د. أكرم خولاني
عند الحديث عن الإصابة بالداء السكري فإن معظم الناس يظنون أن هناك حالتين فقط، إما أن يكون الشخص مصابًا بالسكري وإما أن يكون طبيعيًا غير مصاب، لكن الحقيقة أن هناك حالة ثالثة بينهما هي حالة ما قبل السكري (Prediabete)، وهي حالة شائعة جدًا، خاصة عند من يعانون من السمنة المفرطة، وفي حال لم يتم تغيير نمط الحياة فإن المصابين بحالة ما قبل السكري يكونون عرضة للإصابة بالسكري من النمط الثاني خلال السنوات الخمس اللاحقة من حياتهم، ولكن في حال تغيير نمط الحياة فإن تقدم الحالة مما قبل السكري إلى الإصابة بالسكري ليس حتميًا.
ما المقصود بحالة ما قبل السكري
حالة ما قبل السكري هي المرحلة التي تُسبب مستويات من السكر في الدم أعلى الطبيعي، ولكن ليست عالية بما يكفي لاعتبارها داء السكري، فالقيم الطبيعية لسكر الدم (الغلوكوز) الصيامي هي التي تتراوح ما بين 70 و100 ملليغرام/ديسيلتر، أما القيم الأعلى من 126 ملغ/دل فتعتبر أن الشخص مصاب بمرض السكري، ولكن في حال كانت القيم تتراوح ما بين 100 و126 ملغ/دل فإننا هنا نتحدث عن حالة ما قبل السكري.
يمكن أن تصيب هذه الحالة جميع الأعمار من البالغين والأطفال، لكنها أكثر شيوعًا بعد عمر 45 سنة.
وفي هذه الحالة قد يكون الضرر الطويل المدى الذي يحدثه مرض السكري، خاصة على القلب والأوعية الدموية والعينين والكليتين، قد بدأ بالفعل.
ومع أن مرحلة ما قبل السكري غالبًا ما تنتقل إلى الداء السكري من النمط الثاني، فإن من الممكن تجنب هذا الانتقال من خلال:
- التغذية السليمة.
- ممارسة النشاط البدني.
- التخلص من الوزن الزائد.
- الأدوية.
ما أسباب الإصابة بمرحلة ما قبل السكري
في حالة ما قبل السكري قد لا يستطيع البنكرياس تكوين إنسولين كافٍ أو يكون الإنسولين كافيًا ولكن تصبح الخلايا مقاومة له ولا تسمح بدخول السكر، وفي الحالتين يتراكم السكر في الدم بكمية أكبر من الطبيعي.
ولا يُعرَف حتى الآن السبب الدقيق لحدوث هذه الحالة، لكن يبدو أن التاريخ العائلي والجينات، وقلة ممارسة الأنشطة البدنية المنتظمة، وفرط الوزن مع تراكم الدهون حول البطن، كلها تلعب دورًا مهمًا في حدوث الإصابة.
كذلك فإن النظام الغذائي الغني باللحوم الحمراء واللحوم المصنعة، وشرب المشروبات المحلاة بالسكر، يزيد من خطر الإصابة.
وكذلك العمر بعد 45 سنة، وسوابق الإصابة بالسكري الحملي (إذا كنتِ مصابة بالسكري الحملي فعليكِ فحص مستوى السكر في الدم مرة على الأقل كل ثلاث سنوات) أو متلازمة المبيض المتعدد الكيسات، والأشخاص المصابون بانقطاع النفس الانسدادي النومي، وتدخين التبغ، كل هذه الحالات تزيد من خطر الإصابة بمرحلة ما قبل السكري ومن ثم السكري من النمط الثاني.
ما أعراض وعلامات حالة ما قبل السكري
عادة لا تظهر أي أعراض أو علامات على المصابين بما قبل السكري، ولكن من مؤشرات ما قبل السكري ظهور بقع داكنة على بعض المناطق في الجسم على شكل تسمك واغمقاق بالجلد، وتشمل هذه المناطق الرقبة، والإبطين، والمرفقين، والركبتين، ومفاصل الأصابع.
ومن الأعراض الأخرى لما قبل السكري والتي قد تدل على الانتقال إلى السكري من النمط الثاني ما يلي:
- كثرة التبول: خاصة في الليل.
- العطش الشديد: نتيجة كثرة التبول وحدوث جفاف الجسم، ما يولّد شعورًا مستمرًا بالعطش.
- الجوع المستمر: يقوم الجهاز الهضمي بتحويل الطعام إلى سكريات بسيطة يستخدمها الجسم فيما بعد كطاقة، ولكن عندما لا يتمكّن السكر في مجرى الدم من عبور جدران الخلايا يبقى الجسم بحاجة إلى الطاقة فيشعر المصاب بالجوع المستمر.
- الشعور بالتعب باستمرار: يؤدي الامتصاص غير الفعال لسكر الغلوكوز عند مرضى ما قبل السكري والسكري إلى حرمان أنسجة الجسم من المغذيات، وبالتالي الشعور بالإرهاق والخمول المستمر.
- مشكلات في الرؤية: ينتج عن وجود كمية زائدة من السكر في الدم تلف الأوعية الدموية والشعيرات الدموية، ما يؤثر سلبًا على شبكية العين وبالتالي حاسة البصر.
- بطء التئام الجروح: تؤدي زيادة السكر في الدم إلى تضرر جدران الأوعية الدموية والشعيرات الدموية، ما يُفقد الجسم المغذيات الكافية التي تضمن تجدد الخلايا، ويسبب ذلك بطء التئام الجروح.
- وخز أو ألم في الأطراف: تؤدي زيادة مستوى السكر في الدم إلى إتلاف النهايات العصبية، وهذا يسبب الشعور بالألم والخدر والوخز في الأصابع أو الأطراف، وتسمى هذه الحالة بالاعتلال العصبي.
- الحكة والالتهابات الفطرية: يمكن أن يكون مستوى السكر المفرط في الدم والبول بمنزلة غذاء للفطريات والخميرة، التي يمكن أن تتسبب بدورها في الإصابة ببعض أنواع العدوى.
كيف تُشخّص حالة ما قبل السكري
عادة ما يتم اكتشاف حالات ما قبل السكري عن طريق المصادفة أو من خلال فحوصات المسح الروتينية، وتشمل اختبارات تشخيص حالة ما قبل السكري:
- اختبار مستوى سكر الدم الصيامي: تؤخذ عيّنة دم بعد صيام ثماني ساعات على الأقل أو طوال الليل، وتفسر النتائج كما يلي:
مستوى السكر في الدم أقل من 100 ملغ/دل (5.6 ملليمول/ل): طبيعي.
مستوى سكر الدم من 100 إلى 125 ملغ/دل (5.6 إلى 7.0 ملليمول/ل): حالة ما قبل السكري.
مستوى سكر الدم 126 ملغ/دل (7.0 ملليمول/ل) أو أكثر: الإصابة بداء السكري.
ووفقًا لتوصيات الجمعية الأمريكية للسكري، يجب إجراء اختبار السكر الصيامي لكل شخص بعمر 45 سنة وما فوق كل ثلاث سنوات.
- فحص الخضاب السكري (A1C): يوضح هذا الاختبار متوسط مستوى السكر في الدم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو يقيس النسبة المئوية لسكر الدم المرتبط بالخضاب (الهيموغلوبين)، فكلما زادت مستويات السكر في الدم، زاد الخضاب المرتبط بالسكر، وتفسر النتائج كما يلي:
مستوى الخضاب السكري أقل من %5.7: طبيعي.
مستوى الخضاب السكري بين %5.7 و%6.4: مرحلة ما قبل السكري.
مستوى الخضاب السكري %6.5 أو أكثر في اختبارين منفصلين: الإصابة بداء السكري.
- اختبار تحمل سكر الغلوكوز الفموي: يطلب من المريض أن يبقى صائمًا لمدة ثماني ساعات أو طوال الليل، ثم يشرب محلولًا فيه 75 غرامًا من سكر الغلوكوز، ثم يتم فحص مستوى السكر في الدم بعد نحو ساعتين، وتفسر النتائج كما يلي:
مستوى سكر الدم أقل من 140 ملغ/دل (7.8 ملليمول/ل): مستوى طبيعي.
مستوى سكر الدم من 140 إلى 199 ملغ/دل (7.8 إلى 11.0 ملليمول/ل): مرحلة ما قبل السكري.
مستوى سكر الدم 200 ملغ/دل (11.1 ملليمول/ل) أو أكثر: داء السكري.
وننوه إلى أنه عادة ما يُستخدم هذا الاختبار لرصد داء السكري في فترة الحمل فقط.
ويجب فحص الأطفال المصابين بما قبل السكري سنويًا ترقبًا لداء السكري من النوع الثاني، علمًا أن معدلات سكر الدم في كل من المراحل الطبيعية، وما قبل السكري، وداء السكري بالفعل متشابهة عند الأطفال والبالغين.
كيف يجب التعامل مع حالة ما قبل السكري؟
بداية نذكر بأنه يمكن إرجاع مستوى السكر في الدم إلى الطبيعي ومنع الانتقال من مرحلة ما قبل السكري إلى مرحلة الإصابة بداء السكري، ويتم ذلك عن طريق تغيير نمط الحياة وفق أربعة أمور:
- النظام الغذائي الصحي: تناول الأطعمة الأقل في نسبة الدهون والسعرات الحرارية والحاوية على نسبة ألياف مرتفعة، مثل الفواكه، والخضراوات، والحبوب الكاملة.
- ممارسة الرياضة: يجب ممارسة التمارين الهوائية المعتدلة لمدة لا تقل عن 30 دقيقة يوميًا ولخمسة أيام في الأسبوع على الأقل.
- إنقاص الوزن: يجب التخلص من الوزن الزائد، إذ إن إنقاص 5- 7% من وزن الجسم يقلل من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.
- الإقلاع عن التدخين: فالتدخين يزيد من مقاومة الإنسولين وبالتالي خطورة الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.
في بعض الحالات ذات الخطورة العالية لتحول حالة ما قبل السكري إلى داء السكري قد نضطر لاستخدام الأدوية، مثل الميتفورمين لضبط سكر الدم والأورليستات لإنقاص امتصاص الدهون من الطعام.