جريدة عنب بلدي – العدد 47 – الأحد – 13-1-2013
عمر الأسعد
أيامَ الاحتلال الفرنسي لسوريا «1920 – 1946» كان يطلق اسم المندوب السامي على الحاكم العسكري الذي تعينه فرنسا لحكم البلاد. ربما تغير الزمان وتغيرت أوضاع سوريا منذ ذاك العهد حتى هذا اليوم، لكن يتضح أن «جوهر الحكم العسكري» لم يتغير، كما أن المندوب السامي لا زال يتحكم بمصائر البلد وأهلها بشدة ووحشية لا توصف.
هكذا أطل بشار الأسد بخطابه الأخير من دار الأوبرا على جمهور شبيحته فقط، إذ أن «باقي السوريين غير موجودين أصلًا»، والرجل كان صادقًا مع نفسه فلم يأت بأي جديد يضاف إلى لغة الدمار والتخوين ووعود القتل التي خبرها السوريون منه على امتداد 22 شهرًا من عمر ثورتهم. لا جديد سوى ما أسماه الأسد مبادرته للحل والتي تبين لاحقًا أنها نوقشت وأُقرّت في إيران، وأتى المندوب السامي ليرددها في عرضه المسرحي الأخير، ويخبرنا أنه ينوي البقاء في سدة الرئاسة حتى انتهاء ولايته وبعد انتهاء ولايته سيقرر الترشح لولاية جديدة. هكذا ببساطة وكأن شيئًا لم يكن، وكأن ستين ألف سوري لم يُقتلوا، وكأن مدنًا وقرى وبلدات على امتداد أرض سوريا لم تنسف وتهدم فوق رؤوس أصحابها الذين شردوا ونزحوا بين ليلة وضحاها، أو بين طلعة طائرة وقصف صواريخها «وهذه الأخيرة ربما تكون وحدة قياس جديدة للزمن يبتدعها السوريون من مأساتهم».
لم تمض على خطاب المندوب السامي في دار الأوبرا أيامٌ إلا وكانت صفقة تبادل الأسرى بين نظامه والجيش الحر قد تمت، وفيها أطلق النظام سراح ما يقارب 2200 معتقل سوري في السجون السورية! مقابل إطلاق سراح الجيش الحر لـ 48 إيرانيًا كان اعتقلهم في وقت سابق.
هذه الصفقة هي وكالة حصرية للنظام لم يسبق للتاريخ أن سجل شبهًا لها على الإطلاق، فلأول مرة تشهد البشرية مقايضة حاكم لشعب يفترض أن يكون منه بمعتقلين أجانب!
حتى في هذه الصفقة كان الأسد صادقًا مع نفسه، فما يُبقي الرجل في السلطة حتى الآن هو الرهان على العلاقة مع موسكو وطهران ولا علاقة تجمع الرجل بالشعب السوري.
لا جديد في الخطاب ولا غريب في عملية تبادل الأسرى إلا أن «الرئيس السوري» كشف أوراقه وقالها على العلن أنه مجرد «مندوب سامٍ لنظام طهران»، بالمقابل ستستمر معركة الاستقلال الثاني من جهة الثورة حتى يتحقق لنا الاستقلال عن دولة الاستبداد والفساد ونموذجها الأكثر انحطاطاً «الشبيحة»، هؤلاء أيضًا ليسوا غريبين عن النظام بل هم أبناء الطغمة الحاكمة في طور انحطاطها المطلق.