“كانت معركة غير متكافئة هجم فيها الجيش على شبابنا بالمدفعية وواجهه شبابنا الذين يحملون بواريد الصيد، ليحقق النظام رغبته ويطبق الحصار على درعا البلد تاركًا عشرات الجرحى”، هكذا يستذكر أحد وجهاء درعا بعد 11 عامًا الحصار الأول الذي شهدته درعا البلد.
وأضاف الرجل الستيني، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، في حديث إلى عنب بلدي، أنه “في فجر 25 من نيسان 2011، قطع النظام السوري الاتصالات والكهرباء، وتقدم الجيش من جهة الجمرك والمنشية وجهة الجنوب معلنًا حصار درعا البلد لتسقط أسطورة (الجيش والشعب إيد وحدة) ويظهر وقوف الجيش إلى جانب قاتل أهله”.
لم يكتفِ النظام بحصار درعا، فبعده بأربعة أيام اقتحم درعا البلد مدعيًا وجود “جماعات مسلحة”، وفي وصف الاقتحام قال المصدر، “اقتحم النظام البلد ليسقط نحو 100 شهيد وعشرات الجرحى خلال ساعات قليلة، ما دفع جميع الأهالي لفتح أبواب منازلهم لاستقبال الجرحى وتوزيع الطعام استعدادًا للحصار”.
وحاولت حوران فك الحصار عن درعا، إذ حمل سكان ريف درعا الشرقي الطعام والماء وساروا باتجاه البلد، لكنهم وقعوا في كمين قرب مساكن صيدا العسكرية في ريف درعا الشرقي، ما أسفر عن مقتل العشرات واعتقال الطفلين تامر الشرع وحمزة الخطيب.
كما حاول سكان ريف درعا الغربي التقدم من جهة بلدة اليادودة، لكن عناصر النظام أطلقوا عليهم الرصاص بشكل مباشر.
درعا البلد.. ضحية الحصار الأول
“لن ننسى تلك الأيام، فبعد قطع الكهرباء فسدت المؤونة المبردة وكذلك الأطعمة في الثلاجات، وانقطعت المياه وحليب الأطفال والأدوية”، تروي أسماء (40 عامًا) أحد سكان درعا البلد، الأثر الذي تركه الحصار الأول على حياة الأهالي في درعا.
“ظل الأطفال يبكون من الجوع والخوف، وعشت في حالة ضياع بين خوفي من أصوات إطلاق النار وشعوري بالعجز تجاه أطفالي الجائعين”، تابعت أسماء.
ولفرض المزيد من الضغوطات على الأهالي، استهدف النظام خزانات مياه الشرب لإجبارهم على الخضوع لمتطلباته والتراجع عن مواقفهم المعارضة لنظامه، وفق الشهود الذين تحدثت إليهم عنب بلدي.
عدنان (45 عامًا)، شاب آخر من أهالي درعا البلد، قال لعنب بلدي، إن “الحصار كان فكرة مستبعدة بالنسبة لأهالي البلد، ولم نكن على اطلاع بما يمكن فعله في ظل ظروف مشابهة”.
وأضاف عدنان أن النظام قطع الطحين عن البلد، ولكن الأهالي استطاعوا توزيع الطحين المتوفر بالأفران على المنازل لتخبزه النساء على الحطب ليطعم أهالي البلد والشبان الذين يتصدون لهجمات النظام، وفق تعبيره.
كما جمّع الشبان الحليب المتوفر في الصيدليات، وأعدّوا قوائم بأسماء الأطفال المحتاجين للحليب، لكنه نفد بعد أيام معدودة، وفق عدنان.
ولاقى الحصار الذي استمر نحو عشرة أيام تنديدًا كبيرًا من قبل المنظمات الدولية، كما نددت مئات الشخصيات السورية البارزة، بينهم فنانون، بالحصار من خلال التوقيع على “بيان الحليب” الذي طالب النظام بفك الحصار وإنقاذ الأطفال الذين عانوا من نقص الحليب.
وتعتبر محافظة درعا من أولى المناطق التي خرجت بمظاهرات سلمية ضد النظام السوري، في 18 من آذار عام 2011، كما استمرت بإحياء ذكرى الثورة السورية والخروج في مظاهرات حتى عام 2022.
وشهدت درعا البلد حصارًا مشابهًا امتد على مدار 80 يومًا، خلال عام 2021، مارس فيه النظام السوري سياسة التجويع ذاتها، إذ منع دخول المواد الغذائية حتى انقطع الطحين عن المنطقة بشكل كامل.
ورغم تكرر عمليات “التسوية” التي أقامتها قوات النظام في محافظة درعا، والتي هجرت بموجبها الآلاف باتجاه مناطق الشمال السوري، لم تتمكن من بسط سيطرتها الأمنية عليها، إذ تشهد المحافظة مواجهات بين مقاتلين محليين وقوات النظام السوري بين الحين والآخر.
–