حدّ بعد المسافات السوريين من تبادل الهدايا في المناسبات، ما خلق سوقًا جديدة تسمى “تجارة المناسبات”، استثمرته نور أسعد، لإرسال باقة ورد إلى شقيقتها مع مبلغ متواضع، تهنئها بمناسبة التخرج من الجامعة.
تواصلت نور (23 عامًا) مع صفحة في “فيس بوك” تقدم خدمات إعداد وإرسال الهدايا داخل سوريا، لتصل الهدية بسرعة تجنبت فيها الوقت الطويل لإرسالها عبر شركة شحن من تركيا حيث تقيم.
وانتشرت في السنوات الأخيرة صفحات على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي تقدم خدمات مأجورة لإعداد وتوصيل طلبات وهدايا المغتربين واللاجئين السوريين في بلاد اللجوء، إلى أقاربهم، أو أصدقائهم، أو إلى اللواتي خُطبن عن بُعد، المقيمين في سوريا.
وتشهد هذه الصفحات نشاطًا ملحوظًا في تلقي الطلبات خلال أيام العيد، وأتت الحاجة لتلك الصفحات بسبب رغبة بإرسال الهدايا بأجور منخفضة مقارنة بتكاليف إرسالها من الخارج.
“ما في طريقة تانية”
وعن سبب اختيارها لهذه الصفحات كطريقة لإرسال هديتها، أجابت نور أسعد عنب بلدي، “أردت إرسال الهدية بأسرع وقت، وتسليمها لأختي في يوم ومكان محددين، وهو ما لا توفره شركات الشحن العادية”، وأبدت نور رضاها عن مساعدة إدارة الصفحة لها في اختيار الهدية المناسبة.
وحذّرت نور من وجود “حالات نصب” لعدد من الصفحات التي تقدم خدمات مشابهة، وأكدت أنها تأكدت من مصداقية الصفحة التي أرسلت عبرها، عن طريق مراقبة تعليقات المتابعين في الصفحة، وسؤال أشخاص تعاملوا معها سابقًا عن تجربتهم.
وقالت نور، إن الأجور كانت مناسبة، ودُفعت بعد أن وصلت الهدية عن طريق حوالة بنكية.
وفي حديث إلى عنب بلدي، أجاب أنس قطان (22 عامًا)، الذي أرسل هدية إلى صديقه في مدينة حلب، عن سبب إرساله الهدية عن طريق صفحة على “فيس بوك” توصل الهدايا من داخل سوريا، بأنه “لا توجد طريقة ثانية”، إذ أشار إلى عدم وجود طريقة أخرى لإرسال هدية بسيطة إلى شخص في سوريا، دون دفع تكاليف أجور شحن تعادل أو تتجاوز قيمة الهدية المرسلة.
ويعتقد أنس أنه بالرغم من عدم وجود مناسبة لإرسال هدية إلى صديقه، فإن هذه الصفحات ساعدته على تجديد علاقته الأخوية بصديقه، الذي لم يره منذ أكثر من ثماني سنوات، بأجور لا تعد مرتفعة للغاية.
وفي عيد الأم السنة الماضية، أرسلت إسراء (22 عامًا)، عبر إحدى صفحات “فيس بوك” لتوصيل الطلبات من داخل سوريا، عدة أنواع من الأطعمة الجاهزة لعائلتها من مطعم للوجبات السريعة في مدينة حلب، بحسب حديث إلى عنب بلدي.
وقالت إسراء، إنها ستعيد الإرسال مع ذات الصفحة بعد تأكدها من مصداقية وجودة خدماتها في تجربتها الأولى، ولأنها ساعدتها على إسعاد أمها، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعاني منها عائلتها والبلد بشكل عام، ما يجعل العائلة تعطي أولوية لشراء الأطعمة ذات التكاليف المنخفضة.
“الأكثر طلبًا.. الشاب الخاطب”
لتوضيح طبيعة عمل صفحات توصيل الطلبات، وماهية زبائن هذه الصفحات، تواصلت عنب بلدي مع مشرفة إحدى الصفحات على “فيس بوك”، التي يتابعها نحو سبعة آلاف شخص، وتوصل بشكل وسطي ما يعادل 40 طلبًا شهريًا، لعدة محافظات في سوريا من بينها الشمال السوري.
وبدأت قمر شرفو (29 عامًا)، المقيمة في تركيا، بمجال إعداد وتوصيل الطلبات من داخل سوريا عبر صفحات التواصل الاجتماعي، خلال فترة دراستها في تركيا، بسبب عدم وجود فرص عمل مناسبة، وسعيًا منها لإيصال الفرح إلى قلوب المقيمين في سوريا، على حد قولها.
وعن طريقة عمل الصفحة، أوضحت قمر أن طاقم عمل الصفحة المكوّن من تسعة أشخاص، بين مشرفة للصفحة ومندوبي إعداد وتوصيل الطلبات والموزعين على المحافظات السورية، يعمل على تأكيد الطلب من الشخص المقيم خارج سوريا وأخذ عنوان ورقم الشخص المراد تسليمه الطلب، ثم إعداد وتوصيل الطلب في اليوم المحدد من الزبون.
ويدفع الشخص الموصي على الطلب قيمته وأجور توصيله عن طريق حوالة بنكية في البلد المقيم فيه، وتتراوح التكاليف حسب نوع وكمية الطلب وتكاليف المواصلات في سوريا، التي أصبحت “مكلفة جدًا”، بحسب قمر.
وتتصدّر أيام عيدي الفطر والأضحى، وشهر رمضان، وعيد الأم، قائمة المناسبات الأكثر ورودًا للطلبات في الصفحة، بحسب قمر، وتتضمّن الطلبات وجبات طعام جاهزة، وحلويات، ووجبات إفطار، وهدايا متنوعة تشمل الملابس والعطور، من مطاعم ومحال متعاقد معها مسبقًا، أو من محل تجاري معيّن بناء على طلب الموصي.
وتأتي الدول الأوروبية وفي مقدمتها هولندا وألمانيا، كأول الدول من حيث أماكن السوريين الذين يقدمون طلبات للصفحة، تليها تركيا، فيما يُعد الشاب الخاطب الأكثر طلبًا لإرسال الهدايا إلى خطيبته المقيمة في سوريا، وفقًا لمشرفة الصفحة.
وتكثر في رمضان طلبات توصيل وجبات إفطار للعائلات في المحافظات السورية من الزبائن المقيمين في الخارج أو من أصدقائهم الأجانب، كنوع من الأعمال الخيرية.
ومن الأعمال الخيرية توزيع ربطات الخبز، على مدار العام وليس خلال رمضان فقط، وتكثر مثل هذه الطلبات في محافظة إدلب لسهولة التوزيع، بحسب قمر، وتكون طلبية الخبز مُرفقة بورقة صغيرة يُكتب عليها أحد الأدعية أو سبب التوزيع.
ويلجأ السوريون في الخارج لمساعدة ذويهم في سوريا ماليًا عبر الحوالات، لكن الفارق بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء يدفعهم لإرسالها عبر السوق السوداء، ويعتمد معظم المقيمين في مختلف المحافظات السورية على تلك الحوالات المالية، خاصة بعد تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية وارتفاع الأسعار بشكل كبير.
ودفع ذلك النظام السوري لتشديد التعامل الأمني مع مكاتب الحوالات والأشخاص غير المتعاملين مع مكاتب الحوالات والصرافة المرخصة من النظام، لتأثيرهم على أسعار الصرف في سوريا.
وتُعد صفحات توصيل الطلبات من إحدى الطرق غير المرخصة لمساعدة الأهالي المقيمين في سوريا من قبل أقاربهم في الخارج، وتنشط في المناسبات عندما ترتفع الأسعار الخارجة أساسًا من دائرة القدرة الشرائية للسكان.
تقدّر الأمم المتحدة أن 14.6 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ومن المقرر أن يستضيف الاتحاد الأوروبي مؤتمر “بروكسل” هذا الأسبوع، بهدف تشجيع التبرعات والضغط من أجل حل الصراع.
–