أفرج النظام السوري عن 419 معتقلًا اتهمهم بارتكاب أعمال إرهابية، وذلك بموجب عفو رئاسي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، دون توضيح مصير ممتلكات المفرَج عنهم الذين تسقط عنهم العديد من الحقوق من بينها الممتلكات العقارية.
وترتبط قضية المعتقلين والمختفين قسرًا في سوريا بملف حقوق الملكية العقارية، إذ يحالون بأغلبيتهم إلى محكمة “الإرهاب”، وهو ما يعني مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة حين يتم إصدار حكم الإدانة.
لا تسقط في حال وجود متضرر
القاضي رياض العلي قال في حديث إلى عنب بلدي، إن دعوى الحق العام تسقط قانونيًا بالعفو، ومصادرة الممتلكات هي جزء من العقوبة، وهي عقوبة فرعية وتسقط تبعًا لسقوط العقوبة الأصلية (الإعدام، الاعتقال، السجن، الحبس…).
أما دعوى الحق الشخصي فلا تسقط، وفي حال وجود متضرر من فعل المتهم (أي المعفى عنه)، يحق لهذا المتضرر إقامة دعوى الحق الشخصي (التعويض) بمواجهة المتهم، “وهذا على فرض وجود جرم” ارتكبه الشخص المدان.
أما من الناحية العملية أو الواقع في سوريا، فلا يوجد أحد يستطيع أن يتوقع ماذا سيكون موضوع مصير الممتلكات ومصادرتها، بحسب القاضي رياض العلي،
بينما قال المحامي السوري عارف الشعال، عبر صفحته في “فيس بوك”، إنه وبموجب المادة “150” من قانون العقوبات، فإن العفو العام يسقط كل عقوبة أصلية كانت أو فرعية أو إضافية، ولكن لا ترد الأشياء المصادرة بموجب المادة “69 عقوبات”.
وبمقتضى المادة “69 عقوبات” فإن الأموال المصادَرة نوعان:
- الأشياء التي نتجت عن الجريمة.
- الأشياء التي استُعملت في ارتكاب الجريمة أو كانت معدّة لاقتراف الجريمة (أي الأموال التي استخدمها الفاعل في ارتكاب الجريمة أو كان يعتزم استخدامها فيها، أو الأموال التي نجمت عن الجريمة).
أما الأموال أو الأشياء سواء كانت ممنوعة كالأسلحة والمتفجرات، أو مسموحة كالسيارة المستخدمة في ارتكاب الجريمة، أو أموال نقدية (كفدية خطف مثلاً) نجمت عن جريمة، فهي تصادر ولا ترد لمالكها بموجب المادة “150” المذكورة، شرط أن تكون قد ضُبطت قبل صدور العفو.
بينما قضت المادة “12” المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم “19” لعام 2012، بمصادرة التالي:
- الأموال أو الأشياء التي استُخدمت أو كانت معدّة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة وهي مطابقة للمادة “69 عقوبات” وتأخذ حكمها أي تصادر، إذا كانت قد ضُبطت قبل صدور العفو.
- أموال المتهم المنقولة وغير المنقولة وعائداتها، أي الأموال التي يملكها المتهم قبل ارتكاب الجريمة ولم تُستخدم في ارتكاب الجريمة، ولم يعدّها للاستخدام في ارتكاب الجريمة، ولم تنجم هذه الأموال عن الجريمة، وهذه الأموال ليست مقصودة بالمادة “69 عقوبات” ولم ترد بمندرجاتها أبدًا، هذه الأموال لا تصادر وينبغي إعادتها للمعفى عنه بموجب قانون العفو الأخير إذا كانت قد ضُبطت، بسبب عدم شمولها بالمادة “69 عقوبات” نهائيًا.
قانون “مكافحة الإرهاب”
وفي نيسان 2011، قررت حكومة النظام السوري رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة “أمن الدولة العليا”، وفي تموز عام 2012، أصدرت الحكومة قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19”، وفي الشهر نفسه صدّق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على القانون رقم “22” المؤسس لمحكمة “مكافحة الإرهاب” كي تقضي بذلك القانون، الذي أعطى الحق للنائب العام بتجميد أملاك كل من يرتكب الجرائم المتعلقة بـ”الأعمال الإرهابية” أو أي جريمة بموجب هذا القانون.
وبموجب رفع حالة الطوارئ، تم إنهاء العمل بـ“محكمة أمن الدولة العليا”، ولكن كان تعويضها من خلال تشريع قانون “مكافحة الإرهاب”، وإنشاء محكمة استثنائية خاصة بقضايا الإرهاب.
ونصت المادة رقم “12” من قانون “مكافحة الإرهاب” على أنه “في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استُخدمت أو كانت معدّة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها”.
وأُصدرت آلاف الأحكام بمصادرة الأملاك العقارية في سوريا بموجب تلك المادة، بحسب ما قاله المحامي السوري أحمد صوان، في حديث إلى عنب بلدي.
“لكن العقارات لا تباع بشكل مباشر، إلا بعد أن يصبح قرار الإدانة قطعيًا غير قابل للطعن”، بحسب ما أوضحه المحامي صوان، فممتلكات المعتقلين والمختفين قسرًا لا تتأثر إذا لم يصدر حكم بالإدانة، وتبقى ممتلكاتهم باسمهم وبحيازتهم ويستغلها أقاربهم، إلى أن يصدر حكم الإدانة والمصادرة.
وتتعمّد أجهزة الأمن، في بعض الحالات، وضع “علامة أمنية” على أسماء هؤلاء الأفراد كإشارة إلى منعهم من تنفيذ أي عمليات نقل الملكية في المستقبل، ما يتيح لحكومة النظام مصادرة ممتلكاتهم حين يصدر حكم الإدانة.
ويصدر قرار الحجز الاحتياطي ضد المحكومين من قبل وزير المالية، بناء على طلب النيابة العامة لدى محكمة “مكافحة الإرهاب”.
ويتحول الحجز إلى مصادرة بالحكم النهائي من قبل المحكمة، إذ تحكم المحكمة بالعقوبة وبالمصادرة، ثم ترسل كتابًا بذلك إلى “إدارة أملاك الدولة” في وزارة الزراعة، التي تخاطب “السجل العقاري” لنقل الملكية إلى اسم “الجمهورية العربية السورية”، ومن ثم تقوم “إدارة أملاك الدولة” بإخلاء العقار وتسلّمه عن طريق الشرطة.
أو يُمكن بيعه بالمزاد العلني وإيداع الثمن لمصلحة “الخزينة العامة للدولة”، وفق ما شرحه صوان.
لا رقابة
يحمي الدستور السوري الحالي لعام 2012 في مواده “15” و”16″ و”17″ الحق في الملكية الفردية ويحترم خصوصيتها، ويعزز تلك الحماية “القانون المدني السوري” و”قانون التخطيط وتنظيم عمران المدن” رقم “23” لعام 2015.
وتتعارض أحكام قانون “مكافحة الإرهاب” مع النص الدستوري، إذ جاء في المادة “12” من هذا القانون أنه: “في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها، والأشياء التي استُخدمت أو كانت معدّة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها”.
ويؤخذ على هذا النص أنه جاء مطلقًا يشمل جميع الأموال والعائدات، سواء استُخدمت لارتكاب الجرم أم لم تُستخدم، وهو ما يجعله مخالفًا للنص الدستوري الوارد في الفقرة “1/أ” من المادة “15”.
ويعد النص المخالف للدستور باطلًا ومنعدمًا، ويمكن للقاضي الامتناع عن تطبيقه تلقائيًا نظرًا إلى مخالفته النظام العام، أو عن طريق الدفع بعدم دستورية القانون.
مَن المفرَج عنهم؟
قالت عضو “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” نور الخطيب، لعنب بلدي، إن ما لا يقل عن 419 شخصًا أُفرج عنهم من قبل قوات النظام السوري من مختلف السجون المدنية والعسكرية في المحافظات السورية، بينهم 44 سيدة وثمانية أشخاص كانوا أطفالًا حين اعتقالهم، خلال الفترة الممتدة من 1 من أيار الحالي وحتى 8 من الشهر ذاته.
وما زالت “الشبكة” تتابع عمليات رصد ومراقبة حالات الإفراج عن المعتقلين على خلفية المرسوم “7” لعام 2022.
وأشارت الخطيب إلى أن معظم المفرَج عنهم ينتمون لمحافظات دمشق وريف دمشق ودرعا ودير الزور وحلب، وتراوحت مدة اعتقال معظمهم بين ثلاثة وثمانية أعوام وسطيًا، وكان قد قضى العديد منهم أكثر من ثلثي مدة أحكامهم.
–