“التعفيش” وتراجع الاستيراد يكسران أسعار المفروشات في دمشق
عنب بلدي – اقتصاد
يبدو الحديث عن الأثاث المنزلي والمفروشات في ظل الحالة السورية الراهنة، نوعًا من الرفاهية التي لا معنى لها أمام مآسي السوريين، لكن المراقب لحركة أسواق بيع المفروشات وأثاث المنازل في دمشق وبعض مناطق المعارضة يلحظ حركة جديدة مردها إلى قوة إرداة ورغبة بالحياة مهما كانت مشاهد الصراع سوداوية.
منذ عامين والشاب حسن السيد، صاحب إحدى محال بيع المفروشات في دمشق، يعتمد في مبيعاته على الأثاث المستعمل، فالاستيراد توقف نهائيًا بعدما حدّ البنك المركزي من تمويل المستوردات، واقتصرت فقط على المواد الغذائية والأساسيات وبعض المواد الأولية اللازمة لأغراض الصناعة.
السوق تعمل بالحد الأدنى
يؤكد حسن أن مبيعات المفروشات الجديدة ضعيف جدًا، بسبب ارتفاع الأسعار وتوقف أهم الورش عن العمل وخاصة في مناطق سقبا ودوما في الغوطة الشرقية، حيث تتركز أهم ورش تصنيع الموبيليا في سوريا، ولهذا وبسبب سخونة المعارك والقصف الشديد على تلك المناطق انتقل بعض أصحاب هذه الورش إلى قلب دمشق، لكنهم يعملون بالحد الأدنى.
ويقول “مبيعاتنا عند أدنى مستوى، كان يعمل لدي ثلاثة عمال وكما تر ى أنا اليوم وحيدًا، للأسف كنا من أهم من يورّد مفروشات لدول الخليج العربي في العام 2010، ذهب ذلك الزمن ونعيش على أمل أن يعود”.
مع ذلك، يلفت حسن إلى أن المبيعات تتحسن من فترة إلى أخرى وخاصة عندما ينتقل مواطنون من مكان لآخر؛ وقتها يضطرون لفرش المنزل الذي يستأجرونه وهنا يرتفع الطلب على المستعمل، سواء غرف نوم أو جلوس.
الحال نفسه عند عثمان ع، مدير محل مفروشات وسط دمشق، ويقول لعنب بلدي إن “المبيعات تناقصت بنسبة 90%، لأسباب عديدة على رأسها عزوف المواطنين عن شراء المفروشات والأثاث الحديث، إضافة لغلاء أسعارها بشكل واضح. ويشرح أن النسبة الأكبر للإقبال هي على المفروشات المستعملة لأن أسعارها معقولة من جهة ونتيجة لسفر العائلات بكثرة وتنقلها، مبيّنًا أنه لا يمكن إنكار اتجاه السوريين لتأسيس مئات الصفحات المعنية ببيع الأثاث المستعمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
وفيما يخص الورشات التي تنتج المفروشات، أوضح عثمان أنه سابقًا كانت توجد مئات الورشات في بلدات زبدين وعربين وزملكا وسقبا وحمورية وداريا، إلا أن اندلاع المعارك وصعوبة التواصل مع هذه المناطق خفّض عدد الورشات بشكل كبير لتصل إلى حوالي 9 ورشات تتركز معظمها في مخيم جرمانا بريف دمشق، ولم تتم الاستعاضة عن الورشات المتضررة بسبب انخفاض الطلب على الأثاث الجديد.
سوق إلكترونية
للتغلّب على حالة الجمود ولإنعاش مبيعات محلات المفروشات، لجأت الشركات إلى وسائل التواصل الاجتماعي لجذب المشترين، وبدأت تتفنن في عرض مالديها من بضاعة.
ومع ذلك بقيت آثار الأزمة بادية حتى على عملية المبازرة والبيع والشراء، إذ وضعت إحدى الشركات إعلانًا لطقم جلوس يبدو أنه صوّر بطريقة احترافية، ولدى سؤال الزبائن عن السعر وإمكانية الشراء، ردّت الشركة: “للأسف غير متوفر حاليًا…”.
وفي جولة على سوق المفروشات في الحريقة ومنطقة شارع العابد، تراوح سعر غرفة النوم بين 300 ألف ليرة و1.5 مليون ليرة نوع خشب زان، وكلها تصنيع محلي حسب المواصفات القياسية السورية، كما أفاد أصحاب عدد من الورش والمحلات.
أما بالنسبة للبضاعة المستوردة، فإنها قليلة جدًا وعلى الطلب ولزبائن محددين، إذ يبلغ أقل سعر غرفة نوم منشأ تركي نحو 500 ألف ليرة، ذات جودة متوسطة ومادون.
وأمام هذه الأسعار التي يصفها الشباب بـ “الكاوية” يقفون عاجزين عن الإقدام على أخذ أي قرار متعلق بالزواج والارتباط، يقول محمد وهو طالب جامعي “كلما زادت الأصفار جانب الأرقام، كلما زاد إصرار الشباب على البقاء عازبين”.
التعفيش والسرقة سببٌ لانخفاض الأسعار
يلاقي سوق المفروشات المستعملة إقبالًا مقبولًا بسبب رخص الأسعار أمام رغبة كثير من السوريين في عرض ممتلكاتهم للبيع بداعي السفر والهجرة والتوجه للاستقرار في بلد آخر، وهنا يضطرون للبيع بأسعار أقل من السعر الحقيقي.
لكن لأحد باعة المفروشات في دمشق (رفض الكشف عن اسمه) رأي آخر حول انخفاض الأسعار، إذ يرجع السبب إلى كثرة المعروض منها للبيع وخاصة “المسروقة” أو “المعفشة” من مناطق المعارضة في الغوطة وبعض مناطق بدمشق.
ويقول إن “رجالًا محسوبين على النظام يعرضون أثاثًا ومفروشات للبيع، وغالبًا تكون مجهولة المصدر، لتجد هذه البضاعة من يشتريها من النازحين للأسف، فقد سمعت عن أشخاصٍ من ريف دمشق اشتروا أثاث منازلهم أو أجزاء منها وسط دمشق”.
تغيب المفروشات وأثاث المنازل عن قوائم اهتمامات السوريين الهائمين على وجوههم والباحثين عن الأمان، وباتت من الماضي، على أمل أن يأتي المستقبل القريب بحلّ للأزمة وتعود عجلة إعمار سوريا الجديدة التي طالبت بها الثورة قبل 4 سنوات.
إيكيا في سوريا
قبل 2011 كانت عددٌ من وكالات المفروشات العالمية تعمل في سوريا منها التركية والإيطالية والفرنسية، ومع تدهور الأوضاع الأمنية وفرض العقوبات الاقتصادية انسحبت الشركات أو قلص التجار والوكلاء مستورداتهم من المصدر.
لكن خلال الحرب انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صفحات لشركات مفروشات في سوريا ممثلة لماركات عالمية، منها “إيكيا العالمية” التي لم تكن تملك مكتبًا أو مصنعًا لها في سوريا.
ويجد الزائر لصفحة “إيكيا سوريا” على فيسبوك، نماذج وتصاميم لمجموعة من المفروشات المنزلية وأدوات المطبخ وغرف الجلوس وغيرها، مع تعليمات حول طريقة التواصل وتثبيت الطلبيات والتوصيل وغيره، لكن دون ذكر للأسعار والتي يتوقع أن تكون مرتفعة كونها مستوردة ولا تستطيع شرائح كثيرة من المجتمع السوري حاليًا تحمّلها، فالدولار اليوم بحدود 390 ليرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :