بعد مضي نحو أربع سنوات على العملية العسكرية التي أفضت إلى تهجير فصائل المعارضة وقسم من الأهالي في ريف حمص الشمالي، ما زالت المنطقة تشهد أوضاعًا أمنية وخدمية متردية ترهق السكان.
في 8 من أيار 2018، خرجت أولى قوافل التهجير من ريف حمص الشمالي تمهيدًا لدخول قوات النظام جرّاء توقيع اتفاق “المصالحة” بين قوات النظام السوري المدعومة من روسيا، وفصائل المعارضة في المنطقة.
وانتهى بذلك الحصار الذي استمر سبع سنوات، عانت خلاله المنطقة من القصف والقتل وتدمير البنى التحتية.
أمنيًا.. كيف غيّب النظام فصائل المعارضة
نص اتفاق “التسوية” الذي أُبرم بين فصائل المعارضة والنظام على عدم دخول أجهزة المخابرات إلى المنطقة، وأن تسند مهمة ضبط المنطقة أمنيًا إلى جهاز الشرطة التابع لوزارة الداخلية والشرطة العسكرية الروسية، إضافة إلى “جيش التوحيد” الذي وقّع على الاتفاق قبل أن تبدأ المفاوضات بين قوات المعارضة والنظام.
الرائد علي أيوب، قائد “حركة تحرير وطن” في ريف حمص الشمالي سابقًا، وأحد أعضاء الوفد العسكري المفاوض عن ريف حمص الشمالي، قال لعنب بلدي، إن “التسوية” كانت مؤامرة بين “جيش التوحيد” والروس ليبقى ذراعًا عسكرية لهم في المنطقة، ما أجبرنا على تسليم المنطقة بالشروط التي نص عليها الاتفاق.
وبعد مضي خمس ساعات على خروج آخر قافلة تهجير من المنطقة، دخلت أجهزة المخابرات إليها وبدأت بتجهيز مفارزها الأمنية، وابتزاز كل من كان له أي خلفية “ثورية” خلال سيطرة قوات المعارضة.
القضاء على آخر الفصائل
وبعد سنة ونصف من توقيع الاتفاق، استطاعت قوات النظام تفكيك فصيل “جيش التوحيد” الذي لعب الدور الأبرز في سيطرة قوات النظام على المنطقة، من خلال إعلانه توقيعه على اتفاق “التسوية” منفردًا وتسليمه مدينة تلبيسة معقله الرئيس برعاية الضامن الروسي، منقلبًا على فصائل المعارضة العاملة في المنطقة.
بدأت قوات النظام بإغراق الفصيل بالمخدرات وتجارتها، وتورط قائده منهل الضحيك (الصلوح) في ذلك، لتعتقله في آذار من عام 2019 على طريق حلب، وبحوزته كمية من المخدرات كانت معدة للتجارة.
أحد عناصر “جيش التوحيد” السابقين، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن “الأمن العسكري” بدأ بتقديم كميات من “الحشيش” وحبوب “الكبتاجون” لعناصر الفصيل بعد اتفاق “التسوية”.
وأضاف أن البطاقات الأمنية التي مُنحت للقادة تمنع تفتيش سياراتهم من أي جهة، ما فتح الباب أمامهم لدخول مجال تجارة المخدرات، لتوقع الجمارك بقائد الفصيل وبحوزته كمية كبيرة من المخدرات.
بعد اعتقال “الصلوح” تسلّم سليمان الميزنازي، الملقب بـ”الهواد”، قيادة ما تبقى من “جيش التوحيد”، ليترك بعدها القيادة، إثر تقديم الروس له عقد عمل في معمل الأسمدة بحمص حيث سيطرت شركة روسية عليه.
وبعد اعتقال قائدهم “الصلوح” وتخلي “الهواد” عن القيادة، توجه عناصر من “الجيش” للتطوع مع “الفرقة الرابعة” و”الأمن العسكري” طلبًا للحماية، وهربًا من الملاحقة الأمنية، وفق ما قاله العنصر السابق.
وتنشر اليوم قوات النظام مجموعة من الحواجز تتبع لقيادة “الفرقة 18″ و”الفرقة 14” لتفرض الإتاوات على سكان المنطقة.
التمثيل الشعبي غائب
خلال سنوات سيطرة قوات المعارضة على المنطقة تشكّلت عدة أجسام من المجتمع المحلي لإدارتها، ومراقبة عمل المجالس المحلية “الثورية”، وتنسيق عمل المنظمات التي تنفذ المشاريع الخدمية.
وبعد دخول قوات النظام المنطقة، عادت الأحوال إلى ما قبل عام 2011، حيث تصدّر “البعثيون” المشهد، وألغوا أي دور لأي مجموعة من وجهاء المنطقة خارج إطار حزب “البعث”، بحسب ما قاله أحد وجهاء الرستن، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية.
وأضاف أن النظام ألغى أي دور لأي حراك أو تجمع مدني من خلال دفع الحزبيين والضباط المتقاعدين إلى الواجهة، وإعادة المنطقة إلى ما كانت عليه الحال قبل عام 2011.
كما سيطرت شعبة “الحزب” على صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي المحلية، بعدما أنشأها ناشطون لتغطية ما يدور في المنطقة.
أحد أبرز الناشطين في محافظة حمص ومراسل وكالة “قاسيون” باسل عز الدين (اسم حركي)، قال لعنب بلدي، إن النظام أدخل قنواته الإعلامية إلى المنطقة بعد السيطرة عليها، وبدأ ضمن فعاليات مبرمجة برفع صور رئيس النظام على مبنى البلدية وشعبة “الحزب” وعلى منازل بعض المنتفعين.
وأضاف عز الدين أن التضييق الأمني والسيطرة “البعثية” على المنطقة حالت دون ظهور أي ناشطين مستقلين ينقلون للخارج ما يحصل في المنطقة.
“تهميش متعمد”
مع دخول قوات النظام، لم تتحسن حال المنطقة التي تعاني من التهميش من قبل النظام، فآثار القصف والدمار ما زالت تطغى على المشهد، إلى جانب استمرار معاناة الأهالي من غياب الخدمات الأساسية أو سوء تقديمها في أفضل الأحوال.
لؤي (41 عامًا) أحد سكان مدينة الرستن، قال لعنب بلدي، إن المنطقة تعاني من “تهميش متعمد” من قبل الحكومة، فالخدمات الأساسية ما زالت غائبة عن المنطقة، ولم يظهر النظام أي مبادرات لإعادة إحيائها، وفق تعبيره.
“لم يتقدم النظام بأي خطوة لمساعدة الأهالي وإعادة الخدمات الأساسية التي حرمتهم منها العمليات العسكرية، وحتى تأمين الخبز للأهالي لا يعتبر ضرورة اليوم”، وفق ما قاله لؤي، لافتًا إلى أن الحكومة لم ترمم الفرن الرئيس الذي دمرته العمليات العسكرية على الرستن، بينما تستخدم أحد الأفران التي أنشأتها إحدى المنظمات خلال سنوات الحصار.
واشتكى الأهالي الذين تحدثت إليهم عنب بلدي من الضعف الشديد بخدمات الاتصالات المقدمة للمنطقة، مشيرين إلى أن التغطية لا تصل إلى معظم الأحياء السكنية بشكل يلبي الحاجة، كما أن مبنى البريد التابع لـ”السورية للاتصالات” ما زال مدمرًا بشكل جزئي، ويقدم خدماته ضمن نطاق ضيق ومحدود.
كما يعاني الأهالي من آثار الحُفر التي خلّفها قصف الطيران الحربي والبراميل المتفجرة “الشاهدة على ما مرت به المنطقة” في وقت اقتصرت فيه جهود البلديات على تعبيد أوتوستراد حمص- حماة (M5).
–