أجانب في سوريا.. النظام يزيّف الواقع عبر “اليوتيوبرز”
عنب بلدي– محمد فنصة
كثّفت حكومة النظام السوري دعاياتها للسياحة، منذ أن تمكّنت قواتها من استعادة مناطق واسعة من سيطرة الفصائل المعارضة في السنوات الأخيرة. ومن إحدى طرق الدعاية، استغلال جولات “اليوتيوبرز” الأجانب، لغرض تنشيط السياحة من جهة، ونشر رواية النظام لما حدث في سوريا من جهة أخرى.
وفي الأيام الماضية، تناقلت وسائل إعلام محلية صورًا مأخوذة من محتوى “يوتيوبر” بريطاني، يدعى سيمون ويلسون، ينشط في مجال السفر بين بلدان العالم، وتوثيق رحلاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به.
واستشهدت وسائل الإعلام السورية بحديثه عن جمال المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وعن “حالة الأمان” التي تعيشها البلاد، مشيرة إلى أن سوريا أصبحت وجهة لصنّاع المحتوى الأجانب.
روايات مضللة
يُعرف عن السياح الأجانب التخطيط والتنظيم لرحلاتهم السياحية باختلاف وجهاتها، لكن عندما يتعلق الأمر بسوريا، يعترف صنّاع المحتوى الأجانب القادمون إلى سوريا بعدم امتلاكهم أي خطة سياحية، أو حتى معرفة الأماكن التي سيقصدونها، مُعتمدين بذلك بشكل كلي على “الدليل السياحي” المرافق لهم منذ دخولهم إلى سوريا وحتى خروجهم منها.
ويُشرف “الدليل السياحي”، أو الشركة السياحية التي ينتمي لها الدليل، على كامل مسار رحلة “اليوتيوبر”، وعلى أماكن الإقامة كالفنادق، وأيضًا المناطق التي سيمر بها، ويظهر على “اليوتيوبر” في محتواه العديد من لحظات الضياع لعدم معرفة وجهة الذهاب أو مكان الإقامة، ما يُتيح للجهة المُنظمة لرحلة صانع المحتوى التحكم بما سوف يراه من مناطق.
وبسبب كثرة الأبنية المدمرة في مناطق النظام، ومنها ما هو قريب من المناطق الأثرية أو السياحية، أو من القرى المدمرة الموجودة على طريق السفر بين المحافظات، يسأل “اليوتيوبر” مرافقه (الدليل) عما حصل لتلك المباني، لينقل له رواية النظام السوري عما جرى، وأن “الأمان” التي تعيشه المناطق السورية بفضل جهود قوات النظام.
ورصدت عنب بلدي خلال محتوى البريطاني ملاحقة سيارة يُشتبه بأنها تتبع لعناصر أمن النظام، ما يدعم فرضية التحكم بالمحتوى المنشور عند “اليوتيوبرز” الأجانب.
“يوتيوبر” آخر، تركي الأصل، زار سوريا قبل عام 2011، وأراد استكشاف وضعها الحالي بمفرده، اُعتقل في أثناء تصويره لقلعة “حلب” من قبل جنود يتبعون للنظام، وبعد التحقق من أنه لم يكن يصور أي جنود أو مظاهر عسكرية، والتحقق من هويته وسبب قدومه إلى سوريا، أُفرج عنه بعد التعهد بتقديم تقرير يومي عن الأماكن التي زارها أو أقام فيها، بحسب صانع المحتوى.
وتبدو الصورة في مقاطع “اليوتيوبر” التركي أقرب إلى الواقع، إذ تكثر فيها مشاهد الأبنية المدمرة والشوارع الخالية من السيارات، وصور رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المنتشرة في كل الأماكن، ومع ذلك لا يتطرّق صاحب المحتوى إلى الأسباب أو المسؤولية عن الوضع الحالي في سوريا بمقاطعه المصوّرة، ولا عن الوضع الاقتصادي أو الإنساني الصعب الذي يعيشه السكان.
عنب بلدي سألت مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، عن رأيه بهذه الظاهرة، وقال إن معظم صنّاع المحتوى، عن “سوء نية وتنظيم”، يُتيحون للنظام الاستفادة من ظهورهم الإعلامي في الترويج لعودة الحياة الطبيعية والاستقرار إلى المناطق التي تحت سيطرته، دون وجود أي تنسيق مسبق مع النظام، لتلميع صورته.
وتساءل الحقوقي، هل “سوريا الآمنة” التي أحس بها صنّاع المحتوى، ويصدرون بها مقاطعهم على “اليوتيوب”، هي آمنة أيضًا للسوريين، أو لمن ينتقد المعيشة أو النظام الحاكم، أو هل “الحياة الطبيعية” التي شهدها “اليوتيوبرز”، هي أيضًا طبيعية لمن تجمّع تحت جسر “الرئيس” أوائل الشهر الحالي بانتظار أقربائه المعتقلين.
