القامشلي- مجد السالم
بحسرة بادية على وجهه، يصف حسين الصفوك (59 عامًا) من ريف القامشلي الجنوبي، ما آلت إليه أوضاع أرضه الزراعية، فبعد أن كان يأمل من عشرة هكتارات مزروعة بالشعير إنتاجًا وفيرًا، يضطر اليوم إلى “تضمينها” لمربي الأغنام بعد انحباس الأمطار طوال شهر نيسان الماضي.
قال الرجل الستيني لعنب بلدي، إنه مع عشرات المزارعين الآخرين، خصوصًا في مناطق أقصى ريف القامشلي الجنوبي، أجّروا أرضهم لمربي الماشية مقابل 70 ألف ليرة سورية عن كل هكتار، بعد أن أصبح من المستحيل أن يكون هناك حصاد في المنطقة.
وأضاف حسين أن تكلفة الهكتار الواحد نحو 250 ألف ليرة سورية، وقيمة “الضمان” لا تغطي حتى ثلث ما تكبّده المزارع من مصاريف، عدا الوقت والجهد المهدور في أثناء الفلاحة والبذار.
تأجير الأراضي.. حل إسعافي
يعتبر تأجير الأراضي الزراعية الميؤوس من حصادها نتيجة الجفاف الحاصل لمربي الأغنام، أو ما يُعرف “بالضمان”، أحد الحلول الإسعافية التي يلجأ إليها المزارع لتعويض بعض خسائره في الفلاحة والبذار، بعيدًا عن أي أرباح، وتختلف قيمة “الضمان” من عام إلى آخر، حسب حالة الحقل وكثافته.
وبحسب ما قاله مالك العليوي (50 عامًا) من ريف القحطانية لعنب بلدي، وهو أحد مربي الأغنام في المنطقة، فإنهم يلجؤون إلى “ضمان” المحاصيل الزراعية البعلية، لأن ذلك أوفر من شراء الأعلاف التي لا تزال أسعارها مرتفعة.
وبلغ سعر طن الشعير نحو مليون و700 ألف ليرة سورية، ووصل سعر الحنطة إلى مليون و850 ألف ليرة سورية، وطن التبن إلى 800 ألف ليرة سورية، وطن النخالة إلى مليون و150 ألف ليرة سورية.
ويبلغ سعر صرف الدولار الواحد 3875 ليرة سورية، وفق موقع “الليرة اليوم“.
وأجّر كثير من المزارعين هذا العام محاصيلهم كعلف للحيوانات، لكن نتيجة الجفاف، أغلب هذه المحاصيل لا تصلح “حتى للضمان”، ولا تكفي قطيع الأغنام لمدة أسبوع نتيجة تدهور حالتها الخضرية، وعدم وجود كثافة نباتية، وفق مالك.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، فإن أكثر المناطق تضررًا من انحباس الأمطار خلال نيسان الماضي، هي الواقعة في أقصى الريف الجنوبي والجنوبي الشرقي لمدينة القامشلي، أو ما تُعرف بمناطق الاستقرار الرابعة والخامسة، حيث لم يسعف الحظ الكثير من مزارعي هذه المناطق حتى لـ”تضمين” محاصيلهم، وباتوا مضطرين إلى فلاحة وقلب الأرض مباشرة.
وهو ما أوضحه حسين المخلف (40 عامًا) من ناحية جزعة في ريف القامشلي الجنوبي الشرقي لعنب بلدي، إذ قام بفلاحة أرضه المزروعة بثمانية هكتارات من الشعير، وتكبّد خسائر “فادحة”، مع تحمّله ديونًا مستحقة خلال الموسم الحالي.
ونقلت جريدة “الفرات” المحلية، في 17 من نيسان الماضي، عن مدير الزراعة والإصلاح الزراعي في محافظة الحسكة، المهندس علي مخلوف، أن معدل الأمطار في مناطق الاستقرار الرابعة والخامسة لم يتجاوز النصف، ما أدى إلى خروج قسم من زراعات القمح والشعير البعلية في هذه المناطق.
في حين لا يزال وضع هذه الزراعات في مناطق الاستقرار الأولى والثانية “جيد” (جميع المناطق الواقعة شمالي الخط الدولي 4M حتى الحدود التركية)، وهي بحاجة مع ذلك إلى الأمطار خلال الأيام المقبلة، وفي حال عدم حصول ذلك، سيصبح وضعها “ضعيفًا”، وتبلغ مساحة القمح المزروع بعلًا 242 ألفًا و500 هكتار.
محاصيل القمح مهددة
المهندس الزراعي حسن الشيخ قال لعنب بلدي، إن من الصعب وصول المحاصيل المزروعة بعلًا، خاصة القمح، إلى مرحلة النضج نتيجة انحباس الأمطار خلال نيسان الماضي.
وتقوم الأمطار في هذه الفترة، التي وصفها المهندس بـ”الحرجة من حياة المحصول”، بدور كبير في نمو المحصول، وامتلاء حبات السنبلة التي تكون في مرحلة الإثمار، إضافة إلى أنها مهمة حتى للمحاصيل المزروعة بشكل مروي، لأنها توفر على المزارع مئات آلاف الليرات التي تُصرف على عمليات الري المكلفة، نتيجة ارتفاع مصاريف الوقود والصيانة للآبار ومضخات المياه.
وأضاف المهندس أن تعرّض المنطقة مطلع نيسان الماضي لموجات من الرياح الجافة المحمّلة بالأتربة والغبار، وهي ما تُعرف برياح “الخماسين”، أثّر سلبًا على النباتات، وسبّب ضررًا في المجموع الخضري للنبات، إذ لم تترافق هذه الرياح مع هطولات مطرية “تغسل النبات”، كما هي العادة في معظم المواسم السابقة.
وذكر عدد من مزارعي المحاصيل المروية، أن الصعوبات لا تقتصر على الزراعات البعلية، فهناك عدة مشكلات يعانون منها.
عدنان الحسنو (54 عامًا) من ريف القامشلي الغربي، قال لعنب بلدي إن تأخر “الإدارة الذاتية” في تسليم دفعات المازوت المستحقة (15 ليترًا لكل دونم) في كل مرة، يؤثّر سلبًا على جودة المحصول خلال المرحلة الحرجة الحالية، وإن مساحة سبعة هكتارات التي يمتلكها لا تزال بحاجة إلى ري مرتين خلال الشهر الحالي.
من جانبها، قالت مديرية الإنتاج النباتي التابعة لـ”الإدارة الذاتية” عبر موقعها على الإنترنت، في 19 من نيسان الماضي، إنها بدأت بتوزيع الدفعة الرابعة من مادة المازوت للمزارعين، بالتنسيق مع اللجان الزراعية في كل من القحطانية والمالكية ومعبدة والجودية والقامشلي، كما أنها تعمل على استكمال توزيع الدفعة الثالثة للجان الأخرى.