عنب بلدي– مأمون البستاني
تصاعدت خلال الأسبوع الماضي قضية انضمام كل من السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد إعلان الدولتين الاسكندنافيتين عزمهما الانضمام للحلف نتيجة للتطورات الأمنية التي أفرزها “الغزو” الروسي لأوكرانيا، في 24 من شباط الماضي.
وقوبلت رغبة السويد وفنلندا بالانضمام لـ”الناتو” بتأييد أمريكي وغربي، في حين شكّل الرفض التركي العقدة البارزة أمام ذلك، إذ أبدت تركيا، أحد أعضاء “الناتو” الـ30، رفضها المطلق لانضمام الدولتين، متهمة إياهما بدعم جماعات تصنفها أنقرة “إرهابية”.
تقديم طلب رسمي رغم التحفظ التركي
رغم التحفظ التركي، تقدمت السويد وفنلندا، في 18 من أيار الحالي، بطلب رسمي للانضمام إلى الحلف في مقره بمدينة بروكسل.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أعلن، في 13 من أيار الحالي، عن تحفظ بلاده حيال مسار انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”، وذلك بعد يوم واحد من إعلان الدولتين عزمهما الانضمام للحلف.
وصرح أردوغان للصحفيين في اسطنبول، أن بلاده لا تتعاطى بإيجابية مع انضمام السويد وفنلندا لـ”الناتو”، مشيرًا إلى أن “الدول الاسكندنافية أصبحت مثل دار ضيافة للتنظيمات الإرهابية”، ومن بينها حزب “العمال الكردستاني” (PKK).
وأضاف أن تلك الدول رفضت عشرات الطلبات الرسمية لتسليم أشخاص يتبعون لتلك التنظيمات إلى القضاء التركي، كما أنها تقدم دعمًا عسكريا ولوجستيًا لتلك الجماعات، في إشارة إلى حزب “PKK” وأذرعه في سوريا.
وقال أردوغان، إن بلاده لا تريد ارتكاب نفس الخطأ الذي ارتكبه الساسة الأتراك السابقون، عندما قبلوا بانضمام اليونان إلى “الناتو”، “أخطأنا بشأن انضمام اليونان إلى (الناتو) من قبل، ونعلم مواقف أثينا تجاه تركيا بعد احتمائها بالحلف”.
عدم التوصل إلى حل حول سوريا
هذا الموقف التركي الصارم، دفع كلًا من السويد وفنلندا للتفاوض مع تركيا، وعقد اجتماعات دبلوماسية عدة، منها اجتماع ثلاثي عُقد في 15 من أيار الحالي، بين وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ونظيرته السويدية، آن ليندي، ونظيره الفنلندي، بيكا هافيستو، في العاصمة الألمانية برلين، على هامش الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية “الناتو”.
وأعلنت ليندي حينها عدم التوصل إلى حل مع تركيا بخصوص المجموعات الناشطة شمالي سوريا، في إشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تنشط في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” بشمال شرقي سوريا.
وقالت ليندي، “نحن نعتبر (PKK) تنظيمًا إرهابيًا، لكننا لا نرى الشيء ذاته بالنسبة للمجموعات الناشطة شمالي سوريا، نحن نتواصل مع المنظمات الكردية في شمالي سوريا كما تفعل الولايات المتحدة وغيرها من دول (الناتو)”.
وكان جاويش أوغلو صرح قبل الاجتماع، أن “أي دولة ستكون عضوًا في الحلف، يجب ألا تدعم تنظيم (PKK) الإرهابي”، مشيرًا إلى أن كلتا الدولتين تقدم دعمًا علنيًا لـ” PKK” وذراعه في سوريا (وحدات حماية الشعب– YPG)، رغم جميع التحذيرات.
“الإدارة الذاتية” في سوريا (المظلة السياسية للأحزاب الكردية في شمال شرقي سوريا) أصدرت بيانًا، في 16 من أيار الحالي، اتهمت فيه حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا بأنه “يمارس سياسات عنصرية إنكارية تجاه تطلعات شعوب ومكوّنات المنطقة في رسم مستقبلها للعيش بحرية وكرامة إنسانية لا سيما الشعب الكردي”، بحسب البيان.
كما انتقدت “الإدارة الذاتية” معارضة الرئيس التركي انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”، معتبرة أنه “يرسم سياسات العالم وفق مقاساته”.
فرصة تركية للضغط
الباحث السويدي المختص بالشأن السوري آرون لوند، وهو زميل بمؤسسة “القرن” The Century Foundation))، وباحث في الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع (FOI)، قال إن “أردوغان وحده يعرف إلى أي مدى يستطيع الذهاب في منع عضوية السويد وفنلندا بـ(الناتو)، خاصة إذا تعرضت تركيا لضغوط من الولايات المتحدة ودول الحلف الأخرى”.
وأضاف لوند، في حديث إلى عنب بلدي، مؤكدًا أنه لا يتحدث باسم “FOI” أو الحكومة السويدية، وإنما عن رأيه الشخصي، “من وجهة نظر عسكرية وأمنية، من الواضح أن من مصلحة تركيا تعزيز الجناح الشمالي لحلف (الناتو) من خلال قبول السويد وفنلندا كعضوين، لأن هذا سيزيد من إمكانات الحلف الدفاعية في مواجهة روسيا، ويجبرها على تركيز المزيد من قواتها العسكرية في شمال أوروبا وبحر البلطيق، بعيدًا عن تركيا ومنطقة البحر الأسود”.
“في الوقت نفسه، هناك خلافات سياسية حادة بين تركيا والسويد بالدرجة الأولى وفنلندا بالدرجة الثانية. من الواضح أن أردوغان يرى فرصة للضغط على هاتين الدولتين”، بحسب لوند.
ثلاثة مطالب تركية
ووفقًا لما قاله لوند لعنب بلدي، قدّم دبلوماسيون أتراك ثلاثة مطالب إلى السويد، وهي:
1- توقف السويد عن دعم “الإدارة الذاتية” التي يقودها الكرد في شمال شرقي سوريا.
2- تسليم طالبي اللجوء المرتبطين بحزب “العمال الكردستاني” أو حركة “غولن” إلى تركيا.
3- إلغاء حظر الأسلحة المفروض في عام 2019 والذي يبدو رمزيًا بشكل أساسي، إذ لم يكن لدى السويد أي تصدير كبير للأسلحة إلى تركيا قبل عام 2019.
وأضاف أنه من الناحية العملية، قد يكون أردوغان يأمل أيضًا أن تتدخل الولايات المتحدة لحل المشكلة، من خلال تقديم تنازلات بشأن قضايا أخرى لتركيا. وعلى سبيل المثال، تتفاوض تركيا بشأن شراء طائرات مقاتلة من طراز “F-16” من الولايات المتحدة. ويسعى أردوغان أيضًا لعقد اجتماع علني مع نظيره الأمريكي، جو بايدن، الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة حتى الآن.
تركيا في “موقف قوي”
بحسب ما قاله لوند، “يبدو أن لتركيا يدًا قوية نسبيًا في الوقت الحالي، حيث تحتاج السويد وفنلندا إلى موافقة تركيا للانضمام إلى (الناتو)، ولا توجد طريقة أخرى لتجاوز هذه المسألة”.
وأشار إلى أنه في الحالة السويدية، هناك تعقيد إضافي يتمثل في اقتراب موعد الانتخابات في الخريف المقبل، وتريد الحكومة أن تكون قضية “الناتو” على المسار الصحيح بحلول ذلك الوقت.
ومن ناحية أخرى، تركيا ليست مقيّدة بموعد نهائي تجاه المسألة، ولديها القدرة على تأخير انضمام السويد إلى حلف “الناتو” للمدة التي تريدها، بافتراض أنها تستطيع التعامل مع ردود الفعل السلبية والضغط من قبل دول الحلف الأخرى، إلا أن قرار الرفض التركي ليس دائمًا، إذ يمكن لأردوغان تغيير رأيه والموافقة على انضمام السويد لاحقًا.
وأشار لوند إلى أن من الممكن التوصل إلى حل وسط، لكن من غير المرجح أن تلبي السويد جميع مطالب تركيا، مؤكدًا أن من مصلحة كل من تركيا والسويد، وبالتأكيد فنلندا أيضًا، إيجاد حل توافقي يحفظ ماء الوجه، لكن من غير الواضح كيف سيبدو شكل هذا الحل أو الصيغة التي سيتخذها.
القانون وقضية تسليم المطلوبين
عن مطالب تركيا بتسليمها أشخاصًا يعيشون في السويد، أوضح لوند أن القانون السويدي صارم للغاية فيما يتعلق بقضايا اللجوء والتسليم، التي تخضع بشكل أساسي للمحاكم.
وقال لوند، “من المستحيل تقريبًا على أي حكومة سويدية تلبية طلب التسليم، حتى لو أرادت ذلك. ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة التركية تدرك مدى تعقيد قضية التسليم من وجهة النظر القانونية السويدية.
دعم “الإدارة الذاتية”
أكد لوند أن الحكومة السويدية لطالما كانت داعمة للمعارضة السورية وانتقدت بشدة النظام السوري، وهي جهة مانحة إنسانية كبيرة لسوريا بالنسبة لحجمها، مشيرًا إلى أن السويد لم تشارك عسكريًا في سوريا ولم تقدم أسلحة إلى أي جانب.
وذكر أن السويد استقبلت حوالي 200 ألف لاجئ سوري. وبالنظر إلى أن السويد تحتوي عشرة ملايين نسمة فقط، هذا هو أكبر عدد من اللاجئين السوريين بالنسبة لعدد سكان البلد المضيف في أي دولة خارج الشرق الأوسط.
وأوضح لوند أنه “في السنوات الأخيرة، أعرب دبلوماسيون سويديون عن دعمهم المتزايد لـ(الإدارة الذاتية)، والتقوا بمسؤوليها في عدة مناسبات، بما في ذلك لمناقشة قضية المواطنين السويديين المحتجزين في مخيم (الهول). انتقدت الحكومة السويدية بشدة هجمات تركيا على (قسد)، بما في ذلك تدخل عام 2019″، في إشارة إلى العملية العسكرية (نبع السلام) التي نفذتها القوات التركية بمشاركة فصائل المعارضة في شمال شرقي سوريا.
لوند قال في ختام حديثة لعنب بلدي، “على غرار الولايات المتحدة، تميز الحكومة السويدية رسميًا بين حزب (العمال الكردستاني) و(وحدات حماية الشعب) الكردية، حيث تصنف الحزب على أنه جماعة إرهابية منذ الثمانينيات، حتى قبل أن يتبنى الاتحاد الأوروبي هذا التصنيف. في الوقت نفسه، لم تدرج (وحدات حماية الشعب) كجماعة إرهابية”.