عنب بلدي- جنى العيسى
أثار جدول السيارات التي أعلنت “المؤسسة العامة للتجارة الخارجية” عرضها في مزاد علني بهدف بيعها، التساؤلات حول سبب عرض سيارات حديثة منها صُنع في العام الحالي.
في 26 من نيسان الماضي، أعلنت “المؤسسة” إجراء مزاد علني لبيع 64 آلية مستعملة لدى فرعها في العاصمة دمشق، في 17 و18 من أيار الحالي، موضحة أن المزاد سيتضمن سيارات سياحية وحقلية وآليات أخرى متنوعة، توجد الآن في مستودعات القطع التبديلية في منطقة صحنايا بريف دمشق.
أتت التساؤلات في ظل منع وزارة الاقتصاد استيراد السيارات السياحية من الخارج، وتعتيم “المؤسسة” على تفاصيل هوية الجهة أو الشخص المالك للسيارات المعروضة في المزاد، وعدم ذكرها السبب الذي جعل سيارة من نوع “فولكس فاكن” موديل 2022، عُرضت في الأسواق العالمية في آذار 2021، وبسعر يبدأ من 29 ألف دولار أمريكي، تدخل الأراضي السورية.
تحاول عنب بلدي في هذا التقرير ذكر السيناريوهات المحتملة لدخول هذه السيارات إلى سوريا، ومنها إلى مزاد علني، ومعرفة الأطراف المستفيدة من إجراء المزاد.
المزاد لرفد الخزينة
خلقت ضبابية التفاصيل لدى “المؤسسة” التابعة لوزارة الاقتصاد في حكومة النظام، الحاجة إلى تفسير الأحداث المتعلقة بوصول سيارات فارهة ممنوعة من دخول سوريا إلى وسط مزاد علني.
وتتبع “المؤسسة العامة للتجارة الخارجية” لوزارة الاقتصاد بحكومة النظام، وتتمثّل مهامها باستيراد كل أنواع السلع والمواد المحصور والمقيّد استيرادها، بالإضافة إلى تأمين احتياجات الجهات الصحية واللقاحات البيطرية، واحتياجات الآليات الثقيلة والسيارات السياحية، والمبيدات الزراعية والأسمدة.
محامٍ مطلع في دمشق (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه)، قال لعنب بلدي، إن السبب الرئيس لإجراء هذا المزاد هو حاجة الحكومة إلى الأموال، موضحًا أن مرسوم رفع أجور رسوم السيارات الصادر قبل أيام، يرفع قيمة الأموال التي تحصلها خزينة الدولة أيضًا.
وفي 26 من نيسان الماضي، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسومًا يقضي برفع الرسوم المترتبة على المركبات عند ترخيصها، وإجراءات المعاملات المتعلقة بها.
وبحسب نص المرسوم، تراوحت تكلفة تسجيل السيارات السياحية بين عشرة آلاف و500 ألف ليرة سورية، وذلك بحسب سعة محركها، ونوعها (سيارات ركوب صغيرة، متوسطة، كبيرة، سيارات خاصة أو عامة، ومركبات الإشغال).
كيف دخلت؟
اعتبر المحامي المقيم في دمشق، أن طرق دخول سيارات صُنعت عام 2022، غير مفهومة أو واضحة تمامًا حتى الآن.
وأضاف أن مصدر السيارات الحديثة قد يكون، بشكل عام، هو مصادرات الجمارك، أو مصادرات من “السوق الحرة” لم يخرجها صاحبها ضمن المدة القانونية المخصصة لذلك، مشيرًا إلى أن هذا المصدر قد لا يكون فعالًا في حال كانت سنة صنع السيارة في 2022، كون موضوع إخراجها للمزاد يتطلّب وقتًا طويلًا.
ورجح المحامي أن تكون الحكومة قد استوردت تلك السيارات، عبر وزاراتها أو مديرياتها التي يُسمح لها باستيراد السيارات مع إعفائها من الجمارك، لتتاجر بها وتبيعها في المزاد بأسعار “عالية” تناسب حداثتها.
“القانون ليس على الجميع”
في أيلول 2011، قررت حكومة النظام السوري إيقاف استيراد بعض المواد التي يزيد رسمها الجمركي على 5%، وتشمل بمعظمها “الكماليات”، منها السيارات السياحية.
وزير الاقتصاد حينها، محمد نضال الشعار، برر القرار بأنه جاء للحفاظ على مخزون البلد من القطع الأجنبي، وإعادة توزيعه وتوجيهه إلى طبقات الدخل المحدود، بما يحقق استفادة أكبر بالعملية الاقتصادية في سوريا.
ورغم “استمرار” العمل بالقرار حتى اليوم، يتكرر ظهور سيارات فارهة حديثة في شوارع المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام.
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، فسر سبب ذلك، في حديث إلى عنب بلدي، بأن ما يجري هو أن القانون في سوريا يوضع للشعب فقط، موضحًا أن المسؤولين وبعض المتنفذين لا يخضعون لهذه القوانين بأي شكل، حتى قبل اندلاع الثورة.
واعتبر شعبو أن إدخال السيارات الحديثة أو المواد الأخرى الممنوع استيرادها إلى سوريا، رغم وجود قرارات رسمية، يؤكد وجود تنسيق بين بعض المسؤولين والمتنفذين من جهة، وبين الجمارك وجهات أمنية معيّنة من جهة أخرى.
ويهدف هذا التنسيق، بحسب ما أكده شعبو، إلى إدخالها إلى البلد بشكل نظامي، بعد أن تتم مصادرتها وعرضها في المزاد، لتباع لاحقًا بأسعار “خيالية”.
بحسب قانون الجمارك رقم “38” لعام 2006، يحق لإدارة الجمارك بيع البضائع التي تصادرها بترخيص من المدير العام أو من يفوّضه، ووسائط النقل المحجوزة بعد تسعة أشهر من تاريخ حجزها، ويمكن بيعها قبل هذه المدة إذا كانت قيمتها تتعرض للنقصان. |
كما يمكن لإدارة الجمارك بيع البضائع والأشياء ووسائط النقل التي آلت ملكيتها لإدارة الجمارك، نتيجة حكم أو تسوية أو تنازل خطي أو بالمصادرة، أو في حال عدم سحب أصحاب البضائع بضائعهم من المستودعات الحقيقية والاعتبارية (الوهمية) والخاصة والصناعية، ضمن المهل النظامية المحددة في القانون.
سياسة “اللا دولة” تحكم سوريا
حول الأطراف المستفيدة من عرض سيارات حديثة في مزاد علني، أوضح الدكتور فراس شعبو، أن المستفيد الأول ليس الدولة، موضحًا أنه يجب التفرقة بين الدولة والنظام.
يرى شعبو أن النظام اليوم هو عبارة عن “مافيات” و”جنرالات حرب”، وهم عدة أشخاص مستفحلين، مسيطرين على موارد وقطاعات البلد.
وبالتنسيق الكلي بين هذه “المافيات” والأجهزة الأمنية، يسيطر هؤلاء الأشخاص على قطاعات اقتصادية، ويعتبرون مسؤولين عن تسويق هذا القطاع وإحضار معداته، بحسب ما يعتقده شعبو، مشيرًا إلى أن الحدود السورية مع العراق ولبنان والأردن ومناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، “مفتوحة بشكل كامل” لدعم التهريب.
ويرى شعبو أنه لا يمكن إسقاط “مقومات الدولة” على ما يجري في سوريا، موضحًا أن ما يحدث بالمطلق يسمى بسياسة “اللا دولة”.
وسبق لـ”المؤسسة العامة للتجارة الخارجية” إقامة مزادات علنية عدة لبيع سيارات سياحية وآليات ثقيلة، ترجع عائدات بيعها للخزينة العامة للدولة.
ومطلع العام الحالي، أجرت “المؤسسة” مزادًا علنيًا باعت فيه 712 آلية مستعملة في عدد من فروعها بالمحافظات، وصلت قيمتها إلى نحو 24 مليار ليرة سورية.
وفي مزاد علني سابق في كانون الأول 2020، عُرضت 499 سيارة، بيع منها حوالي 90% بقيمة 27 مليار ليرة سورية.