عنب بلدي– حسن إبراهيم
ارتفعت وتيرة الاستهدافات والاشتباكات بين قوات فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على خطوط المواجهة التي تفصل بين الطرفين في ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي رأس العين وتل أبيض، شمالي سوريا.
ولم يقتصر الأمر على هذه الفصائل، إنما صعّدت الجهات الداعمة لها أيضًا، ورفعت “قسد” والنظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون حدة القصف على مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، قابله استهداف الأخير والقوات التركية مناطق سيطرة “قسد” والنظام.
استهداف تركي شبه يومي
تجلت حدة التوتر في المنطقة بإعلان كل طرف مقتل واستهداف عناصر ومقاتلين في الطرف الآخر، إذ تعلن تركيا بشكل شبه يومي عن “تحييد” واستهداف مقاتلين في صفوف “قسد” ذات النفوذ العسكري في شمال شرقي سوريا، والمدعومة من واشنطن.
وتعتبر تركيا “قسد” امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” الذي تعتبره تركيا تنظيمًا “إرهابيًا”، وهو ما تنفيه “قسد” رغم إقرارها بوجود مقاتلين من الحزب تحت رايتها، وشغلهم مناصب قيادية.
وتصنّف تركيا “العمال الكردستاني” على قوائم “الإرهاب”، كما أن الحزب مصنّف على قوائم “الإرهاب” لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأوروبية.
ونشرت وزارة الدفاع التركية، في 20 من أيار الحالي، تسجيلًا مصوّرًا قالت فيه إن قواتها “حيّدت” خمسة مقاتلين من حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، و”وحدات حماية الشعب” (YPG)، حاولوا التسلل إلى منطقة عمليات “نبع السلام” (مناطق من ريف محافظتي الرقة والحسكة).
وفي 19 من أيار الحالي، قالت وزارة الدفاع التركية، إنها قتلت 19 مقاتلًا من “قسد” على خطوط التماس مع مناطق نفوذ “الجيش الوطني”، شمالي محافظة حلب.
عمليات استهداف القوات التركية لا تقتصر على الجنود والعناصر، إنما تكرر استهدافها لقيادات في أحزاب كردية تعتبرها “إرهابية”، منها استهداف القيادي في حزب “العمال الكردستاني” أكرم أوستك، بهجوم جوي بواسطة طائرة مسيّرة استهدفت منزل القيادي، ما أدى إلى مقتله، في منطقة عين العرب شمالي سوريا، في 11 من أيار الحالي.
وسبق استهداف أوستك بحوالي شهر “تحييد” قيادي آخر يُدعى محمد أيدن، في مدينة الدرباسية بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، وفقًا لما نقلته وكالة “الأناضول” التركية، في 17 من نيسان الماضي.
النظام وروسيا على الخط أيضًا
تعلن الأحزاب الكردية بشكل شبه يومي عن مقتل جنود وعناصر من القوات التركية على جبهات وخطوط التماس بريف حلب، كما تنشر وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية” المظلة السياسية لـ”قسد”، بشكل متكرر أخبارًا عن عمليات استهداف تتخللها إحصائيات لعدد القتلى في صفوف القوات التركية.
وفي 18 من أيار الحالي، قالت “هاوار”، إن القوات الكردية قتلت 46 جنديًا تركيًا وأصابت ستة آخرين، وأسقطت ثلاث طائرات مسيّرة قرب خطوط التماس بينهما، تبعه بيوم، في 19 من الشهر نفسه، إعلانها عن مقتل 15 جنديًا أيضًا، في حين لم تعلن الدفاع التركية أو فصائل “الوطني” عن هذه الأعداد.
وفي 13 من أيار الحالي، استهدف الطيران الحربي الروسي بالصواريخ الفراغية محيط قرية كفر جنة، التابعة لناحية شران بريف مدينة عفرين، الواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني”.
وجاء الاستهداف بعد أن شهدت أجواء شمال غربي سوريا تحليقًا مكثّفًا للطيران الحربي وطيران الاستطلاع الروسي، وأفاد مراسل عنب بلدي في ريف حلب، أن الطيران الروسي استهدف مقرًا لـ”فرقة السلطان مراد” بمنطقة عفرين، ونفّذ أربع غارات في المنطقة.
ولم تصدر إحصائية رسمية بعدد القتلى أو الإصابات، سواء من مصدر طبي أو من الفصيل، في حين تناقلت شبكات محلية أخبارًا عن إصابة ثلاثة عناصر في صفوف الفصيل.
وفي نفس اليوم، تعرّضت نقطة تركية عسكرية لقصف مدفعي مصدره مناطق سيطرة قوات النظام في بلدة قبتان الجبل وعنجارة بريف حلب الغربي، دون تسجيل إصابات.
كما تعلن وزارة الدفاع التركية بشكل دوري عن مقتل جنود لها في مناطق نفوذ “الجيش الوطني”، وفي 12 من أيار الحالي، قُتل جندي تركي وأُصيب ثلاثة آخرون بالإضافة إلى امرأة جراء إطلاق قذائف صاروخية من منطقة عين العرب شمالي سوريا باتجاه مخفر حدودي للجيش التركي في منطقة كركميش الحدودية التابعة لولاية غازي عينتاب.
وأوضحت وزارة الدفاع حينها، أن القوات البرية التركية استهدفت بشكل مكثّف مواقع شرق وغرب نهر “الفرات” شمالي سوريا، وأشارت إلى مشاركة طائرات مسيّرة مسلحة ومدافع ثقيلة في العملية العسكرية.
وأكدت وكالة “هاوار” عمليات القصف والاستهداف حينها، دون الإشارة إلى حجم الأضرار الناتجة عن القصف المستمر على مناطق نفوذها.
وتحدثت شبكات مقربة من “قسد” ومن “الجيش الوطني”، في 7 من أيار الحالي، عن مقتل عنصرين لقوات النظام السوري، جراء قصف من الجيش التركي استهدف مواقع مشتركة بين مناطق سيطرة “قسد” وقوات النظام السوري في قرية زيارة، دون إفصاح رسمي من قبل النظام السوري.
كما تتعرض مناطق سيطرة “الجيش الوطني” لقصف متكرر مصدره مناطق سيطرة “قسد” والنظام السوري، وغالبًا ما تنفي “قسد” مسؤوليتها عن استهداف مناطق مأهولة بالسكان شمالي حلب، وهو ما يُخلّف ضحايا مدنيين في كثير من الأحيان، في حين تعتبرها سلطات المنطقة الجهة المسؤولة عن القصف.
رسائل من موسكو
الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي أوضح في حديث إلى عنب بلدي أن خروقات وقف إطلاق النار من جانب النظام وحليفه الروسي لم تنقطع منذ اتفاق “موسكو”، أو اتفاق “وقف إطلاق النار”، الموقّع بين روسيا وتركيا، في 5 من آذار عام 2020، مع حرص كبير من كلا الجانبين على ألا يتحول التصعيد العسكري إلى حرب شاملة.
ويرى النيفي أن سبب ارتفاع وتيرة القصف والاستهداف المتبادل بين تلك القوات، هو أن روسيا لديها رسائل تريد إيصالها للمعارضة السورية وللجانب التركي معًا، وأرادت أن تكون رسائلها كالعادة محمولة على “حمم وقاذفات الموت”.
الرسالة الأولى، بحسب المحلل السياسي، هي امتعاض روسي، إذ أراد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يؤكد لتركيا أن استبعاده من مؤتمر “بروكسل” للمانحين الذي عُقد في 9 و10 من أيار الحالي، لا يلغي امتلاكه أوراقًا أكثر قوة، بل تدميرًا.
وعُقد مؤتمر “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” في العاصمة البلجيكية بروكسل بدورته السادسة بمشاركة ممثلين عن حكومات ومنظمات دولية وإقليمية، ومنظمات المجتمع المدني، لجمع مساعدات مالية من المانحين لدعم برنامج المساعدات الأممية لملايين اللاجئين السوريين في دول الجوار، بغياب روسيا بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي عدم دعوتها بسبب “غزوها” أوكرانيا.
ويعتقد النيفي أن الرسالة الثانية هي أن بوتين يريد القول إنه لا يزال هو المتحكّم بالوضع السوري، على الرغم من سحب بعض قواته وقواعده البرية من المطارات السورية.
وتصاعد الحديث منذ نيسان الماضي عن تخفيض روسيا عدد قواتها العسكرية في سوريا، لتعزيز جبهتها القتالية في أوكرانيا، وتداول ناشطون خلال الأيام القليلة الماضية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صورة بلاغ حول التعبئة، يتحدث عن ضرورة التحاق المواطنين الروس الذين تبلغوا دعوة من هذا النوع بالعملية العسكرية، مع الإشارة إلى أن السلطات ستراجع عائلاتهم وأقاربهم في حال تخلّفهم عن الالتحاق.
كما نشر موقع “The Moscow Times”، وهو موقع إلكتروني لصحيفة كانت تصدر بشكل دوري كل ثلاثة أشهر، وتقدم رواية لا تنسجم كثيرًا مع الرواية الروسية الرسمية، خبرًا يتحدث عن تقليص موسكو خلال المرحلة الراهنة عدد قواتها في سوريا، الذي قدّره الموقع بأكثر من 60 ألف عسكري، نصفهم من الضباط، مبررًا تخفيض العدد بمتابعة عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
ورغم التصعيد الروسي الذي تشهده المنطقة، لا يعتقد المحلل النيفي أنه سيتطور إلى حرب واسعة، نظرًا إلى انهماك روسيا في “غزوها” لأوكرانيا من جهة، وكذلك لعدم رغبة روسيا في خسارة الموقف التركي الذي لا يزال شبه محايد حيال “غزو” أوكرانيا من جهة أخرى.
إيران من بعيد
للميليشيات والقوات التابعة لإيران دور أساسي وضلوع في عمليات التصعيد الحالية، وفق ما نشره مركز “جسور للدراسات“، الذي تحدّث عن وقوفها خلف القصف الذي تعرضت له القاعدة العسكرية التركية من منطقة قبتان الجبل غربي حلب، في 13 من أيار الحالي.
وذكر المركز أن إيران استقدمت هذه الميليشيات كتعزيزات عسكرية إلى غربي حلب، ونشرتها في مواقع تطلّ على مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، منذ مطلع نيسان الماضي.
ويعكس التصعيد الجديد، بحسب مركز “جسور”، عودة إيران إلى المشهد العسكري بشكل واضح، بعد المؤشرات على رغبتها باستعادة الزخم في المشهد السياسي، من خلال زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى طهران في 8 من أيار الحالي.
وتستفيد إيران مؤخرًا من الظرف العسكري الذي تعيشه موسكو، وتستغله بتعزيز العديد من مواقعها، إذ وصلت، في 22 من نيسان الماضي، تعزيزات عسكرية لـ”الحرس الثوري الإيراني” إلى مطار “دير الزور” العسكري، قاعدة الروس العسكرية شرقي سوريا.
وضمت تلك التعزيزات أكثر من 40 شاحنة مغطاة اللوحات، وعناصر ميليشيات تابعة لـ”الحرس الثوري”، وفق ما نقلته شبكة “دير الزور 24” المحلية، حينها.
كما تحدثت شبكات محلية وناشطون معارضون، في نيسان الماضي، عن انسحاب القوات الروسية من مطار “تدمر” العسكري، وتسليمه لقوات إيرانية.