فقدان الأمن والمخدرات أهم أسبابها
جرائم السطو المسلح تثير الرعب في درعا
درعا – حليم محمد
بحذر شديد وخوف، يتنقل أهالي محافظة درعا في شوارع مدنهم وقراهم، ولا يكاد كثير منهم يستقرون حتى في منازلهم التي يفترض أن تكون ملاذًا آمنًا.
وتنتشر حالات السرقة في درعا منذ سنوات، لكنها شهدت ازديادًا ملحوظًا منذ مطلع العام الحالي، حيث برزت حوادث السطو المسلح، فتحولت حياة الناس إلى كابوس يومي، إذ هاجمت عصابات السطو المنازل، والمحال التجارية، ومقاهي الإنترنت، وحتى المراكز الطبية.
الخوف يسيطر
“انزلوا من السيارة خلال دقيقة دون إصدار أي صوت وإلا بدأنا بإطلاق النار”، يروي مهند (40 عامًا) هجوم ثلاثة مسلحين على سيارته في أثناء نقل طفله الذي يبلغ من العمر خمس سنوات من منزله في بلدة تل شهاب إلى عيادة الطبيب، عند الساعة الثامنة مساء مطلع نيسان الماضي.
“بدأ ابني يصرخ، فسارعت بالنزول من سيارتي الخاصة خوفًا على سلامته، خصوصًا أن حالته الصحية كانت سيئة”، تابع سرد روايته حول الحادثة لعنب بلدي عبر لقاء مباشر في منزله.
أخذ المسلحون هاتف مهند، صعدوا إلى سيارته وتابعوا طريقهم تاركين وراءهم الأب وطفله المريض في أحد الشوارع الفرعية التي يصعب فيها العثور على وسيلة نقل بديلة، ضمن الريف الغربي للمحافظة.
“لم أكن أفكر بخسارة سيارتي بقدر خوفي على طفلي، وشعوري بالعجز عن حمايته رغم وجودي إلى جانبه”، يصف مهند الدقائق الأولى بعد مغادرة المسلحين الشارع.
ورغم المشاعر السلبية التي سيطرت على مهند، وبكاء طفله الذي لم يتوقف، دفعه شعوره بالمسؤولية لحمل ابنه ومتابعة طريقه إلى عيادة الطبيب في قرية المزيريب المجاورة لقريته، سيرًا على أقدامه.
“كنا نخاف الخروج بعد منتصف الليل، أما اليوم فصار أذان المغرب إنذارًا بوجوب البقاء في المنازل خوفًا من الحوادث المشابهة”، يشتكي مهند غياب الأمن عن المنطقة.
قاسم (45 عامًا)، قال إن شخصين مسلحين يرتديان زيًا عسكريًا، أوقفاه قبل مسافة قريبة من أحد حواجز النظام في ذات البلدة، بينما كان يقود دراجته النارية عائدًا من عمله في مؤسسة المياه.
“قال الشخصان: المعلم بدو ياك (يريدك)، فركبت دراجتي وتابعت الطريق معهما باتجاه الحاجز، لكنهما طلبا مني قبل الوصول إلى الحاجز ترك الدراجة تحت تهديد السلاح”، تابع قاسم مشيرًا إلى أن الشخصين استغلا وجود الحاجز منتحلين صفة عسكرية.
ودفع تكرار حوادث السطو على السيارات سائقي السيارات الخاصة وسيارات الأجرة إلى الامتناع عن الخروج ليلًا، خوفًا من فقدان سياراتهم التي تعتبر مصدر رزق لكثير منهم، ما ترك الأهالي الذين لا يملكون سيارات دون وسائل نقل حتى في الحالات الطارئة.
“بدأت آلام المخاض عند ابنتي في وقت متأخر من الليل، حاولنا الاتصال بالعديد من سائقي السيارات الذين نعرفهم، لكنهم تعمدوا إقفال هواتفهم خوفًا من الخروج من منازلهم”، قالت هدى (50 عامًا) عبر مكالمة هاتفية مع عنب بلدي، مشيرة إلى الضرر الكبير الذي ألحقه الخوف من عمليات السطو بحياة الأهالي.
“رغم أن ولادة ابنتي كانت صعبة، بحسب ما قالته الطبيبة التي تتابع حالتها، أجبرنا العجز عن الوصول إلى سائق، على الاتصال بالقابلة القانونية التي تسكن في حي قريب منا، خوفًا من أن يتسبب المزيد من انتظار العثور على طريقة لنقلها إلى المستشفى بمضاعفات تضر بحياتها أو حياة الجنين”، تابعت الوالدة هدى.
وبينما كانت عيادة أحد الأطباء في مدينة داعل، في الريف الأوسط للمحافظة، مزدحمة بالمراجعين، هاجم ثلاثة مسلحين العيادة، وسرقوا هواتف الطبيب والمراجعين، وجهاز الهاتف المحمول الخاص بالعيادة، بالإضافة إلى دراجة نارية لأحد المراجعين، وسط حالة من الذهول والخوف”، وفق ما قالته إحدى المراجعات التي شهدت الموقف، أم محمد (45 عامًا)، لعنب بلدي.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، هاجم مسلحون أحد مقاهي الإنترنت في داعل وسرقوا كل الأجهزة الإلكترونية بداخله.
ولم تقتصر عمليات السطو على التهديد بالقتل، إنما وصلت إلى حد استخدام السلاح، إذ هاجم مسلحون الصائغ محمد سعد الدين الرفاعي في بلدة الغارية شرقي درعا، في تموز 2021.
وأسفرت محاولة الصائغ مقاومة اللصوص عن مقتله وسرقة المحل الذي يملكه.
ورغم أن السرقة ليست ظاهرة جديدة في المنطقة، فإن تحولها إلى عمليات سطو تحت تهديد السلاح، منعت الحركة ليلًا في شوارع المدن والقرى، بحسب ما قاله الأهالي الذين تحدثت إليهم عنب بلدي.
كما أكّد الأهالي أن عناصر الشرطة المدنية في معظم أنحاء المحافظة لا يغادرون مباني الشرطة ليلًا، ما عزز انتشار حالة الخوف، وسمح بزيادة انتشار السرقات وعمليات السطو المسلح.
أسباب ودوافع
منذ سيطرة النظام السوري على محافظة درعا في تموز 2018، انتشرت ظاهرة التعاطي والاتجار بالمخدرات بأصناف جديدة، كـ”الكريستال” أو “الشبوة”، وكذلك الأنواع الأخرى الرخيصة، وخصوصًا حبوب “الهلوسة” و”الكبتاجون”.
وأرجع سكان درعا حالة الفوضى الأمنية والسرقة وعمليات السطو إلى زيادة انتشار المخدرات.
أحد وجهاء مدينة طفس بريف درعا الغربي، “أبو محمد” (65 عامًا)، قال إنه من خلال متابعة حوادث السرقة، يظهر أن مدمني المخدرات هم الأكثر إقبالًا على القيام بعمليات السرقة، لتأمين ثمن المخدرات.
الاختصاصي النفسي وأحد أهالي درعا أحمد العمار، أكّد لعنب بلدي عبر مكالمة هاتفية من مكان إقامته في شمال غربي سوريا، أن انتشار الفقر وارتفاع نسبة البطالة، يدفعان الكثيرين للإدمان، مؤكدًا أن حالة الإدمان يمكن أن تدفع الشاب لفعل أي شيء مقابل الحصول على حاجته من المادة المخدرة.
ويعزز غياب الأمن توجه الشباب للحصول على المال بطرق غير قانونية، إذ إن ضمان الإفلات من العقوبة يعتبر أحد أبرز دوافع ارتكاب أي فعل خاطئ، وفق العمار.
عمليات السطو والقانون
نقيب المحامين الأحرار سابقًا، المحامي سليمان القرفان، قال لعنب بلدي، إن جريمة السطو المسلح تختلف عن جريمة السرقة قانونيًا، إذ إن جرائم السطو تكون جماعية، وغالبًا بطرق منظمة وممنهجة، ويُستخدم فيها السلاح للتهديد.
كما تصل عقوبة جرائم السطو المسلح إلى حد الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة، بحسب المادة “326” من قانون العقوبات السوري.
واعتبر القرفان تكرار جرائم السطو المسلح في درعا تحولًا خطيرًا ينذر بكارثة اقتصادية واجتماعية.
ويشير انتشار جرائم السطو إلى وصول القضاء لحدود الانهيار، وكذلك يدل على ضعف الأجهزة الجنائية للسلطة المسيطرة على المنطقة، وفق القرفان.
ورجح المحامي أن تكون هذه الحوادث برعاية النظام، لدفع السكان للنزوح، وتحويل درعا إلى سوق للمخدرات التي أغرقت الجنوب السوري بعد سيطرة النظام.
فوضى أمنية
تشهد محافظة درعا حالة من الفوضى الأمنية وغياب الأمن، مع تزايد حالات الخطف والسرقة والقتل وعمليات السطو المسلح.
وشهدت درعا خمس جرائم خطف لأطفال في درعا بين عامي 2021 و2022، أبرزها حادثة خطف الطفل فواز قطيفان، بحسب المحامي العام في درعا، بسام العمري.
وفي 10 من شباط الماضي، عاد الطبيب حيدر الرفاعي إلى منزله في بلدة أم ولد، بعد اختفائه لما يقارب 20 يومًا، وانقطاع الاتصال معه في أثناء عودته من عيادته في الغارية الشرقية متوجهًا إلى بلدته أم ولد، بعد أن دفع ذووه فدية بقيمة 30 ألف دولار أمريكي، مقابل إطلاق سراح ابنهم.
من جهته، قال قيادي سابق في المعارضة السورية، في حديث سابق لعنب بلدي، إن “السلطة غائبة الآن في درعا، إذ إن النظام عاجز عن إثبات سيطرته على أرض الواقع، وفصائل المعارضة فقدت السيطرة على الأرض بعد عام 2018″، مشيرًا إلى أن الجهود الحالية في البحث عن المخطوفين، هي جهود مجتمعية من دون قوة تنفيذية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :