نبيل محمد
“الفرسان الثلاثة” عنوان مسلسل كوميدي جديد بدأ عرضه في الموسم الرمضاني الحالي، من بطولة أيمن زيدان، الذي يعود بهذا المسلسل إلى الكوميديا التي كان واحدًا من أبرز نجومها في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة. الكوميديا كانت هي المسؤولة بالدرجة الأولى عمّا حققه زيدان من شهرة، والتي يبدو أنها اليوم في أرذل عمرها، تحاول الدغدغة دون جدوى، تحكي بأسلوب قديم فقد قدرته على خلق الابتسامة منذ سنين طويلة، ولم تعد مجرّد محاولة مواكبة الزمن قادرة على تحقيق أي أثر، هذا ما يبدو من الحلقات الأولى من العمل.
سبق لزيدان أن قدم أعمالًا مشابهة لهذا العمل، من حيث البنية والحكاية والشخصيات، إلا أن الأعمال السابقة مثل “بطل من هذا الزمان” أو حتى “يوميات مدير عام”، نالت شهرة ومتابعة جماهيرية كبيرة، متأتية من فرضية جرأة العمل في زمن كان الحديث فيه عن الرشوة وفساد القطاع العام، خرقًا للسائد، إلا أنها وبلا شك لم تكن سوى تكريس للخطوط الحمر، وإيهام بحريات محدودة وقاصرة عن التأثير الحقيقي، لا ميزة حقيقية فيها سوى تجاوزها لمستوى التهريج، وقدرتها على ملء الفراغ السائد في حياة الجمهور.
عِلل العمل أكثر من أن تحصى، سواء بالمقارنة مع أعمال زيدان السابقة، أو بمعزل عن ذلك، من فقر العمل إنتاجيًا وقد تولّى القطاع العام مهمّة إنتاجه، ليظهر أقل ذكاء وحداثة من “البطاقة الذكيّة”، محدودًا في طرحه، مقيدًا بمجموعة نكت مستهلكة على لسان زيدان نفسه عشرات المرّات. أما الجرأة، فمن نافل القول إن الحديث عن مدير فاسد، أو محسوبية، أو سلطة مؤسسة أمنية، هو أدنى مستوى وأقل تأثيرًا بمراحل من عمل كوميدي يبتعد كليًا عن النقد، ويقتصر على الإضحاك بتفاصيل قصة لا تنشد الدفاع عن أي قضية. ولعلّ مشكلة الكوميديا الكبرى تاريخيًا في سوريا هي ارتباط أغلبيتها بقضايا مجتمعية عامّة، وحملها همًا وطنيًا.
حزب سياسي اسمه حزب “الشباب”، يضم مجموعة من المسنين، هذا الترميز يقدَّم ككوميديا تهدف للإضحاك في عام 2022، هل يمكن تخيّل ذلك؟! أما الحكاية فهي لعائلة “أبو عماد” مع مجموعة من الأصدقاء، الذين يواجهون سلطة في مؤسسات عملهم، وسلطة في منازلهم، إضافة إلى بعض العلاقات التي يبحث فيها القائمون على العمل عن موطن للنكتة. أب يعاني من ابنه الصغير المشاكس، وآخر ذو شخصية ضعيفة يعاني من زوجته المتسلّطة. باستذكار سريع سنجد أن كل أعمال زيدان الكوميدية السابقة تضمنت هذه المكوّنات، وحاولت بناء النكتة منها. تلك النكتة التي كان من بؤس حياة السوريين السابقة أنها كافية للإضحاك، فكيف هي اليوم؟
يعتب زيدان على الهيئة المنتجة، بأنها لم تسوّق للعمل بشكل جيد، وبأنها تعرضه وكأنها تشعر بالخجل إزاء ذلك، مؤمنًا بأنه قدم عملًا استثنائيًا، وهو الممثل كثير التأفف من مستوى الفن السوري في السنوات الأخيرة، ومن الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، مطالبًا دائمًا بالتغيير، في حين لم يستطع تغيير جمله ذاتها، ومصطلحاته وشتائمه، التي لم يختلف فيها شيء، سوى أنها باتت تأتي على لسان رجل متعَب، ابتسامته صارت مكلفة، وتفاعله مع النكتة بات مترهلًا، وكأنه هو ذاته قد ملّ من هذا الشكل، لكن لم تكن لديه مشكلة بتكراره بهذا المستوى الضحل.
تعج الأعمال السورية الكوميدية منها والتراجيدية اليوم، بالقصص والحوارات التي تسوّق لنفسها بأنها تخترق الخطوط الحمر، تأتي بجديد لم يكن متوفرًا في السابق، تكثِر من شخصيات ضباط الأمن والمسؤولين الفاسدين، وتعجّ بالسجون أيضًا، ولسان حالها يقول إنها مواكبة حداثيّة بنصوصها وصورتها، تعوّل على الجمهور الذي سيجد في أي مقطع لخالد العبود أو بثينة شعبان مكوّنًا كوميديًا ذا أثر أكبر، وفي أي تراجيديا واقعية سورية اليوم حكاية ذات عمق وبعد موغل بالمأساة، أما ما ينتجه التلفزيون فلا فرق في حضوره أو عدمه، ولعل التيار الكهربائي سيحدّد خيارات الجمهور وحده دون أن يكلّفهم عناء الاختيار.