نشر الناشطون السوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور “قيصر” منذ 2020، دون استئذان ذويهم، معتبرين أنه سبيل لكشف انتهاكات النظام السوري، إلى جانب أن تلك الصور قد تساعد في التعرف إلى المعتقلين مجهولي المصير والمختفين منذ أعوام.
إلا أن هذا السلوك العشوائي في النشر يزيد من عذابات ذوي المعتقلين، خاصة أن الصور تظهر ملامح التعذيب والتشويه للضحايا، بالإضافة إلى مخاطر عدة قد تؤثر على قيمة تلك الصور من ناحية جنائية.
أصدرت “رابطة عائلات قيصر” و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، تقريرًا حقوقيًا تحت اسم “سجن بلا قضبان”، ترصد في أثر نشر المقاطع المسجلة، التي تتضمن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، على عائلات الضحايا.
ونظّمت الجهتان ندوة في 24 من أيار، لمناقشة خلاصة المقابلات والاستبيانات التي ضمنها التقرير، وأجريت مع 22 ممثلًا وممثلة عن 22 أسرة لضحايا تم التعرف عليهم ضمن صور “قيصر” المسربة عام 2014.
ويتحدث التقرير للمرة الأولى عن رأي العائلات بعمليات نشر صور “قيصر”، وإعادة النشر عدة مرات، وما تعرض له الأهالي من آثار نفسية خلال عملية التعرف، قبل الانتقال للبحث في حق الأسرة بمعرفة الحقيقة، ومن ثم التحديات القانونية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية التي تعيشها الأسر، جراء فقدان أبنائها، والتحديات التي رافقت رحلة البحث عن مصيرهم.
وضع نفسي متأزم
ويصعب توصيف الوضع النفسي لأسر الضحايا الذين يجدون صور أحبائهم بين ضحايا التعذيب في السجون السورية، كون كل صورة خلفها عشرات الأفراد الذين يتألمون من ناحية معنوية، بسبب تلك الصور.
نشر صور الضحايا يطال الحقوق المعنوية لأفراد الأسرة، فحين تتعقد الحالة والظروف التي يعيشها الفرد نتيجة لاختفاء أحد أفراد عائلته، وتتداخل معها العديد من الإشكاليات، لا تكون معاناة الأسرة نتيجة لحادث واحد، وإنما لأحداث متسلسلة بلغت ذروتها في لحظة اختفاء الفقيد.
تتجسد معاناة الأسرة في اضطرابات في النوم، بحسب التقرير، وكوابيس متكررة مرتبطة بالفقيد، ونوبات حزن شديدة قد تصل لنوبات بكاء مفاجئ، كما أن أفراد الأسرة صاروا يظهرون انفعالًا وتوترًا شديدين وقلقًا من أشياء بسيطة لم تكن تؤثر فيهم سابقًا، ولم تعد اللحظات السعيدة مكتملة بالنسبة لهم.
وعندما بدأ خبر نشر صور “قيصر” ومشاهدتها من قبل ذوي المعتقلين أو إبلاغهم بوجود صور لفقيدهم، تفاوتت الأعراض النفسية ضمن المشاركين في المقابلات الشخصية، فقد عبر بعضهم عن صعوبات شديدة في التركيز.
ولم تصل صورة الضحية كصورة لشخص واحد للتحقق منها لكل العائلات. كان على الكثيرين البحث ضمن أعداد كبيرة من الصور المسربة للتنقيب فيها وخدهم عن صورة فقيدهم، كان عليهم تحمل كل المشاعر المؤلمة والمشاهد القاسية في الصور المعروضة لفترة طويلة قبل أن يصلوا لصورتهم المنشودة.
ضوابط للنشر
منذ نشرها أول مرة، تحولت صور “قيصر” إلى مادة إعلامية تناقلتها صفحات إخبارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، “بلا هدف أحيانًا، وربما رغبة بالإثارة وجلب المشاهدات”، وفق التقرير، وبذلك يتم التشويش على الصور كوثائق، وقد يضعف ذلك من حجتها وقيمتها كأدلة جنائية.
وبحسب التقرير، يجب أن تكون هناك قواعد مهنية تُتبع عند نشر صور العنف، ودومًا هذا الأمر يتعلق بالسياق المهم لنشر مثل هذه الصور، كونه “لا يوجد حل سحري للتعامل مع تلك الصور”.
كما تضمن التقرير فصلًا كاملًا تحت اسم “إطار قانوني عام عن المفقودين والموتى”، اُستعرضت من خلاله القواعد المقررة عن المفقودين والموتى في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وتعرّف “اللحنة الدولية للصليب الأحمر” المفقودين بأنهم “الذين لا تعرف أسرهم مكانهم، أو على أساس معلومات يُعول عليها، أُعلن عن فقدهم فيما يتصل بنزاع مسلح دولي أو غير دولي، أو حالات العنف أو اضطرابات داخلية، أو أي وضع آخر قد يتطلب تدخل وسيط محايد ومستقل”.
وحتى يكتسب الشخص صفة المفقود لا بد من توافر مجموعة من الشروط:
1- أن يغيب عن أسرته وبيته، في ظروف يرتفع بها عادة احتمال الوفاة. نتيجة النزاعات أو الاضرابات الداخلية، الكوارث الطبيعية، التهجير القسري، النزوح، وعنف أجهزة السلطة.
2- أن ينقطع التواصل تمامًا بين هذا الشخص وأفراد أسرته.
3- لا يشترط القانون الدولي الإنساني مدة زمنية يجب انقضاؤها لاعتبار الشخص مفقودًا، بل هي مرتبطة بتحقق حالة من عدم اليقين لدى أسرته. ويصبح مصيره مجهولًا لا يستدل على حياته أو مماته على أساس معلومات موثوق بها.
وتتنوع الأسباب التي تنتهي بعدد من الضحايا في ملف المفقودين، أبرزها، بحسب التقرير، وفاة بعض العناصر التابعين لأحد أطراف النزاع أثناء العمليات العسكرية دون أن يستدل على هوياتهم، والهجمات وعمليات القتل الجماعي التي قد تؤدي لتشوه شديد في جثث الضحايا. التي تترك بين الأنقاض أو تدفن في مقابر جماعية دون التحقق من هويات أصحابها، أو إخطار ذويهم بمقتلهم.