أي سحر ولغة سكبها الكاتب السوداني حمور زيادة في روايته “شوق الدرويش”، كل كلمة تذوب فيها حد الألم، أقلام تأخذك في رحلة مبهرة مع كل حرف منها، تأسرك في الحبكة الجبارة والسرد المتقن.
الرواية حائزة على جائزة نجيب محفوظ عام 2014 وضمن الروايات التي رشحت لجائزة البوكر عام 2015، وهي تصف حقبة تاريخية صعبة في السودان أيام الثورة المهدية عام 1844، حين يظهر رجل يدّعي أنه المهدى المنتظر، وهو الرجل الذي “بعثه الله رحمة للناس ليعيد الحق والعدل ويرفع راية الاسلام وينصر الله فى الأرض”.
استجاب الناس للمهدي بقوة مكنته من إخراج الحكم الثنائي التركي المصري في السودان، لكن وقع ما لم يكن بالحسبان، امتلأت الأرض ظلمًا وجَورًا وقتلًا؛ دماء أرهقت باسم الله ونفوس قتلت تحت راية الإيمان.
“احذر الإيمان يا ولدي فمنه ما يهلك كالكفر”، يقول زيادة، ومن وسط هذا الخراب تنمو قصة حبّ موجعة بين بخيت منديل وهو عبد مسلم أسود مؤمن بالمهدية، وثيودورا الراهبة الأرثوذكسية اليونانية الأصل، والتي سقطت سبية بيد أحد رجال مهدي الله لدى اجتياحهم الخرطوم، وقد عاقبها الرجل بالختان والضرب والإهانة عندما رفضت الزواج به.
يعشق “بخيت” ثيودورا، التي يصبح اسمها بعد إجبارها على الإسلام “حواء”، ويرى فيها سعادته بعد شقاء طويل قضاه في العبودية والظلم، لتشرق حياته برؤيتها.
“لقد عشت حيوات كثيرة يا حواء، أكثر مما أتحمله، ربما ما عشت طويلًا، لكنني عشت كثيرًا، وما وجدت حياة أحلى من التي كانت أنتِ، فقط لو كنت أحببتني؛ لكنني لا ألومك، لقد تعلمت في حياة عشتها أن الحب كالقدر، لا تملك من أمره شيئًا”.
الخرطوم توجع ثيودوروا فتقرر الهرب منها ليلحق بها سيدها وبعض رجال ويقتلونها وهم يصرخون “يا كافرة”، وهنا تبدأ عبودية جديدة لـ “بخيت” وهي الأخذ بثأر حبيبته من القتلة ويعيش في سجنه 7 سنوات متحملًا الظلم والأذى لأنه مدين الهوى، مدينًا لعشقه و للثأر.
يفي بخيت وعده ويقتل من حرمه ثيودورا، وعندما تلوح له فرصة الهرب من العقوبة يختار الموت متعجلًا للقائها.
كتبت ثيودورا في مذكراتها “بخيت منديل لا يشبه هذه المدينة، وفي حالة طباعة بعض هذه المذكرات في كتاب، لابد أن يذكر الكتاب بخيت منديل فهو مختلف، نموذج سيدهش القارئ الغربي أن يطّلع عليه، إن سيرته في المحبة جديرة أن يكتب عنها الأدب الغربي، عاشق من مسرحيات شكسبير سقط سهوًا إلى هذه البلاد الوحشية، لولا أنه أسود… لولا أنه عبد من الدراويش”.