إعادة الإعمار بين تركيا وإيران
إبراهيم العلوش
كان من المتوقع أن يظهر بشار الأسد في جزيرة القرم ليبارك من هناك الحملة الروسية ضد الشعب الأوكراني، لكنه ظهر، الأحد الماضي، فجأة وبلا مقدمات في طهران ليباركه آية الله خامنئي، وليتحدثا عن تهديدات الخطة التركية لإعادة توطين مليون لاجئ بالشمال السوري، بالإضافة إلى وعود الدعم الاقتصادي من دولة على حافة الإفلاس.
برزت الخطة التركية بالنسبة لإيران وكأنها خطوة استباقية تقوم بها تركيا في ملف إعادة الإعمار، الذي شدد المسؤولون الإيرانيون خلال الزيارة على أهميته بالنسبة لإيران، كمردود اقتصادي وسياسي لدفع ثمن المجهود الحربي الإيراني الذي دعم نظام بشار الأسد، ولتعويض جهود إيران في فتح الكثير من الورشات التي تدخل في مجال إعادة الإعمار عبر تدمير المدن والقرى السورية.
وعلى الصعيد التركي، فإن خطة إعادة توطين اللاجئين السوريين، ونقلهم من تركيا إلى الحزام الأمني التركي في الشمال السوري، خطوة استباقية من أجل الفوز بالانتخابات الرئاسية والتشريعية في العام 2023 من قبل حزب “العدالة والتنمية” الذي يتزعمه أردوغان، وهو يقوم بسحب ملف اللاجئين من فم المعارضة التركية التي تحوّل الكثير من رموزها إلى أبواق عنصرية تستهدف السوريين وتثير الكراهية ضدهم، ما زاد حجم الحوادث والبرامج التلفزيونية والمنشورات الإلكترونية التي تستهدف السوريين.
إيران لا تريد عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا “الأسد”، وهي تماطل في القبول بأي حل سياسي سوري يطبق قرارات الأمم المتحدة، ما لم ينعكس ذلك إيجابًا على ملفها الشائك في إعادة الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وبقية دول “الفيتو” في مجلس الأمن وألمانيا، بالإضافة إلى ضمانات أكيدة في هيمنتها على الدولة السورية اقتصاديًا وسياسيًا ووفق بنود قد تطالب بوضعها في الدستور المقبل.
بشار الأسد الذي وجد نفسه حرًا من الضغط اليومي الروسي عليه بعد تورط روسيا بالحرب الفاشية ضد أوكرانيا، لم يجد إلا إيران أمامه ليعيد بعض الأمل بالحصول على شحنات من البترول تعيد الكهرباء إلى بيوت مؤيديه، الذين تحوّل كثير منهم إلى حالة اليأس بعد الانتصار على “المؤامرة”، خاصة بعد أن أخلت القوات الروسية عددًا من المواقع العسكرية، وسلمتها لـ”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا، حسب الصحافة الإسرائيلية التي تراقب الوجود الإيراني، وذلك بسبب حاجتها إلى المزيد من القوات في معاركها الكثيرة على التراب الأوكراني، وهذا ما أعطاه فرصة لإعادة تقوية التحالف مع إيران وميليشياتها التي تسهم باستمراره في الحكم.
إيران ورغم كل وعودها الاقتصادية للنظام السوري، وتلويحها الدائم بملف إعادة الإعمار مع روسيا، لم تقم ببناء شيء، إلا المزيد من المواقع العسكرية والمقرات الدعويّة التي تستغل بؤس الناس لنشر فكر ملالي إيران، وتجنيد الجائعين في الميليشيات الإيرانية بمنطقة البوكمال، وريف دير الزور، بعد أن انتشرت في ريف دمشق، وفي حلب، وحمص، ضمن خطط طويلة الأمد لترسيخ الاحتلال الإيراني حتى لو رحل الأسد ورحل نظام حكمه، وهو ما صارت إيران تعتقد به وتضعه في الخطط البديلة لاستيطانها في سوريا.
السوريون في تركيا يقفون حائرين أمام مستقبلهم، بعد أن بنى الكثير منهم حياة جديدة فيها، وصار أبناؤهم يتكلمون التركية، وتعلموا في المدارس التركية، وهم معرّضون اليوم لإعادة الترحيل، ليس للعودة إلى مدنهم وقراهم آمنين، بل إلى تجمعات سكنية متناثرة تُبنى بهدف سياسي أكثر من بنائها بهدف حضري مدروس اقتصاديًا واجتماعيًا.
الدولة التركية تريد الحفاظ على أمنها بإشغال الشريط الحدودي بعمق 30 كيلومترًا ببنية سكانية مدعومة من قبلها، لتمنع تمدد المشروع الكردي المتضمن إنشاء شريط ممتد من الشمال الكردي في العراق حتى البحر المتوسط، وفق مخططات حزب “العمال” الكردي ومؤيديه.
وتركّز الخطة التركية على إنشاء 250 ألف وحدة سكنية مع مستلزماتها في 13 تجمعًا سكانيًا تمتد من اعزاز وصولًا إلى رأس العين، وهذا ما سيخلق واقعًا سكانيًا جديدًا، وقوى اجتماعية واقتصادية محكومة بالكثافة السكانية في محيط إدلب، وبالتبعية لتركيا، ولنقاط الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، ما يجعل هذه التجمعات أشبه بقطاع غزة كما يقول الباحث طه الغازي لـ”العربي الجديد”. وهذا التشبيه له بُعدان، بُعد الكثافة السكانية، فإدلب فيها حوالي أربعة ملايين من أبنائها ومن المهجرين من قبل النظام، وبُعد هيمنة راديكالية دينية قد تتحكم بهذه التجمعات وتديرها وفق “أجندة” مقدسة غير قابلة للنقاش أو الانتقاد، وهذا ما سيعيد سيرة الاستبداد الأسدي، ولكن بطريقة دينية.
في زيارة الأحد الماضي التي غاب عنها قاسم سليماني الذي نظم زيارة الأسد السابقة إلى طهران 2019، وتم اغتياله مطلع عام 2020، تعيد إيران تسلّم الأسد ونظامه، وقد تعيد تأديب من انحاز إلى الروس من المسؤولين ومن قادة الجيش، بعد غياب الهيمنة الروسية ولو بشكل مؤقت.
وإيران تحلم بالسيطرة على ملف إعادة الإعمار، وترفض مع بشار الأسد المشروع التركي، ولكن جهودها لا تزال منصبّة فقط على إنشاء المزيد من الميليشيات والمواقع العسكرية، وهي ترفض إحلال السلام في سوريا، السلام العادل الذي يُعتبر شرطًا أساسيًا لنجاح أي مشروع بما فيه المشروع التركي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :