القوة الأساسية لأي مجتمع، أهم فترة عمرية يمكن أن تحدد نمو أي أمة ومدى تطورها، من يقودون المجتمع، فيعلون نظامًا ويسقطون آخر!
عن الشباب أتكلم، كما يفترض أن يكونوا، عن طلاب الجامعات الذين يفترض أن يكون منسوب الوعي والاهتمام بأحداث البلد وما يجري فيه من أول أولوياتهم!
هذا هو المفروض والمأمول، لكن هل هو الواقع بحق؟؟
المتأمل لحال أي إضراب تمت الدعوة له منذ بداية الثورة، يدرك بقليل من معاينة للواقع أن أقل الإضرابات تجاوبًا هي الجامعية منها، ولو أرادت كاميرات النظام ووسائل إعلامه أن تؤكد بأن «سوريا بخير» يكفيها أن تنزل لإحدى كليات جامعة دمشق مثلًا، لتنال مبتغاها بأن سوريا بخير حقًا!!
قد تسمع أصوات القصف في منطقة قريبة بأذنيك وأنت في المحاضرة، قد تصادفك حواجز كثيرة، قد تنفجر سيارة أسدية مفخخة أمام جامعتك، قد يعتقل زميلك أمامك على باب الجامعة، لكنك صامد..
ستستمر بالدوام اليومي تحت القصف والبرد والعواصف.. «لأنك تريد التخرج بسرعة» وهذا حقك طبعًا!
لكن ما أريده.. هو تحليل للواقع أكثر.. معًا..
عندما أعلن عن بدء اضراب الكرامة، في أواخر عام 2011، أي في فترة الامتحانات النصفية، لم يكن وضع الريف الدمشقي كحاله اليوم!
دمشق أيضا كانت بحال أمني أفضل..
وكانت الاستجابة الطلابية للإضراب يومها متمثلة بحالات فردية قليلة جدًا..
المشارك بالإضراب يومها كان المتضرر الوحيد.. بينما صاح به رفاقه: وما ينفع ثورتك تأخرك الدراسي؟
كان كلامهم الأقرب للواقعية يومها..
اليوم.. الوضع مختلف تمامًا..ش
الوصول لأي كلية من أية منطقة هو أقرب لسفر بعيد الشقة متعدد المخاطر، ومكان نفوسك على هويتك -إن كنت من منطقة ثائرة- هو تهمة تحملها في جيبك مسبقًا، وتخاف من مغبتها أمام كل حاجز تمر به، المعارك تدور قريبًا من بعض كليات دمشق، يصل صوت الرصاص والاشتباكات إلى طلابها بوضوح.. فيغلقون النافذة ليتابعوا الإنصات للدرس!
مع كل ما يجري، فأمور الجامعات «عال العال»، كما كانت قبل الثورة تمامًا.. المطالبة بالحضور والالتزام به، امتحانات النظري والعملي والدوام والبرنامج، دون أدنى مراعاة لكل الطلاب الذين بعدت عليهم الشقة، أو فقدوا مساكنهم في الريف الدمشقي!
بل دون مراعاة للحالة النفسية قبل ذلك..
ودون أدنى اهتمام -من قبل الكثير من الطلاب- لما يجري، دون تفهم أو شعور بالمسؤولية تجاه من أبعدتهم ظروفهم عن مقاعد الدراسة، باستعداد بالغ لاجتياز أي مخاطر، أمام مصلحة الذات!!
الناظر لحال «الطالب الجامعي» اليوم، يشعر بحالة تقزم حقيقي في الوعي والإدراك وتحمل المسؤولية..
لا أتكلم عن الجميع طبعًا، بل عن حال فئة كبيرة..
فاجأتني نوعية الأحاديث التي سمعتها عفوًا في زيارتي الأخيرة للجامعة، لكن أكثر ما قصم ظهري كان سؤال أحدهم لزميله «وين قضيت ليلة راس السنة؟!» فيجيب الآخر «بيروت طبعًا!!»
بربكم، هل ثمة أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه بلد يدمر عند من انسلخ عن واقعه لهذه الدرجة -ولو كان مؤيدا للنظام-
لست هنا لأدعو لإضراب جامعي جديد، لأن الطلاب القادرين على اتخاذ قرار بهذه الدرجة من المسؤولية عملة نادرة!
ما أدعو له حقيقة، هو حملة محو أمية بالوعي والنضج في الجامعات.. لإعادة الطالب الجامعي لسنه الحقيقي، ودوره الريادي المفترض…
كلامي هذا مستقل ولا علاقة له بكل من يداوم ويستمر بحياته الجامعية..
انما هو تحليل لقلة الحراك والنشاطات باسم الجامعيين..
هي دعوة لنشر النضج الفكري في جامعاتنا..
فمن دون ذلك، لن يجدي إضراب.. ولا غيره!