تعا تفرج
المعتقلون الناجون يعيشون الأسد
خطيب بدلة
أعجبني منظر السجناء الذين أُطلق سراحهم مؤخرًا، وهم جالسون في قاعة كبيرة، وفوقهم صورة بشار الأسد، وثمة رجل يبدو أنه موظف في دائرة التوجيه المعنوي بالجيش، واقف أمامهم وفي يده عصا مثل عصا المتنبئ الجوي، يشرح لهم ألفباء الأخلاق والسلوكيات التي يجب أن يتحلوا بها من الآن فصاعدًا، بغية الحفاظ على اللُحمة الوطنية، فهذه اللُحمة، كما هو معلوم، تحقق لقطرنا الصمود والتصدي، والتوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني الغادر.
المسؤولون الذين نظموا هذه الجلسة الرائعة يعلمون، بلا شك، أن الأيام والليالي الطويلة التي أمضاها هؤلاء القوم في غياهب السجون، أنستهم القانون، والنظام، والأصول المرعية في المهرجانات الخطابية الناجحة، فأجلسوا بينهم، من باب الاحتياط، بعضَ “الشبيحة” المطعّمين على بغال، وكان حريًا بهم أن يُجروا لـ”الشبيحة” مكياجًا يجعل سحناتهم تبدو باهتة، وشعورهم مشعثة، ما يوحي بأنهم كانوا سجناء لمدد طويلة، تمامًا مثل ذلك الرجل الذي انتقد، في سنة 1991، اشتراكَ وحدات من الجيش السوري الباسل، بإيعاز من حافظ الأسد، مع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد جيش العراق الشقيق، في حرب الخليج الثانية، فاعتُقل، وعُذب، ثم رُمي في زنزانة منفردة حتى شهر شباط سنة 2005، حينما أدخلوا إلى زنزانته رجلًا كان قد أبدى شماتته بطرد جيشنا الباسل من لبنان، بعد اغتيال رفيق الحريري، فاستبشر بقدومه، وقال له: بشرني أبو الشباب، صدام حسين طلع من الكويت ولا لسه؟!
ولكن السرعة التي تقتضيها الضرورات الإعلامية النضالية جعلت “الشبيحة/البغال” يظهرون في الصورة بالثياب العسكرية المموهة، وجوههم نشوى بخمر العافية، وقد تركوا لحية خفيفة عُرفت في وقت سابق باسم “لحية الباسل”، وجلسوا بين المعتقلين، وراحوا يشدون قبضاتهم تضامنًا مع ما يقوله الموجه المعنوي، وفي الطرف الأيمن يقف اثنان منهم مختصان بتشغيل التصفيق في القاعة عندما يُذكر اسم وارث السلطة بشار الأسد، أو القائد الذي خَلَّفه، فيلتقط “شبيح” ثالث الإشارة منهما، ويردد هتاف: بالروح بالدم نفديك يا بشار، فيردد معه المعتقلون العبارة بلا تردد أو تذمر. ولعله من حسن الحظ أن هذه الجلسة لم تُعقد في مجلس الشعب، لئلا تتحول الهتافات إلى دبكة تنتهي بالنخّ، فلا شك أن ظهور هؤلاء المساكين لا تحتمل التلوّي وهز الخصور والنخ، بسبب نقص الكلس الناتج عن جلوسهم الطويل في سجن “صيدنايا” الرطب.
المهم في هذه الاحتفالية، ومثيلاتها، أن يبقى المواطن السوري، مهما طال به الزمن، واثقًا بقيادته الحكيمة، ثقة تجعله يقلل من الأسئلة، فالقيادة، في الحقيقة، أدرى بمصلحته منه، بدليل الحكاية المعبرة التي رواها الأديب السيناريست فؤاد حميرة، يوم اعتقله عناصر “أمن الدولة” باللاذقية، وأخذوه إلى “الفرع” وهم يضربونه ضربًا مبرحًا، وخلال توقف صغير عن الضرب، سألهم: ممكن أعرف لماذا أنا أتعرض لكل هذا الضرب، وهذه الإهانات؟ فقالوا له، باختصار: هَيْ مو شغلتك!
على هذا المنوال، أتوقع أنه لو تجرأ أحد المعتقلين الناجين وسأل “الشبيحة”: لماذا تجبروننا على تعييش المجرم الذي سجننا؟ سيردون عليه: هَيْ مو شغلتك!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :