يعرض المسرح صور الناس بمختلف مشاعرهم داخل مجتمع ما، خصوصًا حين تثير النزاعات والأزمات هزات اجتماعية وفكرية طويلة الأمد، ترغم المشتغل بالفن على طرح أسئلة من خلال تجارب تمثيلية تُبرز ملامح مما يضطرب فيه هذا المجتمع، فتنطلق النصوص المسرحية بهذه الحالة من معالجة المسائل المجتمعية العامة إلى التعمق في جو المشكلات الإنسانية الفردية.
المسرح هو استجابة واعية قد تملك إجابات واضحة لفهم وتفكيك حياة الناس عبر عشرات القصص التمثيلية، ويمتلك سوريون مهارات فنية يمارسون من خلالها تجاربهم المسرحية، ويعيدون في الخارج اكتشاف قدراتهم بإرادة أقوى وحرية تعبير مطلقة عن مشاعر مختلفة، بعيدًا عن التأطير والرقابة الأمنية المعتادة في سوريا.
في 22 من أيار الحالي، منحت وزارة الثقافة الفرنسية وسام “الاستحقاق الفرنسي الوطني للفنون والآداب برتبة فارس” للممثلة السورية ناندا محمد، وذلك خلال لقائها مع السفير الفرنسي في القاهرة، مارك باريتي.
ونشرت ناندا عبر صفحتها في “فيس بوك” جزءًا من بيان وزارة الثقافة الفرنسية، الذي أوضح أن سبب هذا التكريم تقدير لموهبتها وعملها المسرحي وتميزها كممثلة مسرحية في مشاريع عربية وفرنسية، وإبداعاتها في المجال الفني ومساهمتها في تعزيز الفنون والأدب بفرنسا، وتوطيد العلاقة الثقافية بين فرنسا ومصر.
وبذلك تكون ناندا أول ممثلة سورية تحصل على هذا الوسام.
وجاء في كلمة السفير الفرنسي، “يسعدني أن أرى العديد منكم هذا المساء بمناسبة تقديم وسام الفروسية للفنون والآداب إلى ناندا محمد. لقد تمت ترقيتكِ الآن إلى رتبة فارس في الآداب والفنون بالجمهورية الفرنسية. إنه تقدير نقدمه لمواهبكِ المتعددة ونضالاتكِ الأكثر خصوصية”.
أصوات سورية في أوروبا
“المسرحيات التي قدمتها خلال الـ20 عامًا الماضية متنوعة جدًا، خصوصًا خلال الـ15 عامًا التي مضت، تنوعت بين العروض العربية، مصرية وسورية، في مهرجانات عدة”، وفق ما قالته الممثلة ناندا محمد في حديث إلى عنب بلدي.
أبرز تلك المهرجانات التي شاركت فيها ناندا في أوروبا هو مهرجان “أفينيون المسرحي الدولي” بفرنسا، الذي سيُعرض بدورته الـ76 خلال تموز المقبل.
“تضمّن تاريخ المهرجان كله خمسة أو ستة عروض عربية، وأنا شاركت بثلاثة عروض، وفي الوقت الحالي لدي العرض الرابع لعمل مسرحي سوري اسمه (التي سكنت البيت قبلي)، وهو نصوص من شعر رشا عمران وإخراج هنري جول جوليان، وعرضان من إنتاج أحمد العطار الذي أعمل في فرقته منذ تسعة أعوام في فرقة (المعبد)”.
وكانت مسرحية “بينما كنت أنتظر” سجلت حضورها في المهرجان قبل عدة أعوام، بعد عرضها في وقت سابق في العاصمة البلجيكية بروكسل والولايات المتحدة الأمريكية، وهي من تأليف محمد العطار وإخراج عمر أبو سعدة.
تناولت المسرحية مواضيع مرتبطة بالنزاع في سوريا من خلال مأساة إحدى العائلات، وهي مأخوذة عن قصة واقعية لشاب عُثر عليه فاقدًا الوعي نتيجة تعرضه للضرب قرب مستشفى بدمشق عام 2013، لكن ملابسات إصابته ووفاته لاحقًا تبقى غير واضحة.
كما شاركت ناندا في خمسة أعمال مسرحية مع فرقة “المعبد” المسرحية المستقلة (المصرية)، منها اثنان عُرضا في مهرجان “أفينيون”، وهما مسرحية “ماما” ومسرحية “العشاء الأخير”.
وشاركت ناندا تجاربها المسرحية بلغات عربية وأجنبية. وفيما يخص لغة النصوص المسرحية، تُعرض ترجمة بلغة البلد الذي تتم فيه المسرحية، وتكون هناك ترجمة قريبة دائمًا من الممثل، بحيث يستطيع الجمهور أن يراه وهو يقرأ كجزء من العرض.
وقدمت ناندا العديد من التجارب في الأداء المسرحي منذ تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق عام 2001، بمقابل قلة أعمالها في الدراما التلفزيونية.
ولعبت أدوارًا لافتة في التلفزيون والمسرح، من بينها مسلسل “عصي الدمع”، و”يوم ممطر آخر”، و”حارة عالهوا”، و”بطلوع الروح”، بالإضافة إلى نشاطها المسرحي، ومن أبرز أعمالها “التي سكنت البيت قبلي”، و”في عدالة الأسماك”، و”هوى الحرية”، و”قبل الثورة”، و”أمل”، و”نهاية الحب”، و”تحت سماء واطئة”، و”انظروا إلى الشوارع هكذا يبدو الأمل”.
وبعد عام 2011، دعمت ناندا الثورة السورية لحصول الشعب السوري على حقه في الحرية، وغادرت سوريا عام 2012 إلى القاهرة حيث تقيم حتى اليوم.
–