصواريخ بوتيرة مرة واحدة كل تسعة أيام هذا العام، وتعهد بتعزيز دفاع البلاد بالتعاون مع الولايات المتحدة، بحسب مكتبه.
في وقت سابق يوم الأحد، وصف وزير الدفاع الياباني، نوبو كيشي، إطلاق كوريا الشمالية صواريخ متعددة بأنه عمل “لا يمكن التسامح معه”، وقال في إفادة صحفية، إن صاروخًا واحدًا على الأقل له مسار متغير، ما يشير إلى قدرته على المناورة للتهرب من الدفاعات الصاروخية.
غاب القط.. العب يا فأر
في أثناء توجه بايدن إلى كوريا الجنوبية، في 20 من أيار الماضي، قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، إن الولايات المتحدة نسقت مع سيول وطوكيو بشأن كيفية الرد إذا أجرت كوريا الشمالية تجربة نووية أو هجومًا صاروخيًا في أثناء وجود بايدن في المنطقة، أو بعد فترة وجيزة من مغادرته.
وتجاهل بايدن الأسئلة حول أي استفزاز محتمل من قبل كوريا الشمالية خلال رحلته، قائلًا، “نحن مستعدون لأي شيء تفعله كوريا الشمالية”.
وبعد ساعات من إنهاء بايدن رحلته إلى آسيا، في 25 من أيار الماضي، حيث أعاد تأكيد التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن حلفائها في مواجهة التهديد النووي لكوريا الشمالية، أطلقت كوريا الشمالية صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات وصاروخين باليستيين قصيري المدى في البحر.
عقب الإطلاق، أصدرت حكومة كوريا الجنوبية بيانًا قالت فيه، إن استفزازات كوريا الشمالية المستمرة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى ردع مشترك أقوى وأسرع مع الولايات المتحدة، وتعميق العزلة الدولية للدولة الشمالية، وأكدت الحكومة استعدادها الدائم “للرد بقوة وفعالية على أي نوع من الاستفزازات الكورية الشمالية”.
وردًا على الإطلاق في إظهار قدرات الحلفاء “الضاربة”، أطلق الجيش الكوري الجنوبي والأمريكي صاروخين من نوع أرض- أرض، وفقًا لبيان صادر عن هيئة الأركان المشتركة.
وقالت القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في وقت سابق، إن “إطلاق الصواريخ يسلّط الضوء على التأثير المزعزع للاستقرار لبرنامج الأسلحة غير المشروعة لكوريا الشمالية”، مؤكدة أن التزامها بالدفاع عن كوريا الجنوبية واليابان “لا يزال صارمًا”.
واصلت كوريا الشمالية اتجاهها الأخير المتمثل في عدم الإبلاغ عن إطلاق الصواريخ في وسائل الإعلام الحكومية، وهو ما قال بعض المحللين إنه يهدف إلى إظهار أن الاختبارات جزء من التدريبات العسكرية الروتينية، وفقًا لوكالة الأنباء “رويترز“.
مفاوضات خاملة تنذر بالثّوَران
في الأسبوع الماضي، دعت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات دولية إضافية على كوريا الشمالية بسبب اختباراتها الباليستية الأخيرة، في 25 من أيار الماضي، لكن احتمالات اتخاذ إجراءات عقابية جديدة بدت قاتمة مع انقسام الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفقًا لوكالة الأنباء “أسوشيتد برس“.
إلى جانب ذلك، استخدمت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) ضد الاقتراح، وأصرتا على أن تركّز واشنطن بدلًا من ذلك على إحياء المفاوضات مع بيونغ يانغ، وأدى “الفيتو” إلى انقسام مجلس الأمن علنًا بشأن كوريا الشمالية لأول مرة منذ أن بدأ بمعاقبتها عام 2006، عندما أجرت كوريا الشمالية أول تجربة نووية لها.
أعرب المدير العام الياباني للشؤون الآسيوية والأوقيانوسية، فوناكوشي تاكيهيرو، عن أسفه لتقاعس مجلس الأمن في الرد على التجارب الشمالية الأخيرة، مشيرًا إلى أن سلسلة الاختبارات الباليستية هذا العام، والاستعدادات المحتملة للتجارب النووية، تؤكد الحاجة إلى استجابة دولية أكثر قوة.
توقفت المفاوضات النووية بين واشنطن وبيونغ يانغ منذ 2019، بسبب خلافات متعلقة بالتراجع عن العقوبات المشددة التي تقودها الولايات المتحدة بشأن خطوات نزع السلاح من كوريا.
لكن المبعوث الأمريكي الخاص لكوريا الشمالية، كيم سونغ، قال خلال زيارته إلى كوريا الجنوبية، في 3 من حزيران الحالي، إن واشنطن أوضحت بشكل مباشر جدًا لبيونغ يانغ أنها منفتحة على الدبلوماسية، مشيرًا إلى أنها على استعداد لمناقشة البنود التي تهم بيونغ يانغ، مثل تخفيف العقوبات.
عقيدة نووية على حافة الهاوية
رغم المشكلات الاقتصادية المتفاقمة، لم يُظهر الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، أي استعداد للتنازل الكامل عن ترسانة أسلحة يرى أنها أقوى ضمان للبقاء على قيد الحياة، ويحاول بوضوح تحويل محادثات نزع السلاح النووي الخاملة إلى مفاوضات مشتركة لخفض الأسلحة بشكل متبادل مع الولايات المتحدة.
في محاذاة ذلك، وسّع جونغ أون برنامجه للصواريخ الباليستية وسط التوقف الدبلوماسي، وستؤدي التجربة النووية إلى تصعيد سياسة حافة الهاوية التي يتبعها والتي تهدف إلى ترسيخ مكانة كوريا الشمالية كقوة نووية والتفاوض بشأن التنازلات الاقتصادية والأمنية.
حظيت صواريخ جونغ أون الباليستية العابرة للقارات باهتمام دولي كبير، بالإضافة إلى السنوات الثلاث الماضية، التي عمل فيها على توسيع ترسانته من صواريخ الوقود الصلب قصيرة المدى التي تهدد كوريا الجنوبية واليابان.
وتخللت اختباراته تعليقات متكررة بأن كوريا الشمالية ستستخدم أسلحتها النووية بشكل استباقي عند التهديد أو الاستفزاز، ما ينذر بعقيدة نووية تصعيدية تثير مخاوف أكبر للجيران.
ويهدف زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، من تجاربه، إلى إجبار الولايات المتحدة على قبول فكرة الشمال كقوة نووية، والتفاوض بشأن التنازلات الاقتصادية والأمنية.
“الجولة الـ18” والتجربة النووية
تضمنت الوتيرة غير العادية التي حققتها كوريا الشمالية في تجارب الأسلحة هذا العام إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات في آذار الماضي، والذي كان الأول منذ عام 2017، ووصفت الإطلاق بأنه عرض لأكبر صاروخ لها، وهو صاروخ “هواسونغ- 17”.
وحلّق الصاروخ أعلى وأطول من أي سلاح اختبرته على الإطلاق، ما يدل على إمكانية الوصول إلى كامل البر الرئيس للولايات المتحدة.
كانت عمليات الإطلاق الأخيرة بمنزلة الجولة الـ18 من تجارب الصواريخ لكوريا الشمالية في عام 2022 وحده، وهو خط شمل أول عروض للصواريخ الباليستية العابرة للقارات في البلاد منذ خمس سنوات تقريبًا.
وتُظهر عمليات الإطلاق تصميم كوريا الشمالية على المضي قدمًا في مساعيها لتحديث ترسانات أسلحتها على الرغم من تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في البلاد.
ووفقًا لأستاذ الدراسات الدولية بجامعة “إيوا” في سيول ليف إريك إيزلي، فإذا كان فيروس “كورونا” مستعرًا في البلاد، “فهذا ليس أفضل وقت لجونغ أون للحصول على الفضل السياسي المحلي لإجراء تجربة نووية”.
وأصاف أن دعاية الدولة في إعلان النصر على “كورونا”، من المحتمل أن تأتي أولًا، لكن وبحسب قوله، “من المرجح أن تُجري كوريا الشمالية تجربتها النووية السابعة قبل العودة إلى الدبلوماسية”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :