عنب بلدي- حسن إبراهيم
طرح ظهور قائد “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) “المعزول”، محمد الجاسم (أبو عمشة)، في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، العديد من التساؤلات بين السوريين والفصائل المعارضة، عن مدى وجود تنسيق أو توافق بين الطرفين، أو حتى وجود احتمالات اندماج، رغم العداء أو الخلاف الموجود بينهما.
في تسجيل مصوّر قيل إنه لزيارة محمد الجاسم (أبو عمشة) إلى منطقة أطمة شمالي إدلب، في مناطق سيطرة “تحرير الشام”، ظهر بمضافة أحد شيوخ العشائر، في نيسان الماضي.
علاقات شائكة.. عداء قديم
تشهد العلاقات بين فصائل “الجيش الوطني السوري” (المدعوم من تركيا)، التي تسيطر على ريفي حلب الشمالي والشرقي، ومدينتي رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا، حالة من عدم التوافق والانسجام والتنسيق، مع “تحرير الشام” التي تسيطر على محافظة إدلب، وجزء من ريف حلب الغربي، وريف اللاذقية وسهل الغاب شمال غربي حماة، منذ أن انقسمت المنطقة عسكريًا وخدميًا عام 2017.
حالة العداء بدأت عام 2014 بخلاف بين “تحرير الشام” (جبهة النصرة آنذاك) وعدة فصائل أخرى، حين عملت “تحرير الشام” على بسط نفوذها على المنطقة، لتكون الجسد العسكري الوحيد المسيطر وصاحب النفوذ، وشهدت محافظة إدلب العديد من الخلافات بين “الهيئة” وفصائل أخرى محسوبة على المعارضة السورية و”الجيش الحر”.
تبعت تلك الخلافات عدة توترات بين فصيل “تحرير الشام” وفصائل مقاتلة في الشمال، كان لها ثقلها وأثرها في المعارك ضد النظام السوري وحلفائه، أبرزها “حركة أحرار الشام” المنضوية تحت راية “الجبهة الوطنية للتحرير”.
وشهدت التوترات حينها عمليات اعتقال متبادلة بين الطرفين، لتصل إلى نزاع مسلح واقتتال أدى إلى مقتل وجرح العديد من عناصر الفصيلين، واتسعت رقعة الاشتباكات لتشمل مناطق عدة من محافظة إدلب، بما في ذلك داخل معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، الذي كان يخضع لسيطرة “حركة أحرار الشام” الكاملة، لتسيطر عليه “الهيئة” في تموز 2017.
توحدت الفصائل المناهضة لسياسة “الهيئة” بعد انحسار المعارك والاقتتال مع “تحرير الشام”، وأُعلن عن تشكيل “الجيش الوطني” في تشرين الأول 2019، بمدينة شانلي أورفة جنوبي تركيا، من قبل مجموعة من القادة العسكريين في المعارضة السورية، بقيادة وزير الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، ورئيس هيئة الأركان حينها، سليم إدريس.
ورصدت عنب بلدي وجود العديد من المنصات والشبكات المحلية أو المعرفات المقربة من الكيانين العسكريين في كلتا المنطقتين، مهمتها مهاجمة الفصيل الآخر، وتوجيه اتهامات عديدة نحوه، بعضها وصل إلى حد الاتهام بالخيانة والعمالة والتطبيع مع النظام بالخفاء، وتسليم المناطق “المحررة” والارتهان للخارج، وخلق انقسام في صفوف الثورة، وإدارة عمليات التهريب عبر المعابر مع النظام و”قسد”.
العداء وتوتر العلاقات ظهر جليًّا في كلمة ألقاها “أبو عمشة” في أيلول 2019، تحدث فيها عن عدائه لبعض الأحزاب الكردية والنظام السوري، وأضاف “الجولاني” إلى قائمة خصومه، واصفًا إياه بـ”كلب المخابرات الجوية”.
غزل بالعلن
العلاقات السيئة بين الطرفين خلال هذه الأعوام، لم تمنع خروج بعض التسريبات أو التصريحات المنقولة على لسان بعض قادة الفصائل في كلا الطرفين، والتي تحدثت عن وجود زيارات متبادلة وإمكانية تحقيق اندماج ودرء الفرقة والانقسام.
وكانت عنب بلدي حصلت على معلومات من عناصر في “تحرير الشام” تفيد بزيارات لقياديين من الصف الأول في الفصيل، عقدوا لقاءات في ريف حلب مع قيادات في فصائل عسكرية تتبع لـ”الجيش الوطني”، بقصد التقارب والتنسيق مع “الهيئة”، وهو ما أكدته زيارة القيادي جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور) إلى مدينة اعزاز بريف حلب، حيث التقى قياديين ووجهاء من المنطقة، في تموز 2021.
في أيلول 2021، أبدى محمد الجاسم (أبو عمشة) استعداده للتفاهم مع “تحرير الشام”، نافيًا وجود أي مشكلات أو علاقات مع الفصيل، موضحًا أنه لا ينكر عمل “تحرير الشام” في القتال ضد النظام، و”هم أبناء هذا البلد، وقد صدوا هجمات النظام كثيرًا، ونحن مستعدون للتفاهم معهم، ونؤيد الاندماج الكامل لمناطق المعارضة”، واصفًا “هيئة تحرير الشام” بأنها “تغيرت حاليًا للأفضل”.
لم تغب المقارنات بين مناطق سيطرة “الجيش الوطني” ومناطق “تحرير الشام” عن لسان قائد الأخيرة “أبو محمد الجولاني” في عدة مناسبات، ولا عن معرفات “الهيئة” أو المقربة منها، والتي تحرص على إظهار مناطق “تحرير الشام” خالية من الفوضى والمشكلات.
ونشر أحد المعرفات المقربة من “تحرير الشام” تسريبًا صوتيًا لـ”الجولاني”، تحدث فيه عن حالة “الفوضى والمخاطر الأمنية والاجتماعية والسياسية” التي تغرق بها مناطق “الجيش الوطني”، واجتماعه مع عدة قيادات وفصائل في مناطق “الوطني” ودعواته لتوحيد الصفوف.
وأبدى القائد العام لـ”تحرير الشام” استعداده لتوحيد الصف وتحقيق اندماج كامل وإنهاء حالة الفصائلية، وتعميم نموذج سيطرة “الهيئة” على إدلب في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”.
“أبو عمشة” أربك “الوطني”
ظهور القيادي “أبو عمشة”، البعيد عن المحاسبة، بعد إدانته بعدة انتهاكات في ريف حلب، والمنضوي حديثًا تحت “هيئة ثائرون للتحرير” التابعة لـ”الجيش الوطني”، زاد في الشرخ الحاصل بين عدة فصائل في صفوف الأخير.
فبعد إدانته من قبل لجنة ثلاثية بانتهاكات، وصدور قرارات، أبرزها عزله من منصبه، وعدم تسليمه مناصب “ثورية” لاحقًا، والنفي خارج مناطق عمليات “غصن الزيتون” (عفرين وريفها)، تقلّد “أبو عمشة” منصب عضو في مجلس قيادة “ثائرون”، الأمر الذي انعكس توترًا بين “ثائرون” و”عزم” التي وضعت على عاتقها تنفيذ قرارات اللجنة.
قيادي في “الجيش الوطني” طلب عدم ذكر اسمه، أرجع في حديث إلى عنب بلدي أسباب التوتر الحاصل بين “عزم” و”ثائرون” إلى عدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات في فرقة “العمشات”، وتجلّى ذلك حين تسلّم “أبو عمشة” منصبًا في “هيئة ثائرون للتحرير”.
وأضاف القيادي أن بعض العوامل الاقتصادية صعّدت الخلاف، مستبعدًا حصول أي اندماج بين “أبو عمشة” و”تحرير الشام”، وفي حال حصوله، ستزداد الفجوة بين مكوّنات “الجيش الوطني”.
شد أزر وتقارب لا اندماج
الباحث والمحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، رجّح في حديث إلى عنب بلدي إمكانية وجود تقارب بين “أبو عمشة” و”تحرير الشام”، نافيًا وجود إمكانية اندماج كامل، لأن الكثير من العناصر في فصيل “أبو عمشة” أو في “الجيش الوطني”، لا يتفقون أيديولوجيًا مع “تحرير الشام” والعكس.
لا توافق أو اندماج، بحسب الأسعد الذي يرى أنه تنظيم تعاون وشد أزر “أبو عمشة” بـ”تحرير الشام”، موضحًا أن الأمر لا يتعدى مسألة تحالفات، بعيدًا عن فكرة اندماج كامل، أو جسم عسكري واحد يضم كلا الطرفين.
وأشار المحلل العسكري إلى إمكانية تقوية “أبو عمشة” لمكانته العسكرية، بعد أن أصبح في موقع الاتهام، من خلال وضع يده في يد “تحرير الشام” لتقليل فرص محاكمته وعزله.
الباحث في الجماعات “الجهادية” عباس شريفة، لا يعتقد في حديث إلى عنب بلدي أن زيارة “أبو عمشة” الأخيرة، تأتي في إطار البحث عن اندماج، مرجّحًا وجود تنسيق، وهذا شيء طبيعي بحكم وجود قوة عسكرية لفصائل “الجيش الوطني” في منطقة إدلب ترابط مع القواعد العسكرية التركية، إذ تنشط بعض الفصائل المنضوية تحت راية “الجبهة الوطنية للتحرير” التابعة لـ”الجيش الوطني”، في مناطق سيطرة “الهيئة” وتعمل بالتنسيق والتماشي مع سياسة الأخيرة.
ويرى شريفة أن هناك توجّهًا لدى فصائل “الجيش الوطني” و”تحرير الشام” لفتح قنوات تعاون وتنسيق، يمكن أن تتطور من الجانب العسكري إلى الجانب الأمني والاقتصادي