أفرج النظام السوري وبالتزامن عن عدد من المعتقلين المتهمين بقضايا تتبع لمحكمة الإرهاب في سوريا، بطريقة وصفها العديد من الناشطين والمنظمات الحقوقية بـ “المهينة” للمعتقل ولذويه، لانتظارهم لساعات طويلة في الساحات الرئيسية للحصول على فرصة لرؤية ابنهم أو أحد خرج وصادفه في المعتقل.
وبدأ النظام بعمليات الإفراج، في 1 من أيار الحالي، استنادًا إلى مرسوم العفو الأخير الذي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
ونص المرسوم التشريعي رقم “7”، الذي صدر في 30 من نيسان الماضي، على عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ صدوره مباشرة، عدا التي أفضت إلى موت إنسان.
ولم يعلن النظام السوري عن أعداد المعتقلين الذين أفرج عنهم في أول أيام تنفيذ قرار العفو، ولم ينشر قوائم بأسمائهم، كما أجرى عملية الإفراج عن معظم المعتقلين في وقت متأخر من مساء الأحد.
وكانت معظم القوائم التي جرى تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استندت إلى معلومات قدمها أهالي المعتقلين الذين أُفرج عنهم.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، تركت سيارات عسكرية تابعة لأجهزة الأمن المعتقلين في الساحات العامة، وحمّلتهم مسؤولية الوصول إلى مدنهم وقراهم وعائلاتهم، ما تسبب بمشكلة في وصولهم إليها بسبب عجزهم عن تأمين أجرة وسائل النقل، أو تعرّض مدنهم وقراهم للتهجير خلال سنوات اعتقالهم.
ورغم أن الإفراج عن المعتقلين يصب في مصلحة النظام، ويؤكد البدء بتنفيذ مرسوم العفو، واصل النظام السوري تطبيق سياسته المعتادة، “كل شيء يحدث بالعتمة وفي الليل”، للتعتيم على الخبر، وعدم الإفصاح عن أي تفاصيل تطمئن الأهالي، وفق ما قاله، مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، في حديث سابق لعنب بلدي.
وأفاد العبد الله أن المعلومات عن عدد المعتقلين الذين أُفرج عنهم في اليوم الأول لم تكن واضحة، فغياب الشفافية يجبر الأهالي والناشطين ووسائل الإعلام على العمل لإحصاء أسماء المعتقلين الذين أُفرج عنهم.
تركت قوات النظام السوري المعتقلين في الساحات العامة، وحمّلتهم مسؤولية الوصول إلى مدنهم وقراهم وعائلاتهم، ما تسبب بمشكلة في وصولهم.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، لم يصل عشرات المعتقلين إلى عائلاتهم، بسبب عجزهم عن تأمين أجرة وسائل النقل، أو تعرّض مدنهم وقراهم للتهجير خلال سنوات اعتقالهم.
“هناك معتقلون لا يستطيعون التعرف إلى عائلاتهم، بعضهم من محافظات أخرى، ويحتاجون إلى أيام للوصول إلى منازلهم، كما أن هناك معتقلين من ريف دمشق تم تهجير مدنهم وقراهم بأكملها، وبالتالي خرجوا إلى واقع جديد لا يعرفون به أحد”، بحسب العبد الله.
تغير في النهج
كان للانتقادات التي طالت النظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع السوري بين استغاثات أهالي المعتقلين الذين تمركزوا في منطقة جسر “الرئيس” في العاصمة دمشق، الأثر في تغيير الصورة، إذ حاول النظام التخفيف من الغضب الشعبي، الذي قد يتحول لمظاهرات جديدة ضده، ما دفعه لتحديد أماكن معينة لوضع المعتقلين المفرج عنهم فيها، ونشر قوائم بأسمائهم إلى جانب تصويرهم في مراكز حكومية ليتمكن ذووهم من التعرف عليهم ومرافقتهم.
وكانت إذاعة “شام إف إم” المحلية، المقربة من النظام السوري، حذفت تسجيلًا مصوّرًا كانت قد بثته، في 4 من أيار الحالي، من أمام منطقة جسر “الرئيس”، يظهر فيه عشرات الأشخاص الذين ينتقدون عشوائية إخراج المعتقلين ويشتكون طول انتظارهم دون جدوى.
وفي ظل غياب التغطية الإعلامية الرسمية، ظهر تقرير الإذاعة وحيدًا من أمام مئات الناس، لكن سرعان ما حُذف، دون توضيح أو تبرير سبب الحذف.
ويظهر التسجيل، ذوي المعتقلين بقلة حيلة، بعضهم من وقف في منطقة جسر “الرئيس” لساعات طويلة، منتظرًا رؤية قريب أو أكثر، لم يره منذ سبع سنوات على الأقل، أو لسؤال أحد المعتقلين “الذين حالفهم الحظ بالخروج” إن سبق وصادفوه في مهجع ما.
وفي 5 من أيار الحالي، أفرج النظام عن عدد من المعتقلين المشمولين بالعفو بطريقة اختلفت عن نهجه السابق.
وقال محافظ مدينة درعا، لؤي خريطة، في تصريح رسمي في 5 من أيار، إن المحافظة ستنشر أسماء الموقوفين المخلى سبيلهم من أبناء محافظة درعا.
وقال المحافظ إنه سيتم تأمين المفرج عنهم ممن لم يتواجد أحد من ذويهم وايصالهم لأهاليهم.
وتكرر هذا السيناريو في عدد من المحافظات أبرزها ريف دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية، إذ صارت دفعات المعتقلين تحدد مسبقًا ويخرجون من مبنى المحافظة.
الناشطون السياسيون ومعتقلو الرأي خارج معادلة الأسد
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، قال في حديث لعنب بلدي، إن العفو الحالي لا يختلف بشيء عن مراسيم العفو السابقة، إلا أنه جاء كتغطية على مجزرة “التضامن” التي كُشف عنها مؤخرًا، وهي الهدف الأساسي من العفو.
ومن ناحية الإفراجات الحاصلة عن المعتقلين حتى الآن، فهي بحدود الـ200 بينهم 24 سيدة، بحسب ما وثقته الشبكة.
وتوقع عبد الغني أن يفرج النظام عن قرابة 1800 شخص كحد أقصى، بينما لا يزال يحتجز لديه 132 ألف مواطن سوري، من بينهم 87 ألف مختف قسريًا.
ولا يحاكم أغلب المعتقلين في سوريا (أي أنهم غير محالين للمحكمة سابقًا)، بل يعتقلون لسنوات دون إحالة للمحكمة.
ويتهم المعتقل بالعديد من الأمور، وبالتالي لن يشمله العفو، ولوجود استثناءات يختار النظام من يريده فيفرج عنه، فيخرج معتقلون بتهم جنائية وممن اعتقلوا حديثًا.
وعلى فرض أن النظام أطلق سراح ألف أو ألفي معتقل كل سنة، فهو يحتاج إلى 130 سنة للإفراج عن كل المعتقلين الموجودين في سجونه.
أغلب المعتقلين الموجودين في سجون النظام هم من معتقلي الرأي ولأسباب سياسية، وعليه فإن هذه المراسيم ليس لها أي قيمة ولا تعتبر عفوًا عامًا، بحسب عبد الغني.