أعطى المشرّعون الروس، الثلاثاء 24 من أيار، موافقة مبدئية على مشروع قانون من شأنه أن يسمح للكيانات الروسية بالاستيلاء على الشركات الأجنبية التي غادرت السوق بمواجهة إجراءات روسيا في أوكرانيا، بحسب ما أظهرته البوابة الإلكترونية للحكومة.
بعد أن بدأت روسيا “غزوها” لأوكرانيا، أغلقت عشرات الشركات الأجنبية متاجرها في روسيا، مستشهدة بالآثار الأخلاقية للعمل في ظل نظام بوتين، ومخاطر التعارض مع العقوبات، وانسحب عمالقة الصناعة بما في ذلك “بريتيش بتروليوم” البريطانية، ثالث أكبر شركة نفط خاصة في العالم، بالإضافة إلى شركة “شل” للطاقة، وشركة “رينو” لصناعة السيارات، في حين بقيت شركات أخرى جزئيًا على الأقل، مع مواجهة بعضها رد فعل سلبيًا.
سيسمح مشروع القانون، الذي تم تمريره في القراءة الأولى من قبل مجلس النواب بالبرلمان، لبنك التنمية الحكومي (VEB) أو الكيانات الأخرى المعتمدة من قبل اللجنة، بالعمل كإدارة خارجية في الشركات الأجنبية التي تشكّل 25% من السوق الروسية، وتحديدًا الشركات التابعة لبلدان تعتبرها موسكو “غير صديقة”.
بينما توافق القراءة الأولى على مزايا القانون المقترح، يحتاج مشروع القانون إلى الخضوع لقراءة ثانية مخصصة لمناقشة تفصيلية وتعديل دقيق، قبل قراءة ثالثة، عادة ما تكون رسمية، بعد ذلك يجب مراجعته من قبل مجلس الشيوخ، والتوقيع عليه من قبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليصبح قانونًا.
يذكر مشروع القانون سبعة معايير يمكن بموجبها إدخال الإدارة الخارجية، مثل الشركات التي تنتج سلعًا مهمة اجتماعيًا، مع وجود مجال لإضافة تعديلات.
سيحمل الكيان الذي يعمل كإدارة خارجية حق تقديم عطاءات للأصول الأجنبية، بينما يُستبعد المالكون السابقون وأي شركات لها صلات بدول “غير صديقة”، وفقًا لوكالة الأنباء الروسية “إنترفاكس”.
أوضحت وزارة الاقتصاد الروسية، أن الفكرة هي اختيار الشركات لـ”الإدارة المؤقتة”، فقط في الحالات التي يكون فيها من الضروري حقًا توفير الإنتاج والوظائف المهمة للاقتصاد.
سيتم تطبيق القانون على أساس نقطة بنقطة، في الحالات الحرجة عندما يكون المئات أو الآلاف من الأشخاص، الذين يعملون في الشركات التي غادرت روسيا، معرضين لخطر الفصل.
العودة إلى الوراء
عند مناقشة هذا المشروع شفهيًا، بعد مضي أسبوعين من “الغزو” الروسي، حذر الملياردير الروسي وثاني أغنى رجل أعمال في روسيا فلاديمير بوتانين، من أن مصادرة أصول الشركات التي غادرت روسيا، ردًا على “غزوها” أوكرانيا، ستزعزع ثقة المستثمرين لعقود، وستعيد روسيا إلى الأيام المأساوية للثورة البلشفية عام 1917.
وقال بوتانين، إن على روسيا أن تستجيب بـ”براغماتية” (التعامل مع المشكلات بطريقة عملية) لاستبعادها من قطاعات كاملة من الاقتصاد العالمي.
وحذر أيضًا من “محاولة إغلاق الباب”، وحثّ على السعي للحفاظ على المركز الاقتصادي لروسيا في تلك الأسواق “التي أمضت وقتًا طويلًا في تربيتها”، حسب تعبيره.
وأوضح أن مصادرة الأصول من الشركات التي غادرت روسيا ستضع البلاد في حالة برودة للمستثمرين لعقود، وسيعيدهم ذلك 100 عام إلى الوراء، حيث واجهت روسيا افتقارًا عالميًا للثقة من جانب المستثمرين، بحسب وكالة “رويترز“.
لفت بوتانين إلى أن بعض الدول تستخدم العقوبات كوسيلة للتغلب على المنافسة، ويرى أن اقتصادات الغرب عانت من فرض عقوبات على روسيا، لذا وحسب قوله، فإن موسكو بحاجة إلى اتخاذ قرارات “حكيمة ومدروسة”.
تمهيد طريق العودة
ستغلق الولايات المتحدة السبيل الأخير لروسيا لتسديد ديونها البالغة مليارات الدولارات للمستثمرين الدوليين، ما يجعل تخلّف روسيا عن سداد ديونها للمرة الأولى منذ الثورة البلشفية أمرًا لا مفر منه.
منذ الجولات الأولى من العقوبات، منحت وزارة الخزانة البنوك ترخيصًا لمعالجة أي مدفوعات سندات بالدولار من روسيا لمالكي الديون عبر البنوك الأمريكية، لتنتهي هذه النافذة في منتصف ليل اليوم، الأربعاء 25 من أيار، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية.
ودون ترخيص استخدام البنوك الأمريكية، لن يكون لروسيا القدرة على سداد ديونها لمستثمري السندات الدوليين، إذ يستخدم “الكرملين” بنك “جي بي مورجان” و”سيتي جروب” كقنوات لدفع التزاماته.
وفقًا لمحامي الديون السيادية البارز، جاي أوسلاندر، الذي تولى سابقًا أزمات ديون أخرى مثل أزمة الديون في الأرجنتين، فإن معظم المستثمرين المؤسسين في الديون الروسية باعوا ممتلكاتهم.
وأولئك الذين ما زالوا يحملون الديون هم إما مستثمرون في الديون المتعثرة، وإما أولئك الذين يرغبون في الانتظار للتقاضي خلال السنوات القليلة المقبلة.
وأضاف أوسلاندر أن الأغلبية التي أرادت الخروج خرجت، مشيرًا إلى أن المشكلة الوحيدة هي العثور على مشترين.
كان المستثمرون على يقين تقريبًا من أن روسيا ستتخلّف عن السداد منذ شهور، وقامت عقود التأمين التي تغطي الديون الروسية بتسعير احتمالية التخلّف عن السداد بنسبة 80% لأسابيع.
في حين وضعت وكالات التصنيف مثل “Standard & Poor’s” و”Moody’s” ديون البلاد في عمق المنطقة غير المرغوب فيها.
لم تتخلّف روسيا عن سداد ديونها الدولية منذ ثورة 1917، عندما انهارت الإمبراطورية الروسية، وتخلّفت روسيا عن سداد ديونها المحلية في أواخر التسعينيات خلال الأزمة المالية الآسيوية، لكنها تمكّنت من التعافي من هذا التخلّف عن السداد من خلال المساعدات الدولية.
سيكون التخلّف عن السداد في روسيا هذه المرة ذا تأثير ضئيل على الاقتصاد العالمي، لأن روسيا معزولة عن الأسواق المالية العالمية منذ شهور، ويتوقع المستثمرون تخلّفًا عن السداد.
بمجرد التخلّف عن السداد، ستكون الخطوة المحتملة التالية هي أن تلجأ روسيا إلى المحاكم الأمريكية أو البريطانية أو الأوروبية، لتقول إنها اضطرت إلى التخلّف عن السداد بسبب ظروف خارجة عن إرادتها.
وهو مفهوم في التمويل يُعرف باسم “القوة القاهرة”، في محاولة لاستعادة مكانة في الأسواق المالية العالمية.
ومع ذلك، أوضح أوسلاندر أنه قد يكون من الصعب كسب هذه الحجة بسبب حقيقة أن روسيا انفصلت عن الأسواق المالية لأنها اختارت “غزو” أوكرانيا.
–