“يوتيوبر”، مصطلح إنجليزي يطلق على صانع المحتوى المرئي على منصة “يوتيوب”، الذي يمتلك جمهورًا مهتمًا بمحتواه وعمله، على اختلاف نوع المحتوى وموضوعه وطريقة عرضه.
“فلوج”، مصطلح إنجليزي يطلق على التدوين المرئي عبر التصوير المتحرك، وغالبًا ما يُنشر على منصة “يوتيوب”.
عناوين برّاقة تجتزئ الحقائق
عنون “اليوتيوبر” الأذربيجاني داوود أخوندزادا، مقطعًا لرحلته في سوريا على “اليوتيوب”، بـ”هذه هي أرخص مدينة في العالم”، ويظهر صانع المحتوى في المقطع المصوّر وهو يتجول في أسواق دمشق برفقة “دليلته السياحية”، التي تعرض له أصناف المواد الغذائية والتوابل الموجودة في السوق، ليقوم داوود بشراء بعضها ومقارنة سعرها بالدولار، في إشارة إلى رخص أسعار المدينة.
لكن بحسب المنظمات الأممية، فإن سوريا تشهد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الغذاء، إذ حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من تفاقم أزمة الغذاء في سوريا جرّاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتجاوز الـ800% خلال العامين الماضيين، ما تسبب بوصول أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2013.
وقال المدير التنفيذي للبرنامج، ديفيد بيزلي، عبر بيان، في 8 من أيار الحالي، إن ملايين العائلات السورية تمضي أيامها قلقة من كيفية حصولها على الوجبة التالية، مشيرًا إلى ضرورة التحرك الفوري لإنقاذ السوريين من مستقبل “كارثي”.
وتتنوع عناوين المقاطع المصوّرة التي قدمها صانع المحتوى عن سوريا، بما يظهر البلد الآمن والأسعار الزهيدة وما تحتويه من تجارب اجتماعية، وجولات بمناطق سياحية، وأكلات سورية.
في حين تُظهر تعليقات السوريين على مقطع البريطاني ويلسون في دمشق المنشور في صفحات الإعلام المحلي، نوعًا من السخرية والاستنكار، مقابل الترويج للصورة الجميلة في سوريا.
ويرى بسام الأحمد، أن الكثير من “اليوتيوبرز” يذهبون إلى سوريا كنوع من التحدي والأسبقية بين صنّاع المحتوى، بعكس الرؤية العالمية لانعدام الأمن في سوريا، دون إظهار جميع الجوانب المحيطة بالقضية السورية.
ويسهم النظام السوري في السيطرة على المحتوى الظاهر لدى “اليوتيوبرز”، بحيث يسمح فقط بتصوير مظاهر الحياة الطبيعية والمناطق الآمنة، بالإضافة إلى المناطق السياحية، في حين يمنع إظهار الأحياء الفقيرة والمدمرة، أو الأشخاص الذين يعانون من الفقر والجوع وانعدام الأمن، كما فعل بحذف مقطع التجمعات تحت جسر “الرئيس” من إحدى الإذاعات المحلية، بحسب الأحمد.
وفي 18 من أيار الحالي، دخل قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية حيّز التنفيذ، وبحسب ما نشره موقع رئاسة مجلس الوزراء، يهدف القانون إلى مكافحة الجريمة المعلوماتية “بما يتوافق مع التطور التقني الحاصل وارتفاع نسبة انتشارها في المجتمع”، وحماية المصالح القانونية، وتنظيم الحريات في العالم الافتراضي، والحد من إساءة استعمال الوسائل التقنية.
وفي مطلع نيسان الماضي، نشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية، تقريرًا رصدت فيه الانتهاكات الناجمة عن تعميم وزارة العدل في حكومة النظام رقم “3” لعام 2022، المرتبط بجرائم المعلوماتية في سوريا.
وبحسب المنظمة الحقوقية، سيكرس هذا التعميم تعطيل حرية الرأي والتعبير التي هي في الأصل منقوصة بشكل كبير في سوريا وشبه معدومة، على الرغم من أنها مصونة نظريًا بالمادة رقم “42\2” من الدستور السوري الصادر عام 2012.
وبذلك فإن حكومة النظام توجه رسالة واضحة، وفق التقرير، إلى السوريين مفادها، أن الملاحقة القضائية ستطال كل من ينتقد السلطة والأشخاص المسؤولين فيها، وخصوصا مع تصاعد حدة النقد في الآونة الأخيرة من قبل الناس لأداء الحكومة وعجزها عن تأمين المواد الأساسية، وموجة غلاء الأسعار وانتشار الفقر بين السوريين، وصعوبة تأمين الكهرباء ومحروقات التدفئة للأهالي في مناطق سيطرتها.
وجاءت سوريا في المرتبة 171 على مؤشر “حرية الصحافة” الخاص بمنظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2022، والذي شمل 180 بلدًا، وسط استمرار القيود الكاملة على عمل الصحفيين في جميع المناطق الخاضعة لأطراف النزاع.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :