يُستخدم مصطلح تطور الشخصية عادةً لوصف حالة بناء وظهور أنماط معينة من السلوك البشري عبر الزمن، ما يسهم بتكوين شخصية فرد مميزة عن غيره، وتشترك العديد من العوامل الجينية، والبيئية، والأسرية، والمتغيرات الاجتماعية بهذا البناء والتطور، بحسب تعريف موقع “Verywell Mind” المختص بالصحة العقلية لتطور لشخصية.
الأهم من هذه العوامل، هو التفاعل المستمر لكل هذه المؤثرات، الذي يستمر في تشكيل الشخصية، إذ لا تنطوي الشخصية على السمات الفطرية فحسب، بل تشمل أيضًا تطوير الأنماط المعرفية والسلوكية التي تؤثر على طريقة تفكير الفرد وتصرفه.
وعلى سبيل المثال، يعتبر المزاج جزءًا أساسيًا من الشخصية تحدده السمات الموروثة، التي تعتبر جانبًا من جوانب الشخصية التي تتأثر بالتجربة، وتستمر في النمو والتغير طوال الحياة.
فرويد: ثلاث مكونات للشخصية
اقترح مؤسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث، سيغموند فرويد، في نظريته المرحلية المعروفة لـ”التطور النفسي الجنسي”، أن الشخصية تتطور على مراحل مرتبطة بمناطق مثيرة للشهوة الجنسية.
ولم يضع نظرية حول كيفية تطور الشخصية خلال فترة الطفولة فحسب، بل طور أيضًا إطارًا لكيفية بناء الشخصية بشكل عام.
وفقًا لفرويد، تُعرف القوة الدافعة الأساسية للشخصية والسلوك بالرغبة الجنسية، وتغذي هذه الطاقة المكونات الثلاثة التي تشكل الشخصية، وهي “الهوية” و”الأنا” و”الأنا العليا”.
وتعتبر الهوية، بحسب فرويد، جانب الشخصية الحاضرة عند الولادة، أي أنها الجزء الأكثر بدائية من الشخصية، الذي يدفع الناس لتلبية احتياجاتهم الأساسية وطلباتهم.
بينما عرّف فرويد “الأنا” على أنها جانب الشخصية المُكّلف بالتحكم في دوافع الهوية، وإجبارها على التصرف بطرق واقعية.
وعرف “الأنا العليا” بأنها الجانب الأخير من الشخصية، الذي يدفعها لتتطور وتحتوي على جميع المُثل والأخلاق والقيم والثقافة التي يشبعها آباؤنا لنا.
وفقًا لفرويد، تعمل هذه العناصر الثلاثة للشخصية معًا لخلق سلوكيات بشرية معقدة، إذ تحاول “الأنا العليا” أن تجعل “الأنا” تتصرف وفقًا لهذه المُثل، في حين يجب على الأنا بعد ذلك أن تكون معتدلة بين الاحتياجات الأساسية للهوية، والمعايير المثالية لـ”الأنا العليا”، والواقع.
ويعتبر مفهوم فرويد عن “الهوية والأنا والأنا العليا” أحد أكثر التفسيرات التي اكتسبت مكانة بارزة في الثقافة الشعبية، على الرغم من نقص الدعم والشك الكبير فيها من قبل العديد من الباحثين.
مراحل تطور الشخصية لإيريك إيريكسون
تعتمد نظرية عالم النفس التطوري الدنماركي، إريك إريكسون، على ثماني مراحل للتطور البشري، وهي نظرية أخرى معروفة في علم النفس.
وبينما اعتمد فرويد في نظريته على مراحل التطور النفسي الجنسي، اختار إريكسون التركيز على كيفية تأثير العلاقات الاجتماعية على تنمية الشخصية، إذ تمتد النظرية أيضًا إلى ما بعد الطفولة للنظر في التطور عبر كامل العمر.
وقسّم إيركسون نظريته إلى عدة أقسام تشمل حياة الفرد من الولادة وحتى الموت.
وفي كل مرحلة يتعامل الفرد مع صراع يمثل نقطة تحول في نمو شخصيته، فعندما يحل الفرد نزاعًا بنجاح يكون قادرًا على تطوير الجودة النفسية والاجتماعية المرتبطة بتلك المرحلة المحددة من التطور.
كما يمكن أن يكون قد تعرف على كل مرحلة من المراحل النفسية والاجتماعية، بما في ذلك الصراع الذي يواجهه والأحداث الكبرى التي تحدث خلال كل نقطة من مراحل التطور، والتي قسمها على الشكل التالي:
“الثقة مقابل عدم الثقة”
وهي أول مرحلة نفسية اجتماعية تحدث خلال السنة الأولى أو نحو ذلك من حياة الطفل، ويعتمد الرضيع خلال هذه المرحلة الحرجة من التطور اعتمادًا تامًا على مقدمي الرعاية له.
فمثلًا عندما يستجيب الآباء أو مقدمو الرعاية لاحتياجات الطفل بطريقة منسّقة، يتعلم الطفل بعد ذلك أن يثق بالعالم والأشخاص من حوله.
“الاستقلالية مقابل العار والشك”
تتضمن المرحلة النفسية الاجتماعية الثانية الصراع بين الاستقلالية والعار أو الشك، والتي تأتي مع دخول الطفل سن الحبو، حين تزداد أهمية اكتساب إحساس أكبر بالسيطرة الشخصية من خلال مهامه.
مثل تعلم كيفية استخدام المرحاض، واختيار الأطعمة، واختيار الألعاب، والتي تعتبر طرقًا مهمة يكتسب فيها الأطفال شعورًا أكبر بالاستقلالية.
“المبادرة مقابل الذنب”
وتأتي هذه المرحلة بين سن الثالثة والخامسة، وتتمحور حول تنمية حس المبادرة الذاتية، إذ يظهر الأطفال الذين يُسمح لهم ويشجعون على الانخراط في اللعب الموجه ذاتيًا بشعور من المبادرة القوية.
بينما قد يبدأ أولئك الذين لا يشجعون في الشعور بالذنب تجاه أنشطتهم التي يبدؤون بها بأنفسهم.
“الصناعة مقابل الدونية”
خلال مرحلة الطفولة المتوسطة بين سن السادسة والحادية عشر، يدخل الأطفال بهذه المرحلة من التطور النفسي، بحسب إيريكسون.
فمثلًا عندما ينخرط الأطفال في التفاعل الاجتماعي مع الأصدقاء والأنشطة الأكاديمية في المدرسة، يبدؤون في تنمية شعور بالفخر والإنجاز في عملهم وقدراتهم.
“الهوية مقابل الارتباك”
في المرحلة الخامسة التي تأتي في سن المراهقة، يتمحور التطور النفسي حول “ارتباك الهوية مقابل الدور”، بحسب ما جاء في نظرية إيكسون، إذ يصبح تكوين الهوية الشخصية أمرًا بالغ الأهمية، إذ يستكشف المراهقون السلوكيات والأدوار والهويات المختلفة.
ويعتقد إريكسون أن هذه المرحلة كانت حاسمة بشكل خاص، وأن تشكيل هوية قوية فيها يعتبر أساسًا لإيجاد الاتجاه المستقبلي في الحياة.
واعتبر أن أولئك الذين يجدون إحساسًا بالهوية يشعرون بالأمان والاستقلال والاستعداد لمواجهة المستقبل، في حين أن أولئك الذين يظلون مرتبكين قد يشعرون بالضياع وعدم الأمان وعدم اليقين من مكانهم في العالم.
“العلاقة الحميمة مقابل العزلة”
تركز هذه المرحلة على تكوين علاقات حميمة ومحبة مع الآخرين، إذ تعد المواعدة والزواج والأسرة والصداقات مهمة خلال مرحلة العلاقة الحميمة مقابل مرحلة العزلة، والتي تستمر من سن 19 إلى 40 تقريبًا.
“التوليد مقابل الركود”
والتي بمجرد أن يدخل فيها الكبار خلال منتصف مرحلة البلوغ، يصبح الصراع النفسي- الاجتماعي متمركزًا حول الحاجة إلى إنشاء أو رعاية الأشياء التي ستدوم لفترة أطول من الفرد.
“النزاهة مقابل اليأس”
تُعرف المرحلة النفسية الاجتماعية بالنهائية، وتبدأ في سن 65 تقريبًا وتستمر حتى الموت، وينظر الفرد خلال هذه الفترة الزمنية إلى حياته مع السؤال الرئيسي فيها، وهو: “هل عشت حياة ذات معنى؟”.
وبحسب ما يعتقده إيركسون، فإن أولئك الذين لديهم إحساس بالسلام والحكمة والوفاء سيحافظوا على هذه المشاعر حتى عند مواجهة الموت، مقارنة بغيرهم من الذين ينظرون إلى الحياة بمرارة وندم، والتي قد ينتج عنها شعور باليأس.