كيف يغير حظر الهند تصدير القمح شكل الأسواق العالمية
أدى الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى تقليص جزء كبير من إمدادات القمح من منطقة البحر الأسود، تاركًا فجوة عرض واسعة، وهو وضع كان التجار الهنود يتطلعون في وقت سابق إلى الاعتماد عليه، إذ توقعوا ارتفاع الصادرات في “عام التسويق” 2022- 2023.
لكن حظر الهند صادرات القمح وجّه ضربة جديدة للأسواق العالمية التي تعاني بالفعل من نقص الإمدادات بسبب مشكلات الإنتاج في قوى التصدير التقليدية في كندا وأوروبا وأستراليا وتعثر خطوط الإمداد في منطقة البحر الأسود التي مزقتها الحرب.
قفزت العقود الآجلة المعيارية للقمح، في أعقاب حظر الهند صادرات القمح سارية المفعول، في 14 من أيار، ما أثار القلق بين الشركات التجارية والمستوردين الذين كانوا يعتمدون على ملايين الأطنان من القمح الهندي المتاح للشحن خلال الأشهر المقبلة.
كما دفع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، بنك الهند إلى رفع أسعار الفائدة هذا الشهر لأول مرة منذ أربع سنوات، وسيكون حظر تصدير القمح بمثابة “تغيير في الشكل” للأسواق العالمية، وفقًا لما جاء في تقرير صادر عن “فايننشيال تايمز” البريطانية، في 17 من أيار.
الحظر وهشاشة سلاسل التوريد
فرضت الحكومة الهندية قيودًا على صادرات القمح لكبح جماح الأسعار المحلية للحبوب الغذائية، وفقًا لإخطار صادر في 14 من أيار في الجريدة الرسمية من المديرية العامة للتجارة الخارجية، باستثناء الشحنات التي تتضمن خطاب اعتماد غير قابل للإلغاء قبل القرار.
أعلنت الهند عن الحظر بعد أيام فقط من توقعات وزارة الزراعة الأمريكية بانخفاض إنتاج القمح العالمي لأول مرة منذ أربع سنوات.
ومن المحتمل أن يؤدي الحظر إلى منع إمدادات ضخمة من الأسواق في وقت كان فيه العرض العالمي ينخفض بالفعل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الحرب القائمة في أوكرانيا.
يأتي هذا التحول المفاجئ بعد شهرين من موجات الحر الشديدة في الهند، مع درجات حرارة تصل إلى 45 درجة مئوية عبر مساحات من حزام القمح، أدت إلى توقف الإنتاج، ولا تزال فترة الراحة من موسم الرياح الموسمية السنوية على بعد أسابيع.
الهدف الرئيسي من الحظر، وفقًا لما جاء في الإخطار، هو السيطرة على ارتفاع الأسعار المحلية، إذ يهدد ارتفاع الأسعار العالمية للقمح الأمن الغذائي للهند والدول المجاورة والضعيفة.
وكانت أسعار القمح العالمية ارتفعت بأكثر من 40% منذ بداية العام.
دفع ارتفاع الأسعار المحلية نتيجة انخفاض الإنتاج إلى جانب الطلب القوي على الصادرات، المزارعين في الهند إلى بيع القمح بشكل خاص بدلًا من بيعه للدولة، وغالبًا ما يكون البيع أعلى من سعر الشراء الثابت للحكومة، التي تراجعت مشترياتها لإدارة برامج الرعاية الاجتماعية بسبب شح الإمدادات.
في 4 من أيار الحالي، قال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP)، إن الحرب في أوكرانيا كشفت هشاشة سلاسل التوريد العالمية وتعرضها لصدمات أسعار الغذاء العالمية، ما ينذر بعواقب وخيمة على الأمن الغذائي العالمي.
أهمية الهند للأسواق العالمية
قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، في 24 من شباط الماضي، شكلت أوكرانيا وروسيا ثلث صادرات القمح والشعير العالمية، ومن جراء الحرب المستمرة، أُغلقت موانئ أوكرانيا ودمرت البنية التحتية بالإضافة إلى صوامع الحبوب، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس“.
ورغم أن الهند ثاني أكبر منتج للقمح في العالم بعد الصين، تستهلك الدولة معظم القمح الذي تنتجه، ونادرًا ما تصدر الكثير من الحبوب بسبب ارتفاع الأسعار المحلية المدعومة من الحكومة، إلى جانب الاحتياجات الغذائية المحلية الهائلة.
لكنها ملأت فجوة في الأسواق، خلّفها انخفاض الإنتاج من أوكرانيا ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الحصاد الوفير الذي بلغ سبعة ملايين طن العام الماضي، حتى مع سوء الأحوال الجوية التي قللت من محاصيل المصدرين الكبار الآخرين.
ومع ذلك، فإن تحسين اختيار البذور وإدارة المزارع على مدى العقد الماضي، وضع البلاد في طريقها لتحقيق محصول قياسي جديد هذا العام، مما فتح الباب أمام ازدهار الصادرات، كما كانت أسواق المحاصيل العالمية المضطربة جراء الغزو الروسي لأوكرانيا بحاجة إلى إمدادات إضافية.
وشملت الوجهات الرئيسية للصادرات الهندية بنجلاديش وإندونيسيا ونيبال وتركيا، ووافقت مصر مؤخرًا على إجراء أول شراء للقمح الهندي على الإطلاق، إذ حاولت القاهرة تعويض الشحنات المتعثرة عن طريق البحر الأسود.
وبصرف النظر عن مشاكل الطقس التي أضرت بالمحاصيل، فإن مخزون الهند الهائل من القمح وهو حاجز ضد المجاعة، تعرض لضربة بسبب توزيع الحبوب المجانية خلال جائحة “كورونا” على حوالي 800 مليون شخص.
وتحتاج الحكومة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب إلى حوالي 25 مليون طن من القمح كل عام لبرنامج شامل للرعاية الغذائية يغذي عادة أكثر من 80 مليون شخص.
ملوك الذهب الأصفر
تعد روسيا وأوروبا والولايات المتحدة وكندا تقليديًا أكبر مصدّري القمح العالميين، بما يقرب من 60% من صادرات القمح العالمية من 2015 حتى 2020، وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية.
ومع ذلك، واجهت كل من هذه الدول نكسات كبيرة في محصول القمح في المواسم الأخيرة، إذ انخفضت حصتها من الصادرات الجماعية إلى 50.7% فقط في موسم 2021-2022، ويرجع ذلك إلى الجفاف في أمريكا الشمالية وأوروبا.
كان من المتوقع أن تتعافى حمولة الصادرات هذا العام، لكن انقطاع شحنات القمح الأوكرانية، وهي منتج ومورد رئيسي للقمح، أثار تدافعًا من قبل كبار المشترين للعثور على إمدادات بديلة.
توقعت الحكومة الهندية في شباط الماضي، أن يبلغ إنتاج القمح مستوى قياسيًا قدره 111.3 مليون طن، بين عامي 2022-2032، إلا أن موجة الحر الشديدة، التي أدت إلى فقدان الرطوبة وتآكل الحبوب، خفضت التوقعات إلى حوالي 105 مليون طن.
كانت الهند تتطلع في البداية لتصدير لتصدير ما يقرب من 12 مليون طن من الحبوب في عامي 2022-23، وهو أعلى بكثير من صادرات العام الماضي القياسية البالغة 7.2 مليون طن، ما كان سيضع الهند في المرتبة الثامنة بين أكبر مصدري القمح، ليس بعيدًا عن كندا، إذ كان من المتوقع أن يبلغ حجم صادراتها 15.5 مليون طن.
من المتوقع أن تكون أستراليا ثالث أكبر مصدر للقمح هذا العام، لكنها عانت من بعض التدهور في الجودة في مناطق معينة قبل الحصاد مباشرة وأبرمت بالفعل صفقات على غالبية الكميات القابلة للتصدير.
لكن لوجستيات سلسلة التوريد في أستراليا، تعتبر عاملًا آخر يضغط على المصدرين، وفقًا لشركة التدوال العام “إس أند بي جلوبال” ومقرها نيويورك، فإن الافتقار إلى سائقي الشاحنات في القارة بسبب جائحة “كورونا” ونقص المهارات إلى جانب برنامج تصدير كبير أدى إلى ضغوط على أسواق القمح الأسترالية.
المستوردون والمتضررون
خلال المواسم الثلاثة الماضية، كانت مصر وإندونيسيا والصين وتركيا والجزائر من أكبر خمسة مستوردين للقمح، ومن بين المستوردين الرئيسيين الآخرين بنغلاديش والمغرب ونيجيريا والبرازيل، وفقًا لوكالة الأنباء “رويترز“.
منذ أن هدد الغزو الروسي لأوكرانيا بمنع إمدادات القمح من البحر الأسود، كافح كبار المشترين في إفريقيا والشرق الأوسط لإيجاد بدائل، لأن معظم المصدرين البديلين لن يبدأوا حصاد هذا العام حتى حزيران المقبل.
وكان الاستثناء هذا العام هو الهند، التي أنهت محصولها الرئيسي من القمح هذا الشهر ولديها وفرة نادرة في مخزونات القمح الطازج، لكن مع تقييدها الهند للصادرات، من المرجح أن ترتفع أسعار القمح بشكل حاد عبر مصادر رئيسية، مثل أوكرانيا وكندا والولايات المتحدة.
قال الرئيس العالمي لاستراتيجية السوق في بنك “ويستباك الأسترالي” روبرت ريني، إن “تأثير الحظر من المرجح أن يضرب الأسواق النامية في إفريقيا والشرق الأوسط بشكل أكبر”، وأضاف أنه “يؤدي فقط إلى تفاقم مخاطر نقص الغذاء، خاصة بالنسبة للدول النامية وتلك التي تعتمد تاريخيًا على المواد الغذائية من تلك المنطقة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :