تصعيد في سوريا أم ضغط في أوكرانيا.. ما وراء إغلاق تركيا مجالها الجوي أمام روسيا
في الوقت الذي تجابه فيه دول العالم موسكو عبر قرارات وعقوبات إثر غزوها لأوكرانيا، الذي بدأته في شباط الماضي، أعلنت أنقرة، في 23 من نيسان، عن إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية والمدنية التي تنقل جنودًا من روسيا إلى سوريا بعد التشاور مع موسكو.
ولم تتضح ماهية الخطوة التي قامت بها الحكومة التركية، فيما إذا كانت ردًا على التصعيد الروسي الذي اشتد خلال الأيام الماضية على مناطق تسيطر عليها فصائل الجيش الوطني المدعومة من تركيا، أم أنها دعوة تركية صريحة للتسريع في الوصول إلى حل في قضية أوكرانيا.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قال في تصريح للصحفيين المرافقين له على طائرة تقله إلى أوروغواي، “أغلقنا المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية الروسية وحتى أمام الطائرات المدنية المتجهة إلى سوريا وتحمل جنودًا”، إذ تم منح الإذن لمدة ثلاثة أشهر حتى نيسان الحالي، ثم توقفت الرحلات الجوية.
وسبق أن أخطر الجانب التركي نظيره الروسي بأمر إغلاق المجال، إذ أخبر جاويش أوغلو وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.
وأوضح جاوييش أوغلو، “عندما ذهبت إلى موسكو، أخبرت لافروف، وقال إنه سيخبر بوتين، وأخبرني بعد يوم أو يومين أنه لدى بوتين أمر، لن نطير بعد الآن”، وفق ما نقله موقع “yenisafak“.
وتابع، “ننفذ العملية من خلال الحوار، سواء في اتفاقية (مونترو) أو في قضايا أخرى، كان لدى روسيا أربعة سفن قبل الحرب، ربما كانت جزءًا من خطة، لقد طلبوا الإذن بعبور هذه السفن عبر المضيق، لكن قلنا هذه حرب”.
تناقش عنب بلدي عددًا من الباحثين في الشأن التركي والروسي للحديث عن الغاية من هذه الخطوة وما السبل البديلة لموسكو في حالة إغلاق المجال الجوي التركي.
طرف محايد
تُقدّم أنقرة إغلاق مجالها الجوي بين روسيا وسوريا على أنه تم باتفاق بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، وأن الإجراءات التي اتخذتها مؤخرًا بعد “الحرب الأوكرانية” ومنها إغلاق المضائق بموجب معاهدة “مونترو” تتم بالتفاهم مع موسكو.
وتحرص تركيا على الإشارة إلى أن مثل هذه الخطوات لا تهدف لعزل روسيا بل تكريس وضع أنقرة المحايد في الصراع الروسي الغربي، بحسب ما قاله الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، في حديث لعنب بلدي.
وهناك تفاهمات مبرمة بين روسيا وتركيا للحفاظ على التهدئة الراهنة في شمالي سوريا، ويتمسك الجانبان بهذه الاتفاقات وليست لديهما رغبة بأي تصعيد عسكري، بحسب علوش.
ولم يبقَ أمام روسيا بعد إغلاق مجال تركيا الجوي سوى منفذ جوي واحد للوصول إلى سوريا ويمر عبر إيران والعراق، لكنّ هذا المنفذ يستغرق وقتًا أطول مقارنة بالأجواء التركية وبالتالي يخلق بعض الإشكالات اللوجستية.
مع ذلك، يجب النظر إلى الإعلان التركي الجديد من منظور السياق العام للحرب الروسية على أوكرانيا والخطوات التي اتخذتها تركيا بهذا الخصوص كإغلاق المضائق وتأثيرها المحتمل على العلاقات التركية- الروسية.
ويُشكل إغلاق المجال الجوي إلى جانب إغلاق المضائق على المستوى اللوجيستي، تحديًا لقدرة روسيا على ضمان أنشطة قواتها في سوريا، إذ عادة ما يتم تنفيذ عمليات الإمداد والتجديد المبكر للقوات الروسية في سوريا من خلال الرحلات المنتظمة لسفن الإنزال الروسية.
وكانت معظم سفن إنزال الدبابات الروسية، بما في ذلك سفن أسطول البلطيق والشمال، عالقة في البحر الأسود خلال الحرب الروسية في أوكرانيا، بعد إغلاق المضائق.
مع ذلك، يمكن لروسيا إيصال كل ما هو مطلوب إلى سوريا على متن سفن مدنية، من البحر الأسود ومن بحر البلطيق وموانئ روسية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، هناك جسر جوي قيد التشغيل (الخط عبر إيران)، وهو قادر على توصيل جميع الاحتياجات العسكرية الضرورية بسرعة، بحسب علوش.
ما الحلول أمام موسكو
ويعتقد الباحث في الشأن الروسي، محمود حمزة، أن روسيا “ستبتلع” الخطوة، لأنها في موقف ضعيف الآن ومحاصرة من كل الدول الغربية، وخاصة أنها متعثرة في أوكرانيا، لذلك فهي ليست في وضع يسمح لها أن تجابه تركيا وتفتح جبهة معها.
ويبقى الحل الوحيد أمام روسيا الاستعانة بتمرير إمداداتها عبر المجال الجوي لكل من إيران والعراق في سوريا، ولكنه ليس حلًا مستدامًا، فحتى العراق يمكن أن يفرض قيودًا في مجاله الجوي بسبب النفوذ الأمريكي وتأثيره في العراق أيضًا.
تُشتم رائحة تفاهمات أمريكية- تركية، على ضوء الصراع الأمريكي مع الروس في أوكرانيا، بحسب حمزة، وتركيا لها موقف واضح إلى جانب أوكرانيا، وبالتالي قد يكون هناك بعض الترتيبات الأمريكية- التركية في شمالي سوريا التي لا تصب في مصلحة أو أجندة الروس، كالموقف التركي من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في ظل وجود تسريبات تتحدث عن إمكانية إنشاء منطقة آمنة تبعد “قسد” عن الحدود، الأمر الذي يعتبر مطلب الأمن القومي التركي.
وبالتالي، “إذا أعطتها واشنطن هذه المطالب أو ساعدتها في تحقيق بعضها، فقد تتخذ تركيا موقفًا ضد روسيا، ولكن المصالح الموجودة بين البلدين كبيرة والعلاقات الدبلوماسية لن تنقطع بسهولة”، بحسب حمزة.
وشنت تركيا ثلاث عمليات داخل سوريا، الأولى “درع الفرات” ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في شمالي حلب، والثانية “غصن الزيتون” والأخيرة “نبع السلام” وكلاهما ضد “قوات سوريا الديمقراطية”، في عفرين والحسكة والرقة.
وتعتبر تركيا “قسد” امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المحظور والمصنف إرهابيًا.
قال ثلاثة أشخاص مطلعين لصحيفة “فايننشال تايمز“، إن أنقرة كانت تخفف من إذنها بالسماح لروسيا باستخدام مجالها الجوي في سوريا منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، ولكن قرار إغلاقها بالكامل، والإعلان عن هذه الخطوة، شكل تصعيدًا كبيرًا.
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية ومقره فيلادلفيا، آرون شتاين، للصحيفة، إن الولايات المتحدة ودول أخرى تطلب من تركيا استخدام نفوذها على موسكو في سوريا وزيادة الضغط على بوتين.
وأضاف شتاين، “لقد استغرق الأمر بعض الوقت لكي تنضم أنقرة إلى متن السفينة، لكن بعد شهرين تقريبًا اتخذت أنقرة خطوة أخرى للضغط على موسكو في سوريا بسبب أوكرانيا”.
ومن جهته، قال محلل السياسة الخارجية والأمن في أنقرة، عمر أوزكيزيلجيك، للصحيفة، إن الضغط على روسيا في سوريا كان محاولة لإجبار روسيا على “أن تكون أكثر جدية في المفاوضات”.
وتابع أوزكيزيلجيك إن أنقرة “التي شنت هذا الأسبوع هجومًا جديدًا على المسلحين الكرد في شمالي العراق، قد تسعى إلى استخدام نفوذها على روسيا للحصول على الضوء الأخضر لعملية مماثلة في شمالي سوريا”.
وفي 23 من نيسان الحالي، استهدفت غارات جوية روسية مناطق ريف حلب شمالي سوريا الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا، واستهدف مدن عفرين واعزاز وتادف وترمانين، ما سبب دوي انفجارات قوية.
ويعد ريف حلب الشمالي من المناطق التي تعتبرها تركيا “آمنة” نسبيًا، بموجب تفاهماتها مع موسكو، ونادرًا ما تتعرض لقصف جوي.
وغابت كثافة القصف الروسي، منذ مطلع الشهر الحالي، عن مناطق سيطرة الفصائل السورية المعارضة، بالتزامن مع استمرار سريان ما يُعرف باتفاق “موسكو”، أو اتفاق “وقف إطلاق النار”، الموقّع بين روسيا وتركيا، في 5 من آذار عام 2020.
وكانت تركيا عمدت إلى البقاء في طرف الحياد منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، وحتى مع إغلاق معظم الدول الأوروبية مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الروسية بعد فترة وجيزة من بدء الغزو، سعت أنقرة بدلًا من ذلك إلى التوسط.
كما زودت أنقرة أوكرانيا بطائرات مسيرة مسلحة، رغم أنها قاومت التوقيع على العقوبات الغربية ضد روسيا.
وبنى كل من أردوغان وبوتين، علاقة وثيقة خلال السنوات الماضية، على الرغم من وقوفهما على طرفي نقيض في ساحات القتال في منطقة القوقاز المتنازع عليها في ناغورنو كاراباخ إلى جانب كل من سوريا وليبيا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